العرب والعداء لإيران.. أين المصلحة؟

iran-arabs

موقع إنباء الإخباري ـ
الجزائر ـ نصرة حسيب:
لست أدري في أي زاوية يقف من يرى إيران عدوة للعرب وتتواطأ مع الأمريكي ضدهم ، وأصلا أين تتجلى عداوة إيران للعرب؟ هل هناك دليل واحد؟؟
بلا مقدمات دخلت إيران قلوبنا وتربعت عليها لأننا نراها فعلاً من أهل طاعة الله ، لقد هزمت معسكر الباطل ووافقت حركاتها شريعة الله السمحة ، كانت وما زالت مصداقا للإسلام المحمدي الأصيل.
إذا تابعنا تاريخها منذ الثورة الإسلامية المظفرة نجدها جسدت السيناريو الذي عاشت على أمل تحقيقه أجيال من شرفاء أمة المصطفى ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حيث تؤلف إيران جزءاً مهماً منها، فنحن نتشارك معها في الدين والدنيا، تاريخنا واحد حاضرنا ومستقبلنا كذلك، عدونا واحد، مصالحنا واحدة ، فنحن في خانة واحدة سواء كنا في السلم أو في الحرب. فإيران تربطنا بها الأخوة في الإيمان بالله تعالى، وهذه لا يمكن أن تجلب لنا الذل بأي شكل من الأشكال.
فالمنطق والعقل يقولان إن إيران هي الأولى بالإتباع. صحيح – كما يقال – إن الحب والكره حالة شعورية داخلية لا يمكن أن تفرض من قبل المشرع، لكن متى ما تكونت لدينا فكرة واضحة تمكن العقل من التمييز، بحيث تبدأ ميولنا تتبلور وفقا لاختيارنا.
ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام): “إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا ، فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبك، وإذا كان يبغض أهل طاعته الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحب”.
من الثابت أن إيران أبدعت في كل مجالات الحياة ، كانت بالفعل وما زالت نقيضاً واضحاً لما كان سائداً قبل الثورة الإسلامية الحسينية الخمينية، وهذا يعني أن إيران وصلت للهدف الذي نهض الشعب من أجله.
لقد لمس هذا الشعب التغيير واقعاً، حيث تحول الذل إلى عزة، والتبعية إلى استقلالية، والتخلف إلى تقدم، والجهل إلى علم، واليأس إلى أمل، واستحالت الظلمة نوراً.
إذن التغيير الإيجابي في إيران لا ينكره إلا جاحد، وعدم إتباع إيران للإقتباس منها لا يفسره سوى عقدة نفسية نعاني منها اسمها العصبية البغيضة والتي هي في الواقع خدمة مجانية نقدمها لمعسكرالشر لنساعده في حصاره ضد هذا البلد الذي ينبض بالمقاومة ورفض الإستكانة إلا لله. فلا يجب أن نجعل التعصب يعمينا عن الحقيقة وبالتالي الإقتراب والذوبان والتنظير لمستقبل واعد مع إيران المسلمة دون التدقيق في أسباب الفرقة التي ما فتئ العدو المشترك يذكيها لصالحه .
لكن إذا أردنا أن ننظر بموضوعية للمسائل، فمن الثابت أن ما يربطنا بإيران هو المصلحة الواحدة، إذن “اخلع الغشاوة واقترب” سترَ جيداً كم نحن متوافقون ومنسجمون، وابحث في ذاكرة الشعوب العربية،هل تجد صورة سلبية لإيران؟؟؟
أبداً، ستراها الأمة المكافحة مثلنا تماما، أقدمت هي الأخرى على ثورة مثلنا تماماً، وانتصرت أيضاً مثلنا، لكن مع فارق ليس بسيطاً، فهي استمرت وكتب لها النجاح، لكننا تعثرنا عثرة كبيرة أسقطتنا أرضاً، وإذا استسلمنا سوف يكون باطن الأرض أولى بنا لأننا لا نستحق أن نعيش، لأن حياة الذل موت غير شريف، أما حياة العزة فهي مع كرامة الإنسان المكرم من قبل خالقه.
حتما ستقول لي : إن كل هذا واقع لا نستطيع أن ننكره وإننا فعلا نريد الإقتراب من إيران والاقتباس منها لعلنا ننهض من عثرتنا ونكمل ما سطره الشهداء والمجاهدون في سبيل الله، لكننا تحت ضغط كبير جداً من قبل قوى ظاهرة و”أخرى خفية” تعمل على شلّ حركتنا وسد الطريق أمامنا بكل الأساليب وعبر كل الطرق ومن مصلحتها ألا نتحد مع من يناصبها العداء ويملك القوة على قلب الطاولة وخلط الحسابات وانتزاع الحق،لأنها تريد أن تكون هي المسيطرة، وهي لا تتورع عن حرفنا عن هدفنا والدوس على رقابنا حتى لا نتمكن من رفعها ثانية.
وعندها سأقول لك، إن من يريد الحياة الحقيقية فعلا سيبلغه الله إياها ولوبعد حين، لأن هناك عقيدة راسخة تقول إن الله أكرمنا ولا يكتب لنا الذل وما لم يرتضِه الله لنا لن تستطيع قوة في الأرض أن تجعلنا نرضى به وننسجم معه ونتعايش، سنبقى في حالة مخاض مهما كان عسيراً حتى تلد المقاومة حياة الشرف.
لكن لندقق قليلاً في صورة الغرب،هل تنكر أنه هو العدو المغتصب للأرض والعرض، ومن العبث أن نحاول تبيان الفظائع التي ارتكبها وما زال يرتكبها؟
لكن واقعا “ما يجمعنا به أكثر مما يفرقنا” ـ هذا جاء على لسان أحد المجاهدين الذين قادوا إحدى الثورات ضد هذا العدو، إذن لماذا نخول لأنفسنا استنساخ كل ماهو غربي ـ ولا نجد في ذلك حرجاً فيبدو أنه ليس له صورة سلبية في الذاكرة الجماعية ، فلغته مستساغة وصناعته أكثر وكل ما يأتينا منه على قلوبنا مثل العسل ويصعب علينا مقاطعته لأن له جاذبية، وإذا بحثنا عن السبب نجد الجواب أننا فقدنا الكثير من الصفات الإيجابية التي يفترض أن تؤلف شخصيتنا وإرادتنا وقرارنا الذي كان عليه أن يمنع أي تسلل لعدونا ليجد مكانة في قلوبنا تحت أي مسمى، حتى لوكان المصلحة التي تصوّر لنا على أنها عين الحكمة والواقعية، ومن يرى غير ذلك متخلف ورجعي وليس لديه القابلية للتدجين ليكتمل خضوعه.
لقد طبعت بلادنا العربية بالتبعية، والذل أصبح قدرنا ودماؤنا أهون من المياه الآسنة ولن أقول مياه الشرب وليس لدينا لنا دية، وفي أحسن الأحوال نتوصل إلى نتيجة هي أننا لا نستحق الحياة. فانسداد الأفق وغياب الأمل في المستقبل وزيادة منسوب الإحباط في بناء إنسان عربي يستطيع أن يبني وطنه هو المسيطر بلا منازع ، والحديث عن إيجاد حلول للخروج من من المأزق أصبح مجلبة للإستهزاء والإستخفاف، وكأنك تريد أن تحدث المعجزة وتحيي الموتى ، فاليأس فعلا مستحكم.
أعتقد أنه من الواضح أن الله عندما يريد أن يقيم علينا الحجة لن يترك لنا حجة. ليس هناك أوضح من التمييز بين معسكر الحق والمقاومة وبين معسكر الباطل والانبطاح. ولن يفلح أي فتّان – مهما بلغ دهاؤه ونفاقه الذي لازمه لسنوات طوال حتى يكون مقنعا في طرحه الخبيث ـ في السيطرة على عقول تنوّرت بالبصيرة ومارست عملية الإستبصار بنجاح ، فهل يعقل أن يلتبس علينا الحق والباطل لو كنا في زمن الحسين (عليه السلام)، عندما كانت المواجهة بين سبط خير الخلق وبين شرالخلق؟ وقتها الإختيار كان سهلاً جداً ومريحاً. والآن أيضاً، فلولا العصبية البغيضة لكانت إيران هي النموذج الذي يحتذى به فكريا وعمليا في كل شيء، فهي فعلا تمثل قبس النور الذي من الواجب اتباعه حتى نزيح عتمة التبعية لمستكبر يعمل دون هوادة على قتل الحياة فينا بكل الأساليب، متجاهلا أنها لا تموت بفضل عرق نابض بالمقاومة يتنفس العشق الإلهي والحياة الحقيقية حيث لا انحناء إلا لله تعالى.
لكن إذا راودنا الشك واخترنا اتباع الغرب لأن ذلك باختصار شديد أصبح جزءاً من تقاليدنا المتوارثة، فاعلموا إنما ذلك فعلا نقصان في الهدى وزيادة في العمى. وعلينا أن نتحمل وزر ذلك دنيا وآخرة.
فإن غم عليكم البدر في ليلة تمامه فأعلموا إنما ذلك نقصان في الهدى وزيادة في العمى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.