اليمن: مفاوضات جديدة بعد أسبوعين… وإقرار غربي بفشل الحملة السعودية

شهدت الساعات الاخيرة تطورات لافتة أظهرت ولادة حراك سياسي حول الأزمة اليمنية. غير أن التفاؤل يظلّ مقيّداً بطموحات آل سعود من جهة، ومخاوفهم المشتركة مع الادارة الاميركية من استثمار الانجازات الروسية في سوريا في الملف اليمني، ما يبقي الابواب مفتوحة أمام المزيد من الجرائم السعودية

أرخت التطورات الإقليمية الأخيرة، فضلاً عن المراوحة العسكرية للتحالف السعودي في اليمن، بظلالها على المسار السياسي للأزمة اليمنية، وحملت الساعات الاخيرة تطورات مهمة أبرزها تصريحات من عواصم كبيرة عن احتمال انتهاء العمليات العسكرية المتواصلة منذ ثمانية أشهر. الحراك المستجدّ وُلد من المتغيرات الاقليمية الأخيرة، لا سيما من المشاركة الروسية في العمليات العسكرية في سوريا، ما انعكس مسارعةً في تحديد موعد للمحادثات اليمنية منتصف الشهر الجاري، رغم غياب ضمانات بنجاح هذا الحراك والاخذ بالاعتبار تشدّد الاميركيين في منع استثمار إنجازات الروس السورية في اليمن كما في العراق.

مفاوضات جديدة بعد أسبوعين... وإقرار غربي بفشل الحملة السعودية

أولى الإشارات العلنية لهذه الحركة عكستها تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره البريطاني فيليب هاموند. الجبير تحدث خلال مؤتمر صحافي مع هاموند عن عدد من «المؤشرات» التي تنذر بوقف العمليات العسكرية، وهي برأيه «قبول الحوثيين و(الرئيس السابق) علي عبدالله صالح قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والدخول في محادثات الأمم المتحدة على هذا الأساس»، مضيفاً «كما أننا نرى المكاسب التي تحققت على الأرض، معظم الأراضي اليمنية التي سيطر عليها المتمردون جرت استعادتها».

أما هاموند، فأكد أن العمليات العسكرية في اليمن «تقترب من نهايتها»، مضيفاً، عقب محادثات مع الملك سلمان ومسؤولين سعوديين: «نلاحظ أن المرحلة العسكرية في هذه الحملة تقترب من نهايتها، لأنه بات لقوات التحالف موقع عسكري مهيمن في البلد».

خلفيات غير معلنة

وكشفت مصادر معنية بالملف اليمني لـ»الأخبار» عن جملة من المعطيات التي تجعل السعودية والغرب أقرب الى إحياء المسار السياسي، أبرزها إقرار الولايات المتحدة بضرورة حضور إيران في أي مفاوضات إقليمية حول سوريا (تصريحات المتحدث باسم الخارجية الاميركية، جون كيربي)، وهو الإطار الاقليمي نفسه الذي يوجب مشاركة إيران في أي محادثات متعلقة بالأزمة اليمنية، اضافة الى كلام قاله هاموند، نقل إلى مسؤولين إقليميين قبل لقاء فيينا، عن أن الغرب أبلغ الرياض أن «الوقت الذي طلبوه لإنجاز وضعية عسكرية معينة في اليمن قد انتهى»، وأن استمرار الحرب «قد يؤدي إلى مضاعفات لن تستطيع السعودية احتواءها».

في السياق نفسه، اتفقت الرياض وباريس ولندن على أن تكون إيران شريكاً في أي محادثات في هذا الشأن، حيث إن الجمهورية الاسلامية هي الطرف الخارجي الوحيد الذي يمتلك تأثيراً جدّياً على «أنصار الله»، وفق اعتقاد هذه القوى. غير أن السعوديين طلبوا حضوراً روسياً أكبر في المفاوضات حول اليمن، «لكونهم لا يثقون بالإيرانيين»، وفقاً للمصادر.

كذلك، رصدت المصادر إقرار مسؤولين سعوديين أمام مسؤولين من بريطانيا وروسيا بأن الحرب على اليمن «أنهكت السعودية»، ما يوجب التسريع في الخروج من هذه الحرب التي أثقلت كاهل الرياض اقتصادياً، بالتزامن مع اتساع هوة الخلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة على خلفية استمرار الحرب للشهر الثامن على التوالي من دون نتائج حقيقية.

وأبلغت العواصم الغربية الرياض مخاوفها بشأن تدهور الأوضاع في الجنوب اليمني، حيث لم تتمكن حكومة عبدربه منصور هادي من الإمساك بأي مرفق سياسي أو خدماتي، وأن هذه الدول تبلّغت رسمياً من الإمارات أنه ليس هناك جهة تسيطر على الوضع الأمني في الجنوب، وأن تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يتنافسان على النفوذ. وتناقل المسؤولون الغربيون والإماراتيون أمثلة عن تفاقم الفوضى في الجنوب، مثل مغادرة رئيس حكومة هادي، خالد بحاح، عدن بسرعة بعدما استهدفه «داعش» عقب التضييق على حركته، إلى جانب المشاكل التي أثارها تعيين نايف البكري محافظاً لعدن، ومسألة تأخر الرواتب في المدينة، وتدخل التنظيمات المتطرفة في الحياة العامة مع محاولة فرض الفصل بين الطلاب والطالبات في الجامعات في عدن، على سبيل المثال لا الحصر.

وكان الحليف الغربي قد أبلغ السعودية صراحةً أن ما تعتبره الرياض «إنجازاً من خلال السيطرة على الجنوب هو غير قابل للصرف في مواجهة الطرف الآخر»، خصوصاً أن الجنوب بات اليوم في أيدي «القاعدة». كذلك فإن الغربيين تفاعلوا إيجابياً مع قرار أنصار الله «القبول بالقرارات الدولية»، وهو ما ساعدهم على إفهام الرياض وأبو ظبي بأن أي عملية سياسية لن تسير أو تنجح من دون شراكة «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام».

الإخراج والمفاوضات

هذه المواقف انعكست على سلوك السعودية في خطوات عدة اتخذتها الأخيرة:

أولاً، رفعُ السعوديين مستوى الاجتماعات مع المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ، بعد امتعاض الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون من تهميش دور ولد الشيخ وتجاهله من قبل الرياض، وهو ما نتج منه لقاء المبعوث الدولي بمحمد بن نايف ومحمد بن سلمان.

ثانياً، الاتفاق على الإعداد لجلسة مفاوضات موسعة بمشاركة الاطراف اليمنية، فيما يجري البحث عن إمكانية مشاركة أطراف إقليمية ودولية فيها أيضاً. وستعقد الجلسة في 15 من الشهر المقبل برعاية الأمم المتحدة، ولم يحسم بعد إذا كانت ستنعقد في مسقط أو جنيف.

وعلمت «الأخبار» بأن المفاوضات ستنطلق من القرار 2216 من دون أي شروط مسبقة، ومن كون «أنصار الله» مكوّناً أساسياً في الحياة السياسية اليمنية، وهو الأمر الذي أبلغه هاموند للجبير أخيراً. لكن أبرز ما يقلق الرياض بشأن مستقبل أي حل في اليمن، هو ما قالوه صراحة أمام الوسطاء من كونهم يريدون «ضمانات أكيدة بأن الحوثيين لن يشكلوا تهديداً للأمن القومي السعودي»، وهذه العبارة ترجمت لاحقاً على شكل طلب «نزع القوة الصاروخية من الجيش اليمني و«أنصار الله»، مع ضمانة «دول كبيرة» بإنجاز هذه المهمة، في إشارة إلى روسيا وإيران.

ولكن لماذا تم تحديد موعد المحادثات بعد أسبوعين؟

تقول مصادر مواكبة للحركة السياسية المستجدة إن الغرب قرر إعطاء السعودية وحلفائها مهلة أخيرة تقوم خلالها بجولة ميدانية تهدف إلى تحقيق نتائج تؤثر في المفاوضات. في هذا السياق، يجري الحديث عن عملية كبيرة مرتقبة للتحالف في محافظتي مأرب وتعز التي شهدت إنزالاً للتحالف ليل أول من أمس. كذلك، سلّم مسؤولون سعوديون أحد أهم مشائخ القبائل في منطقة الجوف الحدودية، شمالي اليمن، 800 مليون ريال بهدف شراء ذمم زعماء القبائل في المحافظة، مع وعدهم بأن تسقط الجوف من دون معارك، في حال أعلن هؤلاء الولاء لـ«شرعية هادي».

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.