العدس.. "لحم الفقراء"

 

يعتبر العدس من أقدم الأغدية البروتينية التي عرفها الإنسان، ولقيمته الغذائية اعتمد عليه معظم الطبقات العامة للشعوب، لدرجة أنها تفننت في طرائق طهيه وإعداده بأنواع مختلفة، والعدس نبات ينتمي إلى فصيلة النباتات القرنية، بذوره مستخدمة في إعداد الأطعمة، وينمو في مصر وجنوبي أوروبا والولايات المتحدة وغربي آسيا، بذوره ذات لون بني يميل إلى الحمرة، أو رمادي أو أسود، ولا يزيد قطرها عن 13 ملم.

نسبة ضئيلة

يحتوي العدس على نسبة عالية من البروتين، تصل في كل مئة غرام إلى نحو 27.5 في المئة، وغناه بالبروتين يجعله عوضاً عن تناول اللحم، وتصل نسبة المواد الكربوهيدراتية إلى ما يقرب من 5.9 في المئة، بينما يحتوي على نسبة ضئيلة من الدهون نحو 1.4 في المئة، وهي دهون نباتية مختلفة تماماً عن الدهون الحيوانية المشبعة التي ترفع الكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم، كما يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات اللازمة لسلامة البصر والجلد وعمليات النمو وحيوية الجسم والحفاظ على الخصوبة.

يعد العدس من الأطعمة الغنية بمجموعة فيتامين «ب»، إضافة إلى احتوائه على مركبات عدة، منها الثيامين والنياسين وحمض الفوليك، وكذلك يحتوي على ما يعادل 59.3 مليغرام كالسيوم و107 مليغرامات فسفور و438 مليغرام حديد، وهذه الأملاح المعدنية تساعد على تقوية العظام وسلامة الأسنان والغضاريف ومكونات الدم، ويعتبر العدس مصدراً للألياف الغذائية بنوعيها القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان.

تقوية العظام

وأكد خبراء التغذية أن العدس يكاد يكون معادلاً للحوم من حيث القيمة الغذائية، وقد يتفوق عليها في بعض النواحي، فهو يحتوي على مواد كربوهيدراتية، والكالسيوم والفسفور والحديد التي تفيد آكلها في تقوية العظام والأسنان والدم، ويحتوي على مواد كربوهيدراتية وقليل من الشحم، وهذه العناصر تجعل مقداراً من العدس لا يتجاوز خمسين غراماً يعطينا قدرة حرارية مقدارها 333 سعراً، لذا يجب أن يكون العدس غذاء أساسياً للذين يبذلون مجهودات عضلية شاقة.

شكر النعم

ورد ذكر العدس في قوله تعالى: (وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ).

في العهد القديم كان العدس طعام أيام القحط والحزن والألم، في حين اعتبره الرومان من أغذية الطبقات الوضيعة جداً، يأكله الفقراء والراغبون في التقشف وترك متاع الدنيا من الطعام، وفي مصر الآن يشتهر العدس في الأحياء الشعبية باسم «لحم الفقراء»، وإن كان كذلك فالعدس يبقى نعمة من نعم الله على الأغنياء والفقراء، فعلينا أن نشكر الله عز وجل على ما أودع في هذه النعمة من منافع، فبيَّن الله تعالى نعمته علينا بالماء النازل من السماء، والنابع من الأرض، فهو الذي زَرَعهُ، ونمَّاهُ حتى تكامل، ويسَّرَ لنا الأسباب التي تُيسِّرُ جنيه وحصاده، ثم طَحْنه وطَبْخه، إلى غير ذلك من النِّعَم الكثيرة.

قال بعض العلماء: إِنه لا يُقدَّم الطعام بين يديك وإِلا وفيه ثلاثمئة وستون نِعْمَة، هذا الذي يُدْرَكُ فكيف بالذي لا يُدْرَك؟ ثم بعد ذلك نِعَمٌ عند تناوله، وعندما تأكله على جوع ماذا تكون لذته؟ وعندما تطعمه في فمك تجد لذَّة، وعندما يمشي في الأمعاء لا تجد تعباً في ذلك.

فالآن لو يقف على يدك بعوضة أحسست برجليها وتقشعر منها، لكن هذا الطعام الغليظ ينزل في هذه الأمعاء الرَّقيقة ولا تحسُّ به نِعْمَة من الله عزّ وجل، لأن داخل الجوف ليس فيه إحساس فيمرُّ فيه بدون إحساس، ثم إن الله تعالى خلق غُدَداً تُفرِز أشياء تُلَيِّن هذا الطعام وتخفِّفه حتى ينزل، ثم إن الله عزّ وجل جعل له قنوات يذهب معها الماء، وهناك عروق شارعه في هذه الأمعاء تُفرِّق الدَّمَ على الجسم، توصله إلى القلب، هذه القطعة الصغيرة التي تطهر الدم، وتخرجه إلى الجانب الآخر من القلب نقيّاً، ثم يدور في البدن، ثم يرجع مرَّة ثانية إلى القلب فيطهِّره ويصفيه، ثم يعيده نقيّاً، وهكذا دواليك، وكلُّ هذا ونحن لا نحسُّ بهذا الشيء، وإلا فالقلب يُصْدِرُ نبضات، كلُّ نبضة تأخذ شيئاً، والنبضة الأخرى تخرج شيئاً من هذا الدم.

نعمة دينية

ومع ذلك يذهب هذا الدَّم إلى جميع أجزاء الجسم بشُعَيْرَات دقيقة منظَّمة مرتَّبة على حسب حكمة الله وقدرته، ومع هذا أيضاً: فإنَّ من قدرة الله العظيمة البالغة أنَّ مجاريَ العُروق لا تتَّفق في الأعضاء، فكلُّ عضو له مجارٍ خاصَّة، بمعنى أنَّ يدك اليُمنى ليست المجاري فيها كيدك اليسرى؛ بل تختلف، وكذلك بالنسبة إلى الرِّجل تختلف، كلُّ هذا من أجل بيان قُدرة الله عزّ وجل، ولا شكَّ أن هذا لمقتضى الحكمة، فلولا أن هناك حكمة تقتضي أن لهذه اليد مجاري معيَّنة؛ ولهذه اليد مجاري خاصَّة لم يخلقها الله هكذا.

المهم من كلِّ هذا أن نبيِّن به أن لله علينا نعماً ماديَّة بدنيَّة في هذا الطَّعام، سابقة على وصوله إلينا ولاحقة، ثم إن هناك نعماً دينيَّة تتقدَّم هذا الطعام وتلحقه، فتُسمِّي عند الأكل؛ وتحمد إذا فرغت، فإن الله تعالى يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها، ورضى الله غايةُ كلِّ إنسان، فمن يُحصِّل رضى الله عزّ وجل؟ فنحن نتمتَّع بنعمه، فإذا حمدناه عليها رضي عنَّا، وهو الذي تفضَّل بها أولاً.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.