العمليات السرية داخل إيران في قضية مهسا أميني

موقع الخنادق:

جاءت ردّة الفعل على حادثة وفاة أميني لتثير معها الشكوك عمَّا إذا كانت استجابة عفوية تلقائية تعبيرًا عن غضب حقيقي وانفعال مشاعري عاطفي أو أنها فعل مقصود ومعدّ مسبقًا ومخططًا له بانتظار لحظة الصفر. هذه الشكوك لم تنشأ من فراغ، وإنما لعوامل رئيسة: الأول هو استباق ردة الفعل نتيجة التحقيق؛ الثاني: البروباغندا الدعائية الجاهزة من الوسائل الإعلامية المعادية؛ الثالث: سرعة انتشار عملية التضليل والتحريض على مواقع التواصل ما دفع بالسلطات لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط عملية النشر؛ الرابع: طبيعة ردة الفعل التخريبية والعنيفة؛ الخامس: سرعة الانتقال في الشعارات إلى محاربة النظام؛ السادس: دخول البعد القومي والمناطقي على الخط؛ السابع: التصريحات الكردية المباشرة والتدخل الأمني والسياسي العلني. ولعل الالتفات إلى أن كلمة “مهسا أميني” وردت في الإعلام العالمي بعدة أضعاف عن كلمة أوكرانيا، رغم طول مدة الحرب الأوكرانية، يشكّل لوحده إجابة قوية عن مدى التدخّل الأجنبي ودوره في التخطيط والتحضير والاستثمار للأزمات الداخليّة.

لقد حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة احتواء إيران منذ قيام النظام الجمهوري الإسلامي فيها. ومع السياسات الفاشلة على مستوى التقدير والتخطيط والتنفيذ بهدف تقويض نفوذها المتنامي باستخدام الأساليب العسكرية والعقوبات الاقتصادية العدوانية، تحولّت سياسات العدو باتجاه الحرب الناعمة والغزو الثقافي خلال العشرين سنة الماضية؛ فاعتمدت مختلف انواع العقوبات الأممية، وفي مختلف المجالات والقطاعات، وحملة الضغط الأقصى وافتعال الفتن الداخلية وإثارة الحالات الانفصالية وتحريك الخلايا الإرهابية.

الموساد في الساحات القومية والعرقية

لطالما شكّلت المناطق الحدودية ساحة عمل أساس لأعداء إيران في إثارة النعرات المذهبية والحساسية القومية. وقد انطلقت شرارة الاحتجاجات الأولى من مسقط رأس مهسا أميني، مدينة ساكيز أو سقز في محافظة كردستان، غربي البلاد، على الحدود الإيرانية العراقية، حيث تشهد المنطقة بين الفينة والأخرى هجمات من عناصر الحزب الديمقراطي الكردستاني على الحرس الثوري الإيراني، واشتباكات بينهما بين الفينة والأخرى. وقد تلقّفت المدن الأخرى في المحافظة التظاهرات، مثل سنندج، ديواندره بانه وبيجار، ثم امتدت إلى طهران وعدة مناطق حدودية ذات الأقليات القومية والعرقية في عدد من محافظات أطراف البلاد، فاندلعت في تبريز، شمال غربي إيران؛ في أذربيجان ذات الغالبية الآذرية؛ في محافظتي كيلان ومازندران، شمالي البلاد؛ في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران على الحدود مع كل من أفغانستان وباكستان؛ في شيراز جنوب إيران، شمال غرب محافظة فارس، وغيرها من المحافظات.

ومؤخرًا، أعلنت السلطات الإيرانية القاء القبض على 10 أشخاص مرتبطين بـ”الموساد الإسرائيلي”، للقيام بأعمال تخريبية واغتيال عناصر أمنية في اذربيجان الغربية، المتاخمة للحدود التركية والعراقية وذات الأغلبية من الأقلية الكردية، وطهران العاصمة، وهرمزغان جنوب شرقي البلاد بقومياتها المتنوعة ما بين العرب والفرس والبلوش، وذلك لإشعال نار الفتنة أكثر وإثارة النعرات. وينشط الاختراق السعودي لأقليات تلك المناطق منذ أكثر من عشرين سنة، والاستثمار باتجاه نشر الثقافة الوهابية العدوانية والمنغلقة والمتخلفة.

تولي مراكز الفكر الغربية اهتمامًا كبيرًا بتحريض مناطق الأقليات العرقية واستثمار بعض الجماعات المناوئة فيها للنظام، وهو للعلم ليس اهتمامًا حادثًا، بل بدأ مع انتصار الثورة عام 1979، ويمكن للمهتمين العودة إلى سنتين خلتا للاطلاع على مدى تركيز الدراسات على العنصر العرقي والقومي في استهداف النظام الجمهوري الإسلامي. وتكشف هذه السياسة توجهات المخططات الأمريكية والصهيونية والغربية والمعادية في استثمار هذه الجماعات باتجاه زعزعة أمن إيران لصالح أعداء الخارج. ومن هذه المراكز التي تتابع وضع الأقليات لرسم سياسات غرف القرار من صوّب باتجاه أهمية فقدان سيطرة النظام على المحافظات بما يتيح لتلك الأقليات إقامة الحكم الذاتي، كما وجّه الولايات المتحدة وأوروبا وجيران إيران نحو ضرورة المراقبة عن كثب للعلاقة بين النظام وتلك الأقليات التي يحتمل أن يكون لها تأثير كبير على نجاح النشاط المناهض للنظام.

وعلى الرغم من المساعي الخارجية في التخطيط والعمل الميداني في محاولات توسعة النفوذ الأجنبي في مناطق الأقليات، إلا أنّ أعداد المتظاهرين في تلك المناطق وفق المصادر الأخرى تظهر أن الشعب الإيراني ما زال على عهده في إفشال المخططات الخارجية المعادية للدولة الإيرانية ولنظامها. وعلى سبيل المثال، تعدّ مدينة زاهدان، عاصمة محافظة سيستان وبلوشستان، واحدة من المدن القليلة ذات الأغلبية السنية، ويبلغ تعدادها على اختلاف المصادر ما بين 587,730 و 800,460، حتى العام 2016. هذه المدينة التي تضم مئات الآلاف من السكان خرج فيها مئات المتظاهرين فقط الذين لا يعبرون عن المزاج العام، وتحديدًا 300 متظاهرًا خرجوا وأحرقوا البنوك وكسروا نوافذ البيوت والمتاجر.

تدريب الناشطين وتكوين الخلايا

كشفت الاحتجاجات والتظاهرات التي شهدت مظاهر عنيفة خاصة في مناطق الشمال الغربي والجنوب الشرقي من البلاد عن دور خارجي معادٍ لنظام الجمهورية الإسلامي ضليع بما يجري على الأرض؛ فالعدو الأجنبي يستثمر أدواته على الأرض التي يعمل على تبيئتها و/أو شرائها أو تضليلها وفق أجندات مشاريعه الناعمة، منذ عشرين سنة، وباستخدام مسميات عدة تتمحور حول “التنمية والتمكين”. ويخضع عشرات الآلاف من الناشطين الإيرانيين إلى برامج الحرب الناعمة، بالاستفادة من وسائل التواصل، واستخدام الانترنت وما يتيحه من خدمات، لاسيّما غرف “التشات”. ويعدّ مشروع “توانا” أكبرها، وكذلك شبكة نزار زاكا للتأهيل على الاستخدام الأفضل لتكنولوجيا الانترنت والتشبيك و…داخل البلاد.

لقد كشفت الاحتجاجات مساهمة الأعداء الخارجيين في التخطيط والمتابعة واحتضان المعارضة، عبر التدخّل الأمريكي والأوروبي العلني في شؤون إيران الداخلية في محاولة انتهاك واضحة لسيادة البلاد، سواء على المستوى الرسمي بإعلان الدعم للحركات الاحتجاجية واللقاء مع جماعات من “الناشطين” الإيرانيين المناهضين للنظام في الخارج، أو في الحركة الميدانية بوجود عناصر تابعة للأجهزة الاستخباراتية والسفارات ورعايا أجنبية على الأرض، وعبر التمويل والإمداد بالمال والسلاح والسياسة والمعلومات. وكانت بعض المصادر قد أكّدت أنّ عمليات تدريب مكثفة طالت آلاف “الناشطين” خارج البلاد، مع يعنيه ذلك من عمل يتّسم بوجود تخطيط مسبق وميزانية مرصودة وشبكة علاقات أمنية واسعة بين الأطراف المساهمة، فضلًا عن التنسيق والتواصل مع جماعات المعارضة داخل إيران وخارجها.

وقد كشف البيان التوضيحي المشترك لوزارة الاعلام وجهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري، الصادر في 29 من الشهر الجاري، بعضًا من الإجراءات التي قامت بها أدوات التجسس الاجنبية لخلق أرضية جاهزة لأعمال الشغب، منها: انشاء شبكة من “المنظمات المتواطئة”؛ ربط الأزمة بعدم كفاءة مسؤولي النظام والاستدلال بعدم شرعيتهم على الساحة المحلية والدولية؛ التركيز على ما يسمى بالفئات المهمّشة؛ تنظيم دورات تدريبية على الحرب المشتركة والتخريب الناعم في دول مثل تركيا والامارات العربية المتحدة وأرمينيا وجورجيا وماليزيا واندونيسيا وتايلاند وجمهورية التشيك وجنوب افريقيا وإيطاليا وجزيرة سيشيل؛ تنظيم منظمات المجتمع المدني دورات تحت عناوين حقيقية او وهمية مثل الاتحاد لإيران، العدالة لإيران، ايركس، خانه ى ازادي، اسمال مديا، بنياد سمايك بورزند، تحالف التاثير الإيراني، توانا تك، بنياد عبد الرحمان برومند، مركز المدافعين عن حقوق الانسان برئاسة شيرين عبادي، معهد يلدا، وافراد بمراكز أبحاث الشرق الأوسط؛ التركيز الأمريكي على المجالات الثقافية والاجتماعية كاجتماع أوسلو، حزيران 2022، بدعم من الإدارة الامريكية والمنظمات الصهيونية، والهادف إلى توسيع تغطية ما يسمى بحملات الدعم “دعم حقوق المرأة والأقليات في إيران”. وقد عقدت مفاوضات سرية على هامش هذا الاجتماع لمسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية مع احدى سيدات “مازدور” التي كانت احدى المتحدثات في هذا الاجتماع.

بالإضافة الى موضوع المرأة، تم التأكيد على ضرورة استخدام أي حادث بما في ذلك حادثة ” ابادان مبروبول” لتشكيل احتجاجات واسعة، بالاستفادة من دور مؤسسات الفكر والرأي الامريكية (ثينك تانك)، مثل المعهد الجمهوري الوطني والدولي، المعهد الوطني للتبرع للديمقراطية والمؤسسات التابعة له مثل المعهد الديمقراطي، المركز الأمريكي للتضامن العمالي؛ مؤسسة المجتمع المفتوح، بيت ازادي، صندوق مارشال الألماني الأمريكي، مؤسسة الديمقراطية في إيران، والمركز الدولي للتحول الديمقراطي.

العمليات الميدانية القتالية

استبقت ردود الأفعال على حادثة وفاة أميني نتيجة التحقيق، واتّسمت منذ اللحظة الأولى بالعنف والتخريب ضد المؤسسة الأمنية، واتخذت شعارات سياسية مناهضة للنظام، ما أثار الشكوك حول مصداقية هذه الردود، وجعل المشهد “غير طبيعي”، والتفكير منطقيًّا بأن كل ما يحصل هو “أعمال شغب مخطّطًا لها مسبقًا”. فقد مهّدت الخلايا المعدّة مسبقًا إلى افتعال مشكلات شغب وفوضى أمنية وتهديد أمن البلاد الداخلي، فشهدت مناطق الاحتجاجات عمليات إضرام للنيران في المساجد والحسينيّات وحرق المصاحف والرايات الدينية وكل ما يرمز الى البلاد من علم وصور للشهداء، فضلًا عن حرق الأملاك العامة، من مصارف وسيارات، والتعرّض لها بالتخريب؛ مع ما يعنيه ذلك من حركات استفزازية بهدف تحدي القوى الأمنية وتحريض الشرطة على التعامل بعنف مع التجمعات. وفي معرض المواجهة النفسية ومحاولة التأثير عبر آلية الإيحاء الوهمي، حاولت بعض الجماعات إلى إنشاء الحواجز وقطع الطرقات، في أماكن متعددة من البلاد، بما يساهم في الترويج بأن كفتهم الميدانية هي الراجحة. وسقط عشرات الشهداء للقوى الأمنية والشرطة، بعضهم بإطلاق النار وآخرون تم حرقهم، وتصوير عملية القتل الوحشيّة ونشرها عبر وسائل التواصل على طريقة المنظمات الإرهابية. وقد تابعت عمليات الفوضى ميدانيًّا بعض الجهات الاستخباراتية، فقد تواجد فريق وكالة الاستخبارات الامريكية المركزية في مقرات الجماعات المناهضة للثورة الإسلامية، وشهد مقر ما يسمى ” بباك جروب” اجتماع الفريق الأمريكي، فضلًا عن انشاء شبكة متخصصة للأقمار الصناعية لمتابعة التطورات.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.