الصواريخ على الضاحية الجنوبية ليست انذارا بل عمل «حربي» تجاوز «الخطوط الحمراء»

dahieh-rocket

الرهان على «عقلانية» حزب الله لن تكون مجدية اذا ما اختار «المجانين» العبث بأمن المقاومة..

صحيفة الديار اللبنانية ـ
ابراهيم ناصرالدين:

سقوط الصاروخين على اطراف الضاحية الجنوبية لبيروت لن يغيرا من المعادلة التي ارسى قواعدها علنا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب الذكرى 13 لتحرير جنوب لبنان،وبغض النظر عن هوية الجهة المنفذة سواء كانت استخباراتية ام جهة تابعة للمعارضة السورية، فان هذه الصواريخ لم تات ردا على اعلان السيد علنا عن انخراط الحزب في حرب استباقية في سوريا،وانما جاءت لتؤكد ما حذر منه حول خطر تلك المجموعات اذا ما قررت انتقال هذه الحرب الى الساحة اللبنانية، ومن الواضح ان الجهة المنفذة ارادت القول صراحة انها لن تقبل بمعادلة فصل الجبهتين اللبنانية والسورية.
اوساط سياسية متابعة لهذا الملف تلفت الى ان هذا الخرق الامني كان متوقعا ولم يكن مفاجئا، والاجراءات الاحترازية قائمة على قدم وساق منذ اشهر على المستوى الاستخباراتي وعبر الاجراءات الميدانية لمنع اي خرق للمناطق المحسوبة على المقاومة،وهذا ما دفع الجهة المنفذة الى اختيار اطلاق الصواريخ البعيدة المدى من مناطق غير مشمولة بالاجراءات الامنية، ومن الواضح ان الهدف لم يكن ابدا توجيه رسالة في السياسة عبر البوابة الامنية، وانما القصد من تلك الصواريخ العشوائية كان نقلا للمعركة الى الداخل اللبناني، في الحاق الاذى بالمواطنين وضرب العمق الامني للضاحية الجنوبية كان واضحا وجليا، اما عدم سقوط ضحايا فكان بمحض الصدفة، وبتدخل من العناية الالهية التي جنبت البلاد ردود فعل «انفعالية» كان سيصعب لجمها لو تسببت الصواريخ بمجزرة.
وتشير تلك الاوساط الى اطلاق الصواريخ هو ما يمكن توصيفه بالانتقال من مرحلة الى اخرى تنذر بتطورات دراماتيكية على الساحة اللبنانية اذا لم يتم التعامل بجدية مع هذا التحدي الامني الجديد. اما كلام السيد نصرالله فكان بمثابة الاعلان عن واقع كان موجودا في سوريا منذ اشهر، والحديث عنه علنا كان بمثابة الشرح للموقف وطبيعة المعركة الدائرة هناك، وليس اعلانا عن بداية تحول في الحرب السورية، فحزب الله يشارك في المعارك بفعالية ويدير عمليا اكثر من جبهة قتال وقواته كان لها الفضل الاكبر في استعادة الكثير من النقاط الاستراتيجية في سوريا.
وما قاله السيد نصرالله علنا ليس بجديد وهو كلام سمعه كبار المسؤولين في الدولة اللبنانية وعلى رأسهم الرئيس ميشال سليمان في لقاءات علنية واخرى بقيت قيد الكتمان،وما فعله السيد انه اضطر الى مكاشفة اللبنانيين بحقيقة المخاطر المحدقة بهم بعد ان لمس تماديا من القيادات اللبنانية في اللامبالاة، والموقف «الصادم» لرئيس الجمهورية قبل ساعات قليلة من كلام السيد شكل حافزا مهما له لتجاوز كافة المحظورات، لانه فهم من كلام سليمان ان الرئاسة الاولى لم تقتنع حتى الان بكافة المعطيات التي نقلت اليها عبر الاجهزة الامنية وعبر اوساط الحزب لشرح مخاطر التراخي الامني في الداخل والذي سمح بتحرك غير منضبط لمجموعات تحمل الفكر التكفيري في لبنان،وعندما اختار الرئيس ان يقول موقفه علانية دون حد ادنى من تحمل المسؤولية السياسية حيال وقائع موجودة امامه وتبرر لحزب الله تأمين المنطقة الحدودية المتاخمة للبنان، وبدل تجنب الخوض في هذا السجال علنا في ظل استمرار النقاش في الغرف المغلقة، اختار التشكيك امام الرأي العام بدور حزب الله، وهو ما فهمه الحزب على انه رسالة ليس مصدرها بعبدا بل هي رسالة خارجية مهرها سليمان بختم الرئاسة.
وتلفت تلك الاوساط الى ان خلفية كلام الرئيس لم تعد مهمة، سواء كانت محاولة استبقاية «للنأي» بالنفس عن المقاومة ربطا بالمعلومات الموثوقة التي وصلت الى الرئاسة الاولى عن اتجاه اوروبي حاسم لادراج الحزب على لائحة الارهاب مطلع الشهر الجاري، او اسباب انتخابية اختار معها الرئيس خلع القفزات والتحق علنا بمواقف فريق 14 اذار، فالامر المهم يتعلق الان بماهية الاجراءات التي ستتخذها الدولة وعلى راسها رئيس الجمهورية لمواجهة هذا المعطى الجديد،خصوصا ان الرئيس ارتكب «فولا» غير مبرر عندما اطلق المواقف المنتقدة للمقاومة من «بوابة» اليرزة، محرجا قيادة الجيش التي لا تريد ان تتحمل وزر هذا الكلام، والسؤال هنا يرتبط بخلفية اسباب زج القيادة العسكرية في اتون مواقف سياسية لا تحمل البعد الوطني الجامع،ولذلك ارتسمت اكثر من علامة استفهام حول خلفية اختيار الرئيس للمناسبة والمكان لاطلاق مواقفه غير المسبوقة والتي لا يمكن باي حال من الاحوال ربطها بالاستحقاقات الداخلية والقول ان الرئيس يحاول من خلال مواقفه التشكيكية بالمقاومة، التخفيف من وقع مسؤوليته المشتركة مع القوات اللبنانية عن دفن القانون الارثوذكسي ووضع المسيحيين امام خياري قانون الستين المجحف او التمديد.والواضح من كلام السيد ان الاتصالات التي جرت خلال الساعات التي سبقت الخطاب قد افضت الى تنصل واضح من المؤسسة العسكرية لما ورد من كلام رئاسي، وهو ما ترجمه السيد في خطابه اشادة بمناقبية المؤسسة العسكرية.
وتلفت تلك الاوساط الى ان واقعة اطلاق الصواريخ جاءت لتؤكد كلام السيد نصرالله حول توصيفه للمعركة ومخاطرها، وكان كلامه بمثابة دعوة علنية للدولة اللبنانية للمشاركة بفعالية في هذه الحرب التي تطال جميع اللبنانيين وليس حزب الله وحده، وهو من خلال استعراضه لتقاعس الدولة في توفير البنى التحتية الملائمة لمواجهة اسرائيل، شرح اسباب تصدي حزب الله لواجب الدفاع عن لبنان، وهو بالامس اطلق دعوة واضحة لكل اللبنانيين للمشاركة في منع هذا الخطر الداهم، بدل الوقوف بعد سنوات من اليوم للوم المقاومة على تفردها في هذه المواجهة، والسيد نصرالله تحدث بالامس من موقع العارف بمدى التبسيط الذي يتم من خلاله معالجة الكثير من المعلومات الامنية المتوافرة بين الاجهزة اللبنانية والتي يتم وضع ملفاتها بالادراج بفعل تدخلات بعض السياسيين الذين ينطلقون في معالجة هذا الملف من خلفية مذهبية واضحة دون الالتفات الى المخاطر الجدية التي باتت تحتاج الى تحرك عاجل قبل خروج الامور عن السيطرة.
وتشير تلك الاوساط الى ان حزب الله لا يعتبر تلك الصواريخ مجرد انذار او رسالة، ولكنها بمثابة اعلان حرب من قبل جهات داخلية وخارجية لم تعد مقتنعة بتحييد الساحة اللبنانية، فما حصل تجاوز لكافة الخطوط الحمراء المرسومة ولا يمكن التغاضي عنها بسهولة، واذا كان حزب الله معني بمنع الفتنة فان الطرف الاخر عليه ايضا ان يكون حريصا على هذا الامر، وانطلاقا مما حصل بالامس فان الحزب بات قاب قوسين او ادنى من التخلي عن سياسة ضبط النفس تجاه الاستفزازات التي يتعرض لها في اكثر من منطقة، وقد وضعت الجهات المعنية امام مسؤولياتها وتم ابلاغها بالخطوط الحمراء التي لا يمكن القبول بتجاوزها، أكان ذلك في طرابلس عبر استفراد القوى الحليفة للمقاومة، او في صيدا التي تقترب من الانفجار الكبير، واذا لم تتحرك الدولة «لصب الماء» على بعض «الرؤوس الحامية» فان حزب الله سيجد نفسه مضطرا لاتخاذ الاجراءات المناسبة لحماية المقاومة في لبنان، واذا كان قد جند «ثلة» من قواته في الحرب الاستباقية في القصير بهدف «تامين ظهره» ومنع انتقال الحرب الى الداخل اللبناني، فان قرار بعض «المغامرين»نقل المواجهة الى «داخل المنزل» ستفرض على الحزب تصرف من نوع اخر خارج سياق اي عقلانية لم تعد تجدي في مواجهة «المجانين».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.