تعاميم المركزي بين ضرورة الإصدار واستنسابية التطبيق

موقع العهد الإخباري-

هاني ابراهيم:

 

تعاميم عديدة أصدرها المصرف المركزي وأخرى وسيطة (التعميم الوسيط هو تعديل لتعميم أساسي صادر سابقاً) عدلت ما تم اصداره منذ بداية الأزمة الإقتصادية والنقدية في العام 2019 وصولًا الى اليوم مع التعميم رقم 158 والذي يهدف الى تسديد تدريجي لودائع المودعين بالعملات الأجنبية.

تأمّلَ اللبناني بشكل عام والمودع بشكل خاص خيراً في هذا التعميم على أمل أن يسترد بعضًا من أمواله في وقت هو بأمس الحاجة اليها، ولعل في ذلك استفادة ما تنعكس بشكل ايجابي على سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، لكن المفاجأة كانت عندما بدأت المصارف بالخطوات الأولى باتجاه البدء بتطبيق هذا التعميم والذي ترافق مع معلومات تفيد بقيام المصارف بإلزام المودعين بالتوقيع على كتب تهدف الى ابراء ذمة المصارف ورفع المسؤولية مهما كان نوعها أو مصدرها، لا سيما إذا ما توقفت عملية التسديد، الأمر الذي جعل المودع في حيرة ما بين التوقيع على العقد الذي يخوله الإستفادة من التعميم 158 وابراء ذمة المصرف أو رفض ذلك. ولكن ما هو العنوان الأساسي للتعميم 158؟

بالعودة الى تفاصيل التعميم، أصبح بإمكان كل مودع بالدولار في المصارف اللبنانية الاستفادة ـ فيما لو سرت عليه شروط التعميم المذكورـ من سحب ما قيمته 400 دولار نقداً (فريش) و400 دولار بالليرة اللبنانية (أي بالدولار) وفق سعر صرف منصة صيرفة، أي 12000 ليرة، وذلك من تاريخ 30 حزيران/ يونيو لمدة عام. ولكن ما واجهه المودع هي محاولة ثانية غير قانونية والأهم لا اخلاقية للالتفاف على حقوقه وأمواله من خلال الزامه بالتوقيع على مجموعة من التعهدات وابراءات الذمة وغيرها من الأمور التي تجعل من المودع مجرد سجين بين يدي السجان نفسه الذي احتجز امواله في المرحلة الاولى والان يستكمل ما بدء به بطريقة يعتبر انها قانونية لينقض على ما تبقى من اموال الناس وحقوقهم والا فإن المودع لن يستطيع الاستفادة من مفاعيل التعميم. وما زاد الطين بلة هو ما اقدم عليه المصرف المركزي بالغاء منصة صيرفه والتي حددت سعر صرف الدولار بـ 12 الف ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد والتي يستفيد منها المودع بموجب التعميم 158، ولكن ما هي مفاعيل هذه التواقيع ان حصلت؟

ان المستندات والطلبات التي أُلزم المودع بالتوقيع عليها لكي يسمح له بالاستفادة من التعميم رقم 158 هي طلبات متعلقة بابراء ذمة المصرف ابراء شاملا من اي حق او مطلب مهما كان نوعه، اما الاخطر من ذلك فهو رفع المسؤولية مهما كان نوعها أو مصدرها، لا سيما إذا ما توقف المصرف عن عملية التسديد، فماذا يعني ذلك؟

ان ابراء الذمة ورفع المسؤولية على المستوى القانوني هو تنازل المبرىء عن حقه بالمداعاة او المحاسبة والعودة على الجهة المتخلفة عن التنفيذ (المصرف) من اي حق او مطلب مهما كانت الاسباب ما يعني انه مهما كان فعل المصرف او مهما اخذ من اجراء لن يستطيع المودع التقدم باي مراجعة قضائية في هذا الاطار.

وهنا اكثر من علامة استفهام تطرح. لو كان المصرف ينوي فعلا” تنفيذ هذا التعميم فما الحاجة الى هذه الابراءات؟ هذا من جهة وايضا ماذا لو توقف المصرف عن الدفع بعد شهرين من بدء التنفيذ؟ ان المودع لن يستطيع عندها القيام باي اجراء قانوني في مواجهة المصرف المتخلف عن التسديد وبالتالي فإن ايداعاته المتعلقة بالتعميم المذكور ذهبت في مهب الريح.

لكن هل يحق للمصرف ان يلزم المودع بذلك؟ ولمن يلجأ المودع في وضع كهذا؟ رأى بعض الاقتصاديين انه كان من المفترض على المصرف المركزي ان يقوم هو بنشر نماذج خاصة للتعميم 158 تسهل عمل المصرف وتمنعه من التمادي في مواجه المودع وعدم ترك الموضوع للمصرف هذا من جهة، وتحفظ للمودع ايضا حقه بالاستفادة من مضمون هذا التعميم دون ان يؤدي ذلك الى سلبهم حقهم الطبيعي بحماية ايداعاتهم المصرفية من جهة اخرى.

هذا الامر يأخذنا للبحث عن الجهة المسؤولة عن محاسبة هذه المصارف. اليس من الطبيعي ان يكون المصرف المركزي هو المعني؟
ان الثقة بالنفس او اللامبالاة في تكرار المخالفات من قبل المصارف، تحصل على الرغم من وضوح المادة 208 من قانون النقد والتسليف، التي تفيد بأنّه (يحقّ للمصرف المركزي أن يُنزل بالمصرف المُخالف العقوبات الإدارية التالية، التنبيه، خفض تسهيلات التسليف المعطاة له أو تعليقها، تعيين مراقب أو مدير مؤقت، شطبه من لائحة المصارف. ولا يحول ذلك دون تطبيق الغرامات والعقوبات الجزائية التي يتعرّض لها المصرف المُخالف).

يسأل سائل، بما ان القانون يُلزم المصارف بالامتثال إلى تعاميم المصرف المركزي وأن لا تختار منها ما تطبقه وما تتجاهله، لماذا لا يمارس الحاكم دوره اذا؟

الحاكم رياض سلامة الذي خبر قانون النقد والتسليف، بكافة تفاصيله ويعتبره السياج القانوني والحامي لكافة إجراءاته وتبريراته، نراه اليوم يقف متفرجا على مخالفات المصارف وتجاوزاتها التي لا تعد ولا تحصى من تلكئها في تنفيذ التعاميم وقبلها القوانين التي صدرت لا سيما القانون الطالبي في هذا الاطار، وهذا الاداء لا يفسر الا بتفسير واحد لا ثاني له وهو ان هناك تقاسما واضحا وتبادلا صريحا للادوار بين المركزي والمصارف ما يسمح للمركزي وحاكمه بتنفيذ كل ما يصبو اليه في الساحة النقدية ويجعله في موقع من يختار ما يريد تطبيقه من قانون النقد والتسليف من خلال تعاميمه وما يستثنيه، لكن المؤذي في ذلك كله، هو ان من يدفع ثمن هذه العشوائية هو المودع لا سيما صغار المودعين منهم (اصحاب الحسابات الصغيرة) لان من يتحكم بهذه الساحة هي تعاميم الحاكم ومزاجية المصارف والاهم الاهم غياب القانون، وهذه ان ادت الى شيء فانها ستؤدي حتما الى زوال قطاع بكامله الا وهو القطاع المصرفي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.