جنيف وحمص.. من فشل إلى نجاح

homs-old19

صحيفة الوطن السورية ـ
كتب رئيس التحرير:
أنجزت مصالحة حمص.. وخرج المسلحون وأفرج عن رهائن ودخلت المساعدات إلى نبل والزهراء في تسوية ليست الأولى إنما الأكبر في تاريخ الحرب على سورية.
أنجزت المصالحة دون أن يقلق بان كي مون ودون أن يحتاج المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إلى الإجابة عن الأسئلة المفخخة، ودون أن تتكلف الدولة السويسرية نفقات عقد أي مؤتمر أو استضافة أي وفد.
أنجزت المصالحة دون مجلس أمن، وبكل تأكيد دون الجامعة العربية.. صمتت عواصم العالم وفضائياتها أمام مشهد عودة الأهالي ليتفقدوا منازلهم وأحياءهم وليشكروا الجيش العربي السوري الذي أعاد إليهم الأمل بعد نزوح استمر قرابة ثلاثة أعوام كانت الأسوأ لهم ولكل السوريين، واعدين بإعادة بناء ما هدم وبأسرع مما يتوقع البعض، والعمل يداً بيد مع كل الأهالي لإعادة الروح والمحبة إلى حمص العدية «أم الدراويش» كما يحب أن يطلق عليها البعض.
ماذا جرى ولماذا؟ وكيف ينجح بضعة أشخاص من الدولة مع بضعة أشخاص ممثلين عن المسلحين في إتمام التسوية؟! وهل من المعقول أن تعود حمص إلى حضن الدولة وهي التي أطلق عليها اسم «عاصمة الثورة» وضخوا فيها مئات الملايين من الدولارات لتحصينها ومنع الجيش من إحراز أي تقدم فيها؟!
كل الأسئلة مشروعة، والكل يجيب عنها كما يرغب، مع ما يرافق ذلك من تحليلات وأكاذيب وروايات ذهبت في بعضها إلى أبعد حدود الفنتازيا لتبرر ما حصل، لكن الحقيقة تبقى واحدة وتجيب عن تلك الأسئلة بشكل واضح ودون أي لبس وهي: إن نجاح تسوية حمص يعود إلى أن كل المفاوضين كانوا سوريين، وجميعهم عملوا والكل حسب رؤيته، من منطلق مصلحته ومصلحة سورية ومصلحة السوريين، وهذا سبب نجاح المفاوضات والسبب الوحيد بعيداً عن كل ما نقرؤه ونسمعه هنا وهناك.
في حمص لم يكن المفاوضون بحاجة إلى مبادرين دوليين، ولم يكن هناك حاجة لوجود ممثلي الدول دائمي العضوية في مجلس الأمن، ولا من يطلقون على أنفسهم لقب «أصدقاء سورية»، ولعل الأهم أنه لم يكن موجوداً بينهم من يرهن قراره بقرار الأسياد وممولي الخارج وخاصة بعد أن حولهم ذاك الخارج إلى دمى يتحكم فيهم عن بعد، لتحقيق مصالحه وليس مصالحهم.
في حمص كانوا جميعهم سوريين والكل يرى صالحه ومصلحته من زاويته، وهي في المحصلة مصلحة سورية والسوريين وليس مصلحة دول لا تفرق بين حمص وحماة ولا تريد لسورية إلا مزيداً من الخراب والقتل والدماء، ولذلك كانت التسوية وكان النجاح وكان عودة الأهالي إلى مناطقهم وكان حقن الدماء وخروج آخر المسلحين.
في جنيف وخلال دردشة مع أحد أعضاء الوفد الرسمي، سألته في الأيام الأولى لجلسات التفاوض غير المباشرة: ماذا تنتظرون من وفد الائتلاف أن يقدم؟ أجابني دون تردد: ننتظر فقط أن يبرهنوا لنا عن سوريتهم.. ومع مرور أيام التفاوض ثبت لكل السوريين أن من يمثل ما يدعى بالمعارضة لم يكن سورياً بل كان أميركي الجنسية وسعودي وقطري المصلحة والتمويل!
لكل ذلك فشلت جنيف ونجحت حمص.. وأي تسوية مستقبلية إن لم تكن انطلاقاً من مصالح السوريين فلن يكتب لها النجاح ولن تثمر، فكما بدأت الحرب يجب أن تنتهي، والحوار لن يكون إلا بين السوريين، وما يقلق بان كي مون فعلاً بعد اتفاق حمص ومعه كل أعداء سورية، هو نجاح السوريين في حقن الدماء، ونجاح الجيش العربي السوري في فرض إيقاعات الحوار، وما سيقلقهم أكثر قدرتهم على إعادة البناء وإعادة الأمن والاستقرار، وحان الوقت لنا نحن السوريين أن نعي جيداً أن دول العالم قادرة على إشعال الحرب ونشر الفتنة، لكننا وحدنا القادرون على وقف هذه الحرب وإخماد نار الفتنة، وهذا لن يحصل ما لم نكن يداً واحدة مع جيشنا لتحرير كل الأرض السورية من رجس الإرهاب ولإعادة الأمن والأمان إلى كل أحيائنا ليعود كل سوري اضطر للمغادرة إلى منزله، ويعمل ويشارك من أجل بناء سورية الجديدة التي ستحتل مساحات واسعة في كتب التاريخ للحديث عن عظمة شعبها وصموده الأسطوري وسوريته التي لم تغب عنه ساعة واحدة طوال السنوات الثلاث الماضية.
يتساءل البعض عن مستقبل جنيف ولهؤلاء نقول: لم يكن جنيف يوماً مؤتمراً بين السوريين بل كان حالة تفاوض بين سورية والغرب وسيبقى كذلك ولن يثمر إلا حين يعترف الغرب بهزيمته في سورية ويطرق أبوابها لاستعادة ما خسره من مصالح في سورية وفي المنطقة، وآنذاك سيكون القرار للشعب السوري في فتح الأبواب أو إحكام إغلاقها فهو صاحب القرار الأول والأخير في تقرير مصيره ورسم مستقبله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.