تركيا : نحو احياء دولة الخلافة

ardoagan-khalifah

موقع إنباء الإخباري ـ
سامي خليفة:
استمرت الدولة العثمانية لما يقرب من 600 سنة، و بلغت ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: أوروبا وآسيا وأفريقيا، وأضحت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان الأول “القانوني” قوة  عظمى من الناحيتين السياسية والعسكرية، وأصبحت عاصمتها القسطنطينية تلعب دور صلة الوصل بين العالمين الأوروبي المسيحي والشرقي الإسلامي.
في عام 1923 ، بعد توقيعها على معاهدة لوزان حدثت قلاقل في تركيا واستطاع حزب الاتحاد والترقي وعلى رأسه مصطفى كمال أتاتورك السيطرة على الدولة، وتم خلع آخر السلاطين محمد السادس العثماني (1918-1922 ). وأخيرا ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة نهائيا في 1924 .
بعد وصوله إلى سدة الحكم ألغى أتاتورك “أبو الأتراك” الخلافة الإسلامية، وأعلن قيام الدولة الجمهورية،  فمنع المدارس الدينية وألغى المحاكم الشرعية، وأزال الأضرحة وألغى الألقاب المذهبية والدينية .
بعد  مرور 78 عاما من حكم العلمانيين، وصل حزب العدالة والتنمية، ذو الجذور الإسلامية إلى الحكم في عام 2002، وبدأ مشروع أسلمة الدولة في تركيا، فقد وضع الحزب خطة طويلة   الأمد لإعادة زمن الخلافة وتزعّم العالم الإسلامي
أوغلو والفكر العثماني
يعتقد أحمد داود أوغلو أن سبب تراجع تركيا يعود  إلى سياسة “القطيعة” التي سعت لفصل ماضي تركيا العثمانية وعمقها الإستراتيجي عن حاضر الجمهورية الكمالية ومحيطها الإقليمي، ويعمل اوغلو على إحداث تغيير إستراتيجي في المنطقة وإقامة نظام شرق أوسطي جديد تكون تركيا الحاكم والمتسيّد فيه، وهذا لا يتحقق إلا بنهوض الامبراطورية العثمانية من جديد، وقد عبّر وزير الخارجية التركي عن هذا الأمر قائلاً إن “الدولة العثمانية التي امتدت رقعة نفوذها إلى العالم نهضت من تحت خيمة صغيرة”.

خلال النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى أكد  وزير الخارجية أحمد داود اوغلو في   رسالة الدكتوراه الخاصة به حول “المنظورات البديلة” على أبعاد الحضارة والهوية فى تحديد انتماءات تركيا وخياراتها الخارجية وعلاقاتها مع العالم.  وأكد  أوغلو  على  التميز الإسلامي، واستمرار الحيوية الحضارية الإسلامية، وقدرة النموذج الإسلامي على الصمود وطرح نظام عالمي بديل، وهو ما يعنى فعلياً تشجيع “النزعة المتنامية للصدام بين الحضارتين الإسلامية والغربية”.
في لقاء مع نواب حزب العدالة والتنمية عام  2009  قال داود أوغلو: “إن لدينا ميراثاً آلَ إلينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا”.
وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2009 صرح أوغلو، عندما زار سراييفو عاصمة البوسنة، أن البلقان والقوقاز والشرق الأوسط كانت في أوضع أفضل عندما كانت تخضع هذه المناطق للحكم العثماني وللنفوذ العثماني، وأن تركيا تعود إلى هذه المناطق وأنها ستقوم بدور فعال في الصراعات الإقليمية”.
أردوغان ومحاربة العلمانية
لا يتقبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان استمرار الفكر العلماني ويدعو إلى إنشاء  جيل متدين يحافظ على المبادئ الإسلامية. يفاخر بانتمائه للعثمانيين ويدعو إلى إحياء الخلافة،  يخاطب معارضيه قائلاً: هل تنتظرون من حزب محافظ وديمقراطي مثل العدالة والتنمية أن ينشئ جيلاً من الملحدين؟ ربما يكون هذا شأنكم ورسالتكم، لكنه ليس شأننا. سننشئ جيلاً ديموقراطياً محافظاً يؤمن بقيم ومبادئ أمتنا”.
استطاع اردوغان، في غضون سنوات قليلة، تقليص دور الجيش ـ حامي العلمانية ـ في الحياة السياسية مع اعتقال العشرات من كبار الضباط بتهمة التآمر على النظام  والسيطرة على الشرطة باختراقها ومراقبتها بواسطة أنصار فتح الله غولن، الزعيم الصوفي، الذي يقيم في الولايات المتحدة. ويزعم خصوم غولن أن أنصاره داخل تركيا بعد أن عملوا بجد حتى شقوا طريقهم، ليس نحو صفوف الشرطة فحسب، وإنما كذلك السلطة القضائية، أصبحوا يشكلون القوة الدافعة وراء قضية تنظرها المحكمة ضد أعلى خصوم الحكومة.
يركز أردوغان كثيراً على سيرة السلاطين العثمانيين والسلاجقة، ولا سيما السلطان محمد بن جفري بك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق الملقب بـ “إلب أرسلان” أو “الأسد الثائر” بالعربية، رابع حكام السلاجقة (الذي استطاع أن يهزم القائد البيزنطي رومانوس ديوجين في معركة ملاذ كرد، بجيش مؤلف من خمسة عشر ألف جندي ليواجه بهم مائة ألف مقاتل). ويطمح أردوغان إلى السير على خطى السلطان إلب أرسلان  في التوسع ونشر النفوذ في البلاد المجاورة
أسلمة الدولة
منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم ازداد عدد المساجد في تركيا إلى ما يزيد عن 85،000 أي مسجد لكل 350 مواطن، وازداد عدد المدارس القرآنية إلى ما يزيد عن 4000. وقد زادت الحكومة التركية الانفاق على مديرية الشؤون الدينية بمقدار خمسة أضعاف، وفي ذكرى فتح القسطنطينية رفع الأذان في جامع آيا صوفيا لأول مرة بعد مرور 78 سنة، وأصبح تدريس الدين إلزامياً في المدارس العامة، شرط تدريس المذهب الحنفي حصراً.
وقام  حزب العدالة والتنمية  بتعيين عد كبير من المتخرجين من مدارس تأهيل الأئمة في   وزارة التعليم. وقال رئيس نقابة المعلمين علاء الدين دينتشر إن “المرور بمدرسة  لتأهيل الأئمة أصبح ـ إذا صح التعبير ـ معياراً للترقية”، مضيفاً “إن عناصر اسلامية تتسرب بشكل دائم الى الكتب المدرسية”.
ورفعت تركيا حظر الحجاب في مدارس التعليم الديني وسمحت للطالبات في المدارس العادية، أيضا بوضع الحجاب في حصص تعليم الدين.
واتخذ البرلمان التركي  اجراءات متشددة على مبيعات الكحول، وزاد الضرائب أكثر من 700 في المئة على البيرة، ومنع إعلانات الكحول، الأمر الذي أجبر فريق كرة السلة “أفس بلسن” ـ الأكثر شعبية في تركيا ـ إلى تغيير اسمه. ويريد حزب العدالة والتنمية إلغاء أي إشارة إلى العلمانية ومؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك، من نص القسم الذي يؤديه النواب.
السياسة الخارجية
يطمح  أردوغان إلى تزعم العالم الإسلامي. ومن أجل أن يستعيد الجذور والأحلام يعزز أردوغان تحالفه مع الاخوان المسلمين في المنطقة، ويسعى للإطاحة بالنظام السوري لاستبداله بنظام اخوانجي يكون بوابة عبور لتركيا إلى المنطقة العربية.
يتدخل أردوغان في الشؤون الداخلية العراقية لأسباب تصفها حكومة المالكي بالمذهبية، ويعطي حربه مع النظام السوري أبعادا دينية، فالحرب في سوريا هي شبيهة بحرب “إلب أرسلان” على الدولة المرداسية.  ويزعم اردوغان أن تركيا تتحمل مسؤولية إزاء سوريا لأنها كانت جزءاً من الدولة العثمانية.
وبعد “الانتصار” في هذه الحرب الدينية يريد أردوغان تلاوة  سورة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي، ثم  الصلاة في باحات جامع بني أمية الكبير، و زيارة تربة الصحابي بلال الحبشي والإمام إبن عربي، والكلية السليمانية ومحطة الحجاز.
مستقبل غامض
يزداد  التمييز ضد العلويين في تركيا ولا يسمح لهم ببناء أماكن للعبادة، فالمكان الوحيد المخصص لهم هو “بيت الجمع” وهو مكان غير  مرخص من قبل الحكومة التركية التي ترفض الاعتراف بحق  العلويين في العبادة.  وقد تسببت تصريحات أردوغان عندما وصف “بيوت الجمع” على أنها مراكز تسلية ولهو والإشارة إلى انتماء كيليتشدار أوغلو العلوي، بتعميق الأزمة المذهبية في تركيا.
كما ازداد التوتر بين الاتراك والأكراد بشكل ملفت للانتباه عن الأعوام الماضية، ومن المحتمل أن تسفر سياسة الأسلمة الى ارتفاع وتيرة التوتر بين حكومة العدالة والتنمية وبين   حزب العمال الكردستاني ـ شيوعي الفكر ـ لتضيف إلى المشكلة القومية، مشكلة إيديولوجية.
أدى السعي الممنهج لحزب العدالة و التنمية لأسلمة الدولة إلى بروز انقسام حاد في المجتمع التركي، وازدياد التمييز المذهبي والقومي، الأمر الذي ينذر باحتمال حدوث اضطرابات وظهور نزعات انفصالية جديدة قد تطيح بكل الإنجازات الإقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية في السنوات الماضية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.