تركيا عندما تناور عسكرياً من جديد في سورية… لماذا الآن؟

جريدة البناء اللبنانية-

هشام الهبيشان:

يبدو واضحاً أن خطوة إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّ بلاده ستبدأ عملية عسكرية في شرق الفرات في غضون أيام قليلة، جاءت لتؤكد أنّ أنقرة بعثت بكلّ رسائلها ومن خلال تصعيد زخم الاستعدادات للعملية فعلياً، التي تتحدى من خلالها السوري، وليس الأميركي، فالسوري هو صاحب الأرض والأميركي محتلّ كما التركي، وهذا ما قد يحتّم على الدولة السورية وبدعم من حلفائها (خصوصاً الروس الذين ما زالوا إلى الآن محافظين على موقف الحياد بخصوص إعلان أردوغان، بعد فشل مجموعة مبادرات قدّموها لأنقرة ودمشق للوصول لتفاهمات مشتركة توقف مسار الغزو التركي للأراضي السورية).

هذا إذن ما يحتّم على السوري في الآتي من الأيام الردّ المباشر على الجانب التركي، فهو كما يبدو واضحاً قد خرق كلّ الخطوط الحمر في الشمال والشمال الشرقي السوري، والواضح هنا أنّ المرحلة المقبلة باتت تحمل العديد من التكهّنات والتساؤلات حول تطور الأحداث على الجبهة الشمالية الشرقية السورية، التي أصبحت ساحة مفتوحة لكلّ الاحتمالات.

والواضح هنا أكثر أنّ الأتراك هدفهم عملياً من وراء عملية شرق الفرات هو السيطرة واقتطاع جزء جديد من الأرض السورية بهدف المناورة بها لتكون ورقة قوة بيد الأتراك على طاولة الحلّ النهائي السوري، وهذا ما لا يمانع به الأميركي بالأصل، وأردوغان حصل على مباركة بايدن مرحلياً بشرط أن لا يتعدى مسافة 15 كلم بعمق الأراضي السورية من جهة الحدود التركية الجنوبية الغربية، ومن هنا نستطيع أن نقرأ بوضوح وخصوصاً بعد إعلان أردوغان، أنّ تركيا قد عادت من جديد لتمارس دورها في إعادة صياغة ورسم ملامح جديده لأهدافها واستراتيجياتها المستقبلية بهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية.

ما وراء الكواليس لما يجري في أنقرة يظهر انّ هناك مشروعاً تركياً قد أقرّ، وهو يستهدف الاستمرار بعمليات غزو الأراضي السورية، والدليل على ذلك هو الدفع بالمزيد من القوات الخاصة التركية إلى المناطق التركية المحاذية لبلدة عين العرب شمال شرق حلب، وتل أبيض شمال الرقة، وهذا يدلل على أنّ تركيا لم تسلّم إلى الآن بعقم الحرب على سورية، فهي تبدو مصرّة على إكمال عملية غزوها للأراضي السورية شمالاً وشرقاً مهما كان ثمنها.

في المحصلة يمكن القول إنّ أيّ تقدّم للمجاميع المسلحة الموجودة في الشمال السوري والمرتبطة بالتركي، وللقوات التركية في عمق الأراضي السورية شمالاً وشرقاً، يعطي فرصة ثمينة لأنقرة لإعادة إحياء دورها ومشروعها في الشمال السوري، وهنا نقرأ بوضوح مدى ارتباط هذه المجاميع المسلحة مع الجانب التركي الذي أصبح ممراً ومقراً لهذه المجاميع، وهذا ما يظهر في شكل واضح ارتباط الأجندات التركية بالمنطقة مع أجندات هذه المنظمات المسلحة المدعومة هي الأخرى من دول وكيانات ومنظمات هدفها الأول والأخير هو تفتيت وتجزئة سورية خدمة للمشروع المستقبلي الصهيو- أميركي في المنطقة، وهو ما يظهر حقيقة التفاهم المشترك لكلّ هذه المنظمات وبين هذه الدول والكيانات لرؤية كلّ طرف منها للمستقبل السوري.

لكن مهما كانت المخططات والمؤامرات، فإنّ الدولة السورية ومعها حلفاؤها سوف تتمكّن من صدّ كلّ هذه المحاولات، وسوف تستكمل انتصارها على الإرهاب والاحتلال.

*كاتب وناشط سياسي ـ الأردن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.