السعودية وخطر العزلة الخليجية

gulf-council
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:

الخلافات التي ظهرت داخل مجلس التعاون الخليجي بفعل التصميم السعودي على تحويل المجلس إلى اتحاد اندماجي يعطي للمملكة سلطة الإلزام السياسي على سائر الأعضاء هي نتيجة مباشرة لاختلاف المواقف والتقديرات في التعامل مع الاعتراف الأميركي والغربي بالقوة الإيرانية الصاعدة في المنطقة والعالم.

أولا: يتضح في متابعة المواقف الخليجية التي أعقبت توقيع الاتفاق النووي في جنيف بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد وجود تفاوت واضح في تعامل العواصم الخليجية مع طهران واختلافها في تقدير الوضع الجديد.

سلطنة عمان التي تصدرت الاعتراض على الطرح السعودي كانت وسيطا في إدارة ورعاية المفاوضات السرية التي مهدت للاتفاق النووي والتي دارت في مسقط بين إيران والولايات المتحدة وكانت عمان منذ سنوات قد ميزت موقفها بالحفاظ على علاقات تنسيق وتعاون متينة مع الجمهورية الإسلامية في إيران كما أنها لم تجارِ حملة التحريض السعودية التي اتسمت بطابع عدائي ومذهبي في التعامل مع الدور الإيراني على صعيد المنطقة العربية ككل .

يتأكد اليوم أن ذلك الهامش الذي ميز عمان كان منسقا ومضبوطا تحت المظلة الغربية وبالتالي فالإستراتجية الأميركية التي قدمت الرعاية والدعم للعدائية السعودية ضد إيران هي نفسها أعطت لسلطنة عمان هامش المناورة الضروري لتحضير الاتفاقات بعد الهزيمة والفشل في كسر الإرادة الإيرانية وهذا يعني استخداما أميركيا للسعودية ولمن ساروا في ركابها لحساب معاركها ضد إيران بينما خصت عمان بدور مناقض تماما وهذا الأسلوب الأميركي في إدارة الملفات والنزاعات بات تقليديا ولم يتعلم منه المصممون على اللحاق بالمواقف الأميركية العدائية دون تبصر والذين يخوضون معارك مستميتة في خدمة الخطط الأميركية ولا يلتفتون إلى الوراء حيث تجري الولايات المتحدة ترتيبات احتياطية تضمن لها التراجع بأقل كلفة.

ثانيا: من الواضح أن في الدول الخليجية أيضا حكومات كالكويت والإمارات مصممة على عدم السير في النفس العدائي السعودي ضد إيران وهاتان الحكومتان لا تريان من الطبيعي الدخول في قطيعة مع الجمهورية الإسلامية بينما الولايات المتحدة والدول الغربية انتقلت إلى مرحلة جديدة من العلاقة معها وأسقطت حاجز تحريم الاتصال بإيران وشرعت بريطانيا أكثرها خبرة بالمنطقة في السير خطوات متقدمة لتطبيع العلاقات مع إيران والضغوط السعودية في هذا المجال تسير عكس الاتجاه الذي تتخذه التحولات العالمية والإقليمية في النظر إلى دور إيران المتعاظم في المنطقة.

أما الإمارات المتحدة التي يفترض أنها الدولة الخليجية الوحيدة الداخلة في نزاع إقليمي مع إيران حول الجزر الثلاث فهي ترتبط بعلاقات تجارية ومصرفية وثيقة جدا بالجمهورية الإسلامية وشكلت موانئها وبنوكها رئة اقتصادية ومالية مهمة في تصدي إيران للحصار والعقوبات خلال العقود الثلاثة الماضية. الكويت أيضا تميزت بمراعاة التشابكات العائلية والاجتماعية بينها وبين إيران وحرصت على الاحتفاظ بسلوك أكثر توازنا من المملكة السعودية التي تريد اليوم إقحام الجميع في معركة خاسرة لا يجدون لهم مصلحة في تحمل تبعاتها.

ثالثا: التغييرات التي أحدثها الإقرار الأميركي بالقوة الإيرانية الصاعدة أفسحت في المجال أمام ارتفاع أصوات المعترضين على سلوك المملكة الاستفزازي.

فالنهج الإيراني الذي عبر عنه وزير الخارجية محمد جواد ظريف تميز بالانفتاح وبالدعوة إلى الحوار والتعاون وإذابة الجليد وإزالة جميع العقبات من طريق التعاون بين دول الخليج وإيران وإذا وضعنا في الحساب الموقف القطري الذي يعكس مؤخرا محاولة لتوسل البوابة الإيرانية في تغطية التراجع القطري عن الدور الشرس في العدوان على سوريا ستكون الحصيلة أن السعودية باتت شبه معزولة داخل منطقة نفوذها التقليدية وهي لم تستطع منع حكومة البحرين الواقعة تحت حمايتها الأمنية عن المسارعة للتواصل مع إيران.

التحول ما يزال في البداية وهو سوف يتواصل ويتعزز خلال الفترة المقبلة ولن يلبث أن يولد ضغوطا داخل النظام السعودي في اتجاه التكيف مع الوقائع الجديدة التي اعترف بها الأميركيون وفرضوا على إسرائيل نفسها التكيف معها والرضوخ لنتائجها وقد كان بعض أمراء العائلة المالكة يستقوون بالحلف مع إسرائيل كما يسربون اليوم أحلامهم بالرهان على حرب إسرائيلية جديدة بتمويل سعودي تستهدف منظومة المقاومة في المنطقة وهي إن حصلت فستكون مغامرة قاتلة لكل من إسرائيل والنظام السعودي الواقف على حافة الهاوية ما لم يستطع هضم التغييرات والانكفاء أمام قوتها الهادرة التي تعصف من حوله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.