ايام في رفقة فتحي الشقاقي

fathi-shiqaqi

موقع العهد الإخباري ـ
جعفر سليم:

قبل تسعة عشر عاماً في 26-10-1995 استشهد الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي وحيدا برصاص الغدر الصهيوني امام فندق ديبلوماتيك في جزيرة مالطة حيث الممر الاجباري لعودته من ليبيا الى سوريا.

عند الساعة الواحده الا قليلا جاء خبر عاجل عبر الوكالة الفرنسية للانباء الى مكتب التحرير في اذاعة النور حيث كنا نعد لنشرة الظهيرة “قتل رجل اعمال ليبي  يدعى ابراهيم الشاويش في احد شوارع مالطا امام فندق ديبلوماتيك” وما هي الا لحظات وكعادته في مثل هذا الوقت دخل السيد حسن فضل الله رئيس التحرير سابقا وحاليا نائب في المجلس النيابي اللبناني وطلب مني متابعة الخبر على الساحة الفلسطينية في سوريا للاستفسار عن مدى صحة علاقة الرجل بالمقاومة الفلسطينية او اذا كان فلسطينيا وبالفعل بادرت مسرعا مع عدم اقتناعي بالربط الشخصي أو الجغرافي طبقا لخبر الوكالة واتصلت أولا بالمكتب الاعلامي لحركة الجهاد الاسلامي  فاذا بالمجيب الاخ ابو طارق زياد نخالة نائب الامين العام للحركة. وبعد التحية بادرني فوراً، وقبل طرح السؤال “استشهد الاخ ابو ابراهيم”. نزل الرد كالصاعقة، لم أعد أقوى على السؤال، لم أستطع الرد. الجميع حولي ينظرون إلي وقرأوا الجواب من عيوني الدامعة. ما هي إلا ساعات قليلة حتى أُعلن الخبر رسميا من المكتب الإعلامي للحركة: “استشهد الدكتور فتحي الشقاقي، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي”.

أُعلنت حقيقة الحدث وتبين أن عميلاً للموساد الصهيوني كان يتابع الدكتور الشقاقي في مالطا، ومن على دراجة آلية أطلق على رأسه ثلاث رصاصاتٍ قاتلة، بينما كان يتمشى وحيداً دون مرافقة بالقرب من الفندق الذي كان يقيم فيه عائداً من ليبيا، بعد أن ذهب إليها للبحث عن حلول لعشرات آلاف الفلسطينيين الذين يعانون فيها الاضطهاد وضغوطٍ أمنية وسياسية في تلك الفترة، فقدر الله له أن يستشهد وهو يسعى للتخفيف عن أهله وحل مشاكل شعبه ومساعدة المطرودين من أبناء وطنه من داخل ليبيا الى الصحراء على الحدود المصريه .
لا أذكر أني نسيته يوماً أو أنه قد غاب عن ذاكرتي، ولم يعد ماثلا أمامي، فقد عرفته لمدة ثلاث سنوات على مدى ثماني عشرة ساعة يوميا بعد الابعاد، كانت وستبقى ذخرا لي وأراه في كثير من الحوادث في بيروت، قبل تشكيل حركة الجهاد الإسلامي وبعده وكيف كان يقتطع جزءا من وقته للجلوس مع والدتي والاستمتاع بلهجتها ومواقفها السياسيه وحبها لياسر عرفات.
لم يكن أبو إبراهيم متناقضاً في حياته، بل كانت بساطته عامة في السابق من الأيام. رويت وسأظل قصة جلوسه خلفي على دراجة نارية  دون خجل أو احساس بالمهانة. يصل الليل بالنهار عاملاً بجد وإخلاص، يلتقي بالضيوف ويجتمع مع المسؤولين ويلقي المحاضرات ويشارك في الندوات ومن رواد معارض الكتب، ولا يغيب عن أي فعالية تتعلق بالقضية الفلسطينية، مشاركا بالكلمة والرأي، مقدماً النصح والمشورة في الوقت الذي كان يستشعر فيه الخطر الكبير على القضية الفلسطينية ويدرك ما ينتظرها من مؤامرات ومخططات، كانت وما زالت خطرة .
كان الشهيد الشقاقي  ذا ميول ناصرية ولكن هزيمة العام 1967، أثرت تأثيراً بارزاً على توجهاته، حيث قام بالانخراط في سنة 1968 بالحركة الإسلامية إلا أنه اختلف مع الإخوان المسلمين وبرز هذا الخلاف بعد سفره لدراسة الطب في مصر عام 1974وتحديدا بعد الجلسات الطويلة مع الدكتور ايمن الظواهري الذي لم يقتنع ان فلسطين هي القضيه المركزية للاسلام والمسلمين.
في مصر اعتقل عام 1979 بسبب تأليفه لكتابه “الخميني الحل الإسلامي  والبديل”، ثم أعيد اعتقاله في العام نفسه بسجن القلعة على خلفية نشاطه السياسي والإسلامي لمدة أربعة أشهرغادر بعدها مصر إلى فلسطين في العام 1981 سراً بعد أن كان مطلوباً لقوى الأمن المصرية  وفي الاول من اب أغسطس 1988 ابعد الى لبنان بعد اندلاع الانتفاضة الثورة.

الدكتور..  الإنسان
لم يكن الشقاقي الدكتور الجراح مجرد قائد بل تعدى حدود القيادة ليكون أخا وصديقا لكل أبناء قوى المقاومة فقد عُرف عنه نزاهة النفس وصدق القيادة، وأحب فلسطين كما يجب أن تحب، كان عاشقا للأدب والفلسفة، ومن قصائده قصيدة “الاستشهاد” المنشورة بالعدد الأول من مجلة المختار الإسلامي المصرية في شهر تموزمن العام 1979
تلفظني الفاء
تلفظني اللام
تلفظني السين
تلفظني الطاء
تلفظني الياء
تلفظني النون
تلفظني كل حروفك يا فلسطين
تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون
إن كنت غفرت
أو كنت نسيت
أحب الشقاقي اشعار محمود درويش ونزار قباني وكتابات صافيناز كاظم بل وكان له ذوق خاص في الفن، فقد أُعجب بالشيخ إمام (يستمع إليه ليلا فقط) وأحمد فؤاد نجم. كان شاعرا ومفكرا وأديبا حتى إنه كان ينْظم الشعر لوالدته المتوفاة منذ صباه ويهديها القصائد في كل عيد أم ويبكيها كأنها توفيت بالأمس.
رحمك الله أبا إبراهيم وسالم وعز الدين الفارس وفتحي عبد العزيز وفتحي الشقاقي، رحمك الله يا شهيد فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر وأنت في ثرى روضة شهداء فلسطين في سوريا العروبة، وجعلك مع الأنبياء والصديقين والشهداء، وجمعك مع رسول الله وآله الأطهار وصحبه المنتجبين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.