السلفيون في مصر… خلطة وهّابية «إخوانيّة»

gal.egypt_.salafis

تشكّلت الجماعة إسلامية في الجامعات المصرية وراحت تدعو إلى الجهاد، «الفريضة الغائبة»، عن حياة المسلمين لإقامة الدولة الإسلامية، ومن ثم الانطلاق لإعادة الخلافة الإسلامية من جديد. ويطلق عليها إعلاميّاً اسم «جماعة الجهاد»، إلاّ أنها تختلف عن جماعات الجهاد لنواحي الهيكل التنظيمي وأسلوب الدعوة والعمل بالإضافة إلى بعض الأفكار والمعتقدات.

العناصر والتأسيس

انطلقت الجماعة الإسلامية مطلع السبعينات على شكل جمعيات دينية داخل الجامعات، إبان فترة ركود الحركة الإسلامية، لتقوم ببعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية البسيطة في محيط الطلاب. ومع ذلك، كانت فقيرة العدد، ضعيفة الجهد يوم كانت تسيطر الاتجاهات الماركسية والقومية الناصرية على الحياة الجامعية، خاصة في جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية وأسيوط. فنمت داخل الكليات الجامعية، واتسعت قاعدتها، وتطور مفهومها ونظرتها إلى العمل الإسلامي، فاجتمع نفر من القائمين على هذا النشاط واتخذوا اسم «الجماعة الإسلامية» ووضعوا لها بناءً تنظيميًّا يبدأ من داخل كل كلية لناحية وجود مجلس للشورى على رأسه أمير وينتهي بمجلس شورى الجامعات وعلى رأسه «الأمير العام» أمير أمراء «الجماعة الإسلامية».

في أعقاب حرب رمضان أكتوبر 1973 اتخذ العمل الإسلامي داخل الجامعات المصرية بُعداً أوسع واستطاعت «الجماعة» قيادة الحركة الطالبية، والفوز بثقة الأغلبية الصامتة من الطلاب في الاتحادات الطالبية، في معظم الجامعات المصرية، فازدادت وتعددت أنشطة «الجماعة» الثقافية والتربوية من اللقاءات والندوات والمعسكرات، بل ازداد الاهتمام بحلول المشاكل الاجتماعية للطلاب وتعدى الأمر أسوار الجامعات فازداد الاهتمام بمشاكل المجتمع كافة.

عام 1977 انشقّت بعض قيادات «الجماعة» وانضموا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» التي عاد نشاطها في ذلك الوقت، ما أدى إلى ولادة «تيار للجماعة الإسلامية» يمثله «الإخوان» في بعض كليات جامعتي القاهرة والاسكندرية، لكنه قليل العدد، محدود التأثير، في حين أن التيار الآخر للجماعة الإسلامية والأكثر عدداً وتأثيراً يمثله التيار السلفي، وكان مستحوذاً على الجامعات كلّها تقريباً واستطاع «تحجيم نفوذ النصارى» حسب تعبير الجماعة.

كانت لـ«الجماعة» العديد من المواقف السياسية، أبرزها موقفها من معاهدة كامب ديفيد حينذاك وزيارة الشاه وبعض وزراء الكيان الصهيوني لمصر، فأقامت المؤتمرات والمسيرات ووزعت المنشورات خارج أسوار الجامعة للتنديد بذلك والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، ما أدى إلى تدخل الحكومة في سياسات الاتحادات الطالبية، فأصدرت لائحة جديدة لاتحادات الطلاب تعرف بلائحة 1979 التي قيّدت الحركة الطالبية. وازداد الضغط الإعلامي والأمني على قيادات الجماعة واشتدت مطاردتهم في جامعات الصعيد بخاصة، إذ اعتقلت بعض قيادتهم وفصائلهم.

عام 1979 التقى كرم زهدي عضو مجلس شورى «الجماعة» بالمهندس محمد عبد السلام فرج العضو في أحد فصائل تنظيم الجهاد وعضو مجلس شورى «الجماعة» في ما بعد وواضع كتاب «الفريضة الغائبة» الذي عرض على كرم زهدي فكر الجهاد، وأن الحاكم كفر وخرج على الملة فوجب الخروج عليه وخلعه وتغيير النظام، وأن لتنظيمه تشكيلاته المتفرعة، ثم عرض عليه فكرة اشتراكهم مع التنظيم للتخطيط لإقامة الدولة الإسلامية، فعرض كرم زهدي الفكرة على مجلس شورى «الجماعة» في صعيد مصر الذي يترأسه الدكتور ناجح إبراهيم، فوافق المجلس على أن يكون هناك مجلس شورى عام ومجلس شورى القاهرة، وعلى أن يتولى إمارة «الجماعة» أحد العلماء العاملين الذين لهم مواقفهم الصلبة ضد الطاغوت، فكان الدكتور عمر عبد الرحمن، فأقرّ تشكيل الجناح العسكري وجهاز الدعوة والبحث العلمي والتجنيد وتطبيق القوانين الإسلامية وجهاز الدعم اللازم للحركة في مجالاته المتعددة. ومنذ تلك الساعة انفصلت «الجماعة» عن توجهات التيار السلفي في الدعوة بشكل عام تحت مسمى «الجماعة الإسلامية».

اختير الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن أميراً لـ«الجماعة». وهو أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، فرع أسيوط، وسبق اعتقاله خلال حكم القائد الراحل جمال عبد الناصر، واتهم لاحقاً في قضية قتل السادات وبتهمة إمارة «الجماعة» تنظيم الجهاد والإفتاء بحل دم السادات، إلاّ أن المحكمة برأته ممّا نسب إليه وبرأته كذلك من قضية الانتماء إلى تنظيم الجهاد، ومن ثم واصل نشاطه في الدعوى، متنقلاً بين المحافظات، مشاركاً في المؤتمرات والندوات، عارضاً فكرة الجماعة، محمساً الشباب للجهاد والخروج على نظام الحكم، ما أدى إلى اعتقاله العديد من المرات وتحديد إقامته في منزله في الفيوم بعدما اتهم بالتجمهر وتحريض المصلين على التجمهر عقب صلاة الجمعة، لكن محكمة أمن الدولة برأته أيضاً مما نسب إليه وحفظت القضية وأخيراً استطاع السفر إلى أميركا ليقيم في ولاية نيوجرسي حيث الكثير من اتباعه، وينسب إليه: الفتوى بقتل فرج فوده، ضرب حركة السياحة في مصر، تفجير مركز التجارة العالمي و حكم عليه بالسجن في أمريكا بسببه.

في 6 تشرين الأول 1981 وبعد حادث اغتيال أنور السادات ظهرت «الجماعة» على الساحة بقوة إذ قام الجناح العسكري لـ«الجماعة» بقيادة الملازم أول خالد أحمد شوقي الإسلامبولي مع زملائه عبد الحميد عبد السلام الضابط السابق في الجيش المصري والرقيب متطوع القناصة حسين عباس محمد بطل الرماية وصاحب الرصاصة الأولى القاتلة، والملازم أول احتياط عطا طالي حميدة رحيل، بقتل أنور السادات أثناء احتفالات انتصارات أكتوبر في مدينة نصر في القاهرة ونسب إلى «الجماعة» الإعداد لخطة تستهدف إثارة القلاقل والاضطرابات والاستيلاء على مبنى الإذاعة والتلفزيون والمنشآت الحيوية في محافظات مصر. في تلك الأثناء، وخلال الحوادث، قبض عليهم جميعاً، وقدموا إلى المحاكمة التي حكمت عليهم بالإعدام رمياً بالرصاص، كما نفّذ الحكم في زميلهم المهندس محمد عبد السلام فرج واضع كتاب «الفريضة الغائبة» بالإعدام شنقاً، أما المقدم عبود عبد اللطيف الزمر، الضابط في سلاح المخابرات الحربية وعضو تنظيم الجهاد في القاهرة الذي انضم حديثاً إلى الجماعة الإسلامية بعد إزالة الخلافات في بعض وجهات النظر داخل سجن ليمان طره، الذي اعترض أولاً على خطة قتل السادات لعدم مناسبة الوقت، إلاّ أنه وافق أخيراً عليها لظروف خاصة، وحكم عليه في ما عرف بقضية تنظيم الجهاد، أربعين سنة سجناً بعد تدخل من جمعيات أميركية لمنع إعدامه!

في 8 تشرين الأول 1981 هاجم بعض أفراد الجناح العسكري لـ«الجماعة» الإسلامية مديرية أمن أسيوط ومراكز الشرطة واحتلال المدينة ودارت بينهم وبين قوات الأمن المصرية معركة حامية قتل فيها العديد من كبار رجال الشرطة والقوات الخاصة وانتهت بالقبض عليهم وفي مقدمهم الدكتور ناجح إبراهيم وكرم زهدي وعصام دربالة، فحكم عليهم في ما عرف آنذاك بقضية تنظيم الجهاد، أشغالاً شاقة مؤبدة 25 عاماً.

مطلع عام 1984، وبعد الإفراج عن الكثير من أعضاء الجماعة من غير المتهمين في قضايا التنظيم، أعيد تنظيم الجماعة برئاسة محمد شوقي الإسلامبولي ومن ثم زاد نشاطها في الدعوة إلى الله في المساجد ومن خلال اللقاءات والندوات والمعسكرات، وبخاصة بين الشباب والتلاميذ في المدارس والطلاب في الجامعات، في معظم محافظات مصر، مستغلة الكَسب الإعلامي لحوادث 1981، داعية إلى الخروج على الحاكم وقتال الطائفة الممتنعة عن إقامة شرائع الإسلام، ودفع ذلك قوات الأمن المصرية إلى الصدام الدائم معهم وإلقاء القبض على الكثير منهم وتعرضهم للتعذيب والتضييق الشديد، بل وصل الأمر إلى استخدام سياسة التصفية الجسدية ضدهم، ما أوجد بين أفراد الجماعة ردود فعل عنيفة راح ضحيتها الكثير من ضباط الشرطة وجنودها وآخرين.

كان للجماعة دورها في الجهاد الأفغاني إذ قدمت العديد من الشباب على أرض أفغانستان، من أبرزهم الشيخ علي عبد الفتاح أمير الجماعة في المنيا وأصدرت الجماعة مجلة «المرابطون».

تنسب إلى «الجماعة» محاولات اغتيال بعض الوزراء ومسؤولي الحكومة والشرطة، وأبرزهم الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصري السابق ودكتور فرج فوده الكاتب، ردًّا على أسلوب الحكومة في التصفية الجسدية والعقاب الجماعي لأفراد «الحركة».

الأفكار والمعتقدات

تبلورت معظم أفكار «الجماعة الإسلامية» في صورة كتب ورسائل داخل سجن ليمان طره ومن أهمها كتابة «ميثاق العمل الإسلامي»، وهو دستور «الجماعة» ويمكن تلخيص ما ورد فيه من الأفكار كالآتي:

غايتنا: رضا الله تعالى بتجريد الإخلاص له سبحانه وتحقيق المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم.

عقيدتنا: عقيدة السلف الصالح جملةً وتفصيلاً.

فهمنا: نفهم الإسلام بشموله كما فهمه علماء الأمة الثقات المتبعون لسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.

هدفنا: تعبيداً للناس لربهم وإقامة خلافة على نهج النبوة.

طريقنا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله خلال جماعة منضبطة حركتها بالشرع الحنيف تأبى المداهنة أو الركون وتستوعب ما سبقها من تجارب.

زادنا: تقوى وعلم، يقين وتوكل، شكر وصبر، زهد في الدنيا وإيثار للآخرة

ولاؤنا: لله ورسوله وللمؤمنين

عداؤنا: للظالمين على أن الكفر منه أكبر وأصغر وكذا الظلم منه أكبر وأصغر فيوالي من عنده ظلم أصغر على قدر ما عنده من خير، ويعادي على قدر ما عنده من ظلم

اجتماعنا: لغاية واحدة، بعقيدة واحدة، تحت راية فكرية واحدة

الفريضة الغائبة: حكم قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام حيث يعتقدون

أن الجهاد هو القتال أي المواجهة والدم، أما اقتصار الجهاد على الوسائل السلمية مثل الكتابة والخطابة والإعداد بتربية الأمة العلمية والفكرية أو بمزاحمة السياسيين في أحزابهم وأساليبهم السياسية، بل إن الاهتمام بالهجرة يعد من الجبن والتخاذل ولن ينتصر المسلمون إلا بقوة السلاح وعلى المسلمين أن ينخرطوا في الجهاد مهما قلّ عددهم».

الطوائف المنتسبة إلى الإسلام الممتنعة عن التزام بعض شرائعه تقاتل حتى تلتزم ما تركته من الشرائع، كذلك قتال من عاونهم من رجال الشرطة ونحوهم، وإن خرجوا مجبرين يقتلوا ويبعثوا على نياتهم.

يرون أنّ القتال ليس فحسب لمن داهمنا في ديارنا واستولى على جزء من أرض الإسلام، بل هو أيضاً لمن يقف بالسيف والسلطان في وجه دعوتنا رافضاً التخلية بيننا وبين الناس، ندعوهم لدين الله ونحكمهم يشرع الله لأن الاستعمار. هو العدو البعيد والحكام الكفرة هم العدو القريب فهم أولى من قتال العدو قتالاً أي طائفة على وجه الأرض تحكم الناس بغير شرع الله، فهي كافرة وإن تكن منتسبة إلى الإسلام البعيد.

بناء على ذلك، يرون حتمية المواجهة، كما في رسالتهم حتمية المواجهة للأسباب الآتية: يحكمون على الديار المصرية وما شابهها بأنها ليست بدار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون أهلها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحق، ويقاتل الخارج على شريعة الإسلام بما يستحق، ولذلك لا يكفرون الأمة إنما يكفرون الحكام الذين يبدلون ويعطلون شرائع الإسلام، ولا يحرِّمون تولي الوظائف الحكومية مثل جماعة التكفير.

يوجبون الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لآحاد الرعية بمراحله الثلاث، ولكن يؤخذ عليهم في ذلك عدم مراعاة الضوابط الشرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وميلهم للاستعجال والقاعدة: «من تعجل الأمر قبل أوانه عوقب بحرمانه».

تعارض «الجماعة» مشاركة الاتجاه الإسلامي في الحكومات العلمانية المعادية للإسلام، إذ أن هذه المشاركة تترك مفاسد كثيرة وتوقع الجماهير العريضة في الحيرة والتضليل والشك، فهي تدلل على شرعية الحكومة التي تصدر وتطبق القوانين الوضعية.

الجذور الفكرية

تُعد «الجماعة الإسلامية» القرآن الكريم والسنة النبوية مصدري أفكارها، لذا تكثر من الاستشهاد بآيات الجهاد والأحاديث التي تحث على الجهاد. كما تلجأ «الجماعة» إلى فتاوى العلماء وأبرزهم شيخ الإسلام ابن تيمية 661 728 هـ الذي ملئت كتاباتهم بأقواله وفتاواه. وتلجأ أيضاً إلى الوقائع التاريخية وأقوال العلماء أمثال ابن القيم، والقاضي عيا، وابن كثير، والنووي، وسيد قطب، لتدلل على أفكارها ومبادئها.

يؤخذ على «الجماعة» انشغالها بقضية الخروج على الحكام من دون تفريق بين مسلمهم وكافرهم ومن دون إعداد العدة لمن كفر منهم ما تسبب بقتل الأبرياء من المسلمين، والتضييق على الدعوة الإسلامية، وتبعثر الجهود الخيّرة . وتنبه قادة «الجماعة» في الفترة الأخيرة إلى سوء عاقبة مسلكهم الأول، فلعلهم بعد ذلك يُعنون بالعلم الشرعي وبنشر العقيدة الصحيحة بين العامة وتبصيرهم بالبدع والشركيان والمخالفات لتستحق الأمة بعد ذلك النصر والتمكين كما هي سنة الله.

أماكن الانتشار: تتركز القوة الرئيسة لـ«الجماعة الإسلامية» في الصعيد المصري، خاصة في محافظة أسيوط، ولها أنصار في جميع المدن والجامعات المصرية. كما انتشر كثير من أتباعها في الدول الأخرى نتيجة مطاردتهم من قبل الحكومة المصرية

يتضح مما سبق أن «الجماعة الإسلامية» تعتبر الجهاد الدواء الناجح والعلاج الناجع لإعادة الخلافة الإسلامية للمسلمين، وترى أن إقامة الدولة الإسلامية، ومن ثم الخلافة، فرض عين، وتقول: إن حكام المسلمين الذين يرفضون تطبيق شريعة الله كفار يجب الخروج عليهم. ولا تكفر هذه الجماعة الأمة مثل جماعة التكفير والهجرة، وتعتقد أن الجهاد هو القتال، وهو قمة العبادة في الإسلام، أما الجهاد بالوسائل السلمية فحسب فهو جبن وغباء.

والجدير ذكره أن ثمة مجموعات أخرى عرفت باسم «تنظيم الجهاد» ودعت إلى الخروج على الحاكم بالجهاد المسلح لتغيير نظام الحكم مثل «تنظيم الفنية العسكرية» عام 1974 بقيادة صالح سرية وكارم الأناضولي، كذلك تنظيم «جهاد الإسكندرية» عام 1976، أو»تنظيم سالم الرحال الأردني» وليس لهذه التنظيمات علاقة بالجماعة الإسلامية.

صحيفة البناء اللبنانية – فؤاد عيتاني

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.