بايدن وبيع الوهم.. هل “تغزو” روسيا الأراضي الأوكرانية؟

موقع قناة الميادين-

نضر فارس:

أصاب وسائل الإعلام الغربية البكم عندما حانت “ساعة الصفر” المفترضة، فيما أتت الإشارات من موسكو ساخرة.

في 12 شباط/فبراير، كشفت مجلة “بوليتيكو” الأميركية أن الرئيس الأميركي جو بايدن قال خلال اجتماع للناتو عبر الفيديو إن “روسيا قد تهاجم أوكرانيا في 16 شباط/فبراير”.

لم يكن ذلك مجرد تقدير شخصي أو حدس من الرئيس الأميركي، فقد عملت الترسانة الإعلامية والسياسية الغربية طيلة الأيام المتتالية على الترويج لهذا الموعد، باعتباره مستنداً إلى معلومات استخبارية موثقة ومبنية على رصد وتحليل للتحركات الروسية.

وحين حل الموعد المفترض، لم يحصل “الغزو” الروسي المزعوم. على العكس، بدأت بعض القوات الروسية التي شاركت في مناورات في أراضي بيلاروسيا وشبه جزيرة القرم بإعادة الانتشار باتجاه قواعدها الثابتة في الأراضي الروسية.

أصاب وسائل الإعلام الغربية البكم عندما حانت “ساعة الصفر” المفترضة، فيما أتت الإشارات من موسكو ساخرة، على شكل صورة فوتوغرافية ظهر فيها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان يضحكان.

كما أن الحملة التي شنتها إدارة بايدن على روسيا لم تحقق مرادها قبل 16 شباط/فبراير، والمتمثل بتكثيف الضغط على موسكو لتتراجع عن مطالبها بالضمانات الأمنية وإبقاء حالة التوتر والاستنفار لدى حلفائها في أوروبا، ووُوجِهت بصلابة روسية، عرفت موسكو من خلالها كيف تدير الحرب الإعلامية وترد على الادعاءات الغربية، بتكذيب التصريحات الغربية والالتزام بالمواعيد التي حُددت مسبقاً للمناورات العسكرية البرية والبحرية.

لم تغير إدارة بايدن استراتيجيتها عندما فشلت في الموعد الأول، بل أكملت حربها التضليلية، ولم تكترث إلى ظهورها بمظهر الجهة المروجة للأخبار الكاذبة ودق طبول الحرب، فسربت لوسائل إعلامها معلومات استخبارية عن موعد جديد لبدء الهجوم الروسي باتجاه أوكرانيا، هو 20 شباط/فبراير الجاري.

صحيفة “بوليتيكو” الأميركية التي نشرت التسريب الأول، عادت لتقول إن موعد 16 شباط/فبراير “صرف الانتباه عن الجدول الزمني الأساسي… لطالما جرت المبالغة في تقدير احتمال الغزو في 16 شباط”! متناسية أنها بالفعل من بدأ بالترويج للموعد الأول حينها، ولكن هذه المرة مع سرد مجموعة من الأسباب التي تجعل التاريخ الجديد “أكثر منطقية” لبدء “الغزو” الروسي.

تذرعت الصحيفة بأن التاريخ الجديد هو موعد انتهاء المناورات العسكرية الروسية بشكل كامل، وهو موعد انعقاد مؤتمر “ميونخ للأمن” الذي يحضره أعضاء “الناتو”، إضافة إلى الرئيس الأوكراني، واليوم الختامي لألعاب بكين الأولمبية. وقد زعمت أن بوتين لن يشن الحرب قبل هذا التاريخ كرمى لعيني حليفه الصيني شي جين بينغ، الذي يأمل أن لا تؤثر الحرب في الدورة الشتوية المقامة في بلاده.

يستمر الرئيس الأميركي وإدارته باختلاق الاتهامات وبيع الوهم للأوروبيين والأوكرانيين، في محاولة لعدم خسارة المعركة مع بوتين، الذي يبدو أنه تمرس في مقارعة الأساليب الأميركية، وحقق اختراقات كبيرة في السنوات الماضية، فهو منذ أن أعلن استراتيجيته في مواجهة تمدد الولايات المتحدة والناتو على حدود روسيا (مؤتمر ميونخ للأمن 10 شباط/فبراير 2007)، والذي حذر فيه من تمدد حلف الناتو صوب روسيا، وهدد باستخدام القوة الاستراتيجية للرد على ذلك، دأب على مواجهة توسع الناتو وتدخل الولايات المتحدة في الكثير من دول العالم وتقرير مصيرها، ووقف في وجه مخططات جورجيا للتوسع بدعم من أميركا (2008)، وطرد القوات الجورجية من جمهوريتي أوسيتيا وأبخازيا.

وعندما اشتعلت الأحداث في أوكرانيا في نهاية 2013، وتم الانقلاب على الرئيس يانكوفيتش، وجيء بسلطة موالية لأميركا، ذهب بوتين خطوة إلى الأمام، فاستعاد شبه جزيرة القرم (آذار/مارس 2014)، ودعم استقلال إقليم دونباس عن أوكرانيا في العام ذاته.

وتأتي المواقف الروسية تجاه الأزمة السورية في هذا السياق، من اختيار روسيا التدخل العسكري لضرب المخططات الأميركية التي كانت تعدّ لسوريا، إلى انتقاد التدخل الغربي في ليبيا بشكل حاد، وانتقاد التحركات الأميركية في بحر الصين، وغيرها الكثير…

هذه المواقف تجعلنا نتوقع أن بوتين لن يقف مكتوف اليدين وهو يشاهد منصات صواريخ أو رادارات تابعة لحلف “الناتو” قرب حدود بلاده، وهو الذي يعتبر أوكرانيا جداراً طبيعياً للدفاع عن الأراضي الروسية تجاه أي تهديد غربي أو أوروبي، ولكنه أيضاً لن ينفذ السيناريوهات التي يؤلفها الغرب، بل يمضي في استراتيجيته الخاصة القائمة على الصلابة في مواجهة الأطماع الأميركية وتوسع الناتو لتهديد بلاده، وتأكيد حضور روسيا كدولة عظمى.

حتى الآن، نجح بوتين في ذلك، وإن كان في بعض الأحيان بمساعدة أميركا نفسها، فالمسؤولون الأوروبيون، في ظل القلق والتوتر الذي فرضه التهويل الأميركي، حجوا إلى موسكو عدة مرات خلال الأسبوعين الأخيرين، مؤكدين بذلك مكانة روسيا وقدرتها على انتزاع الاحترام الكبير من نظرائها الأوروبيين.

كذلك، إن إطالة أمد التهويل الأميركي ومرور المهلة بعد الأخرى سيؤديان إلى ضرب مصداقية المزاعم الأميركية، وستبدأ واشنطن بفقدان وحدة حلفائها خلف أجنداتها، وسيضعف بالتالي موقفها قبالة الموقف الروسي الصلب في المفاوضات من أجل الضمانات الأمنية.

سيأتي تاريخ 20 شباط/فبراير، ولن تتقدم القوات الروسية باتجاه الأراضي الأوكرانية (إلا في حال حصول استفزاز أوكراني كبير)، وستصاب الدعاية الغربية بالعطب، وستلجأ الإداراة الأميركية إلى سيناريوهات أخرى، لكنها لن تصمد على المدى الطويل، لأنها تحمل خسائر اقتصادية كبيرة لأوكرانيا وأوروبا عموماً، وكذلك في الداخل الأميركي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.