تخفيض إنتاج أوبك+: “القرار ليس سيئًا كما تعتقدون”

موقع الخنادق-

زينب عقيل:

كانت النبرة الرسمية الأمريكية مختلفة جدًا في أكتوبر / تشرين الأول الماضي عندما أعلنت السعودية قرار أوبك بتخفيض الأنتاج 2 مليون برميل يوميًا. حينها حضر بايدن الذي كان قد توعّد بجعل السعودية معزولة إلى الرياض شخصيًا، ثم توعّد بعواقب وخيمة بعد مغادرته دون استجابة. إلا أن بايدن لدى قرار التخفيض الثاني المفاجئ، لم يبدُ مستاءً جدًا، كان بايدن يصعد على درج طائرته عندما سألته صحفية عن قرار أوبك فأجابها “القرار ليس سيئًا كما تعتقدون”.

أما عن تصريحات المسؤولين في واشنطن، فتشعر بأن هؤلاء يسعون إلى تحقيق توازن بين التنديد بهذه الخطوة من جهة، وعدم زيادة توتر العلاقات مع السعودية من جهة أخرى. قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيبربي للصحفيين بأن إدارة بايدن “لا تعتقد أن تخفيضات الإنتاج مستحسنة في هذه اللحظة نظرًا لعدم اليقين في السوق”. وانتهى التصريح. والواقع أن الهجوم الشرس على السعودية تولته الصحافة والإعلام الغربي.

يتخوف الأمريكيون من ارتفاع فوري في الأسعار

تأتي التخفيضات في أعقاب انخفاض حاد في أسعار النفط الشهر الماضي بعد انهيار بنك وادي السيليكون الأمريكي والاستحواذ القسري على كريدي سويس من قبل بنك يو بي إس، مما أثار مخاوف من العدوى في الأسواق المالية العالمية وانخفاض كبير في الطلب على النفط الخام. ومع ذلك، لم يكن من المتوقع اتخاذ مزيد من الإجراءات من قبل أوبك+ لدعم السوق بعد أن قللت المصادر من هذا الاحتمال، وتعافى الخام نحو 80 دولارًا. إلا أن الأمريكيين متخوفون جدًا من رفع أسعار النفط. ثمّ إن هذا الأمر كان على رأس أولويات أجندة بايدن لهذه السنة، في ظل الأزمة مع روسيا.

قال رئيس شركة بيكرينج إنرجي بارتنرز للاستثمار إن التخفيضات الأخيرة قد ترفع أسعار النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل، في حين قالت شركة النفط PVM إنها تتوقع قفزة فورية بمجرد بدء التداول بعد عطلة نهاية الأسبوع. وتوقع جولدمان ساكس وهو بنك أمريكي كبير، أنها” قد تؤدي إلى عجز أكبر بكثير في السوق مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى 100 دولار للبرميل بحلول أبريل نيسان 2024 ورفع قوة التسعير لدى المنظمة”. وقال جولدمان إنه يرى “قوة تسعير أوبك المرتفعة لديها القدرة على رفع الأسعار دون الإضرار بشكل كبير بالطلب كمحرك اقتصادي رئيسي”، ويقدر أن خفض الإنتاج سيرفع إيرادات أوبك + حيث أن زيادة الأسعار تعوض الانخفاض في الأحجام”.

وكان البنك قد توقع لدى أول خفض في أكتوبر الماضي، بأن أسعار النفط ستصل إلى 95$ بحلول عام 2023، إلا أنها لم تسجل أكثر من 85$ للبرميل الواحد. ومعنى ذلك أنه ثمة ركود كبير جدًا في السوق، وخوف كبير جدًا من إفلاس البنوك، وأن ثمة مشكلة كبيرة بالدولار هي التي تشغل بال الأمريكيين.

الرياض غضبت من إدارة بايدن!

كشفت صحيفة فايننشال تايمز عن أشخاص مطلعين عن أنّ الرياض غضبت الأسبوع الماضي من أن إدارة بايدن التي كانت قد طمأنت السعودية في وقت سابق، بأنها في حال انخفض سعر النفط، فإنها ستتدخل لشراء احتياطاتها الاستراتيجية، إلا أنها استبعدت تجديد مخزونها الاستراتيجي الذي تم استنزافه العام الماضي في محاولة لترويض التضخم. وعليه فإن السعودية ليست مضطرة لتحمّل مشاكل الولايات المتحدة وعدم ايفائها بوعودها، وهي الآن تسعى إلى استراتيجية اقتصادية مستقلة عن الولايات المتحدة، في حين نشرت رويترز تحليلًا مفاده أن ولي العهد السعودي يعمل على إعادة تنظيم ديناميكيات الشرق الأوسط وسط عدم الثقة بشأن الدعم الأمريكي. تمّ التعليق على ذلك في الإعلام المرئي، بأنه يبدو “فشلًا كبيرًا في السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط” وأن هذه الخطوة “تلعب على السردية القائلة إن الولايات المتحدة تخسر نفوذها على قرارات منتجي أوبك”.

يأتي هذا القرار أيضًا، بعد الاتفاق الإيراني السعودي بمبادرة الصين، فبعد حالة من عدم اليقين المحيطة بالالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه المنطقة، خاصة بعد الضربات الجوية السابقة على مواقع النفط السعودية، وعلى مستودع وقود إماراتي خلال الحرب على اليمن. مما دفع الرياض إلى الضغط من أجل وقف التصعيد مع طهران وتنويع شركائها الأمنيين، بحسب التحليل الوارد في وكالة رويترز، “لم يكن هناك أي حوار جاد، سواء داخل الحكومة الأمريكية أو مع السعوديين، حول الظروف التي بموجبها ستأتي واشنطن للدفاع عن المملكة العربية السعودية في حالة تعرضها للهجوم”، كما قال بلال صعب، مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وأضاف: “السعوديون لا يريدون أن يكونوا في حرب إطلاق نار بين إيران والولايات المتحدة. إنهم لا يثقون في أن واشنطن ستحميهم”.

الرياض لا تزال شريكًا استراتيجيًا لواشنطن!

عندما تحدث محمد بن سلمان عن سعيه لتحقيق مصالح السعودية دون مساعدة الولايات المتحدة، ربما تضمن ذلك إعادة علاقاته مع خصوم واشنطن أي طهران، أو تعميق العلاقات مع الصين، أو مثلًا التحكم بقرارات أوبك بمفرده، إلا أن هذا لم يصل إلى فكّ الارتباط الأمني بين البلدين. تعليقًا على التوتر الحاصل بينهما، قال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي بعد يوم واحد من قرار تخفيض الإنتاج، إن الرياض لا تزال شريكًا استراتيجيًا لواشنطن حتى لو لم يتفق الاثنان على جميع القضايا. وقال إن واشنطن والرياض تعملان على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.