حزب الله : ثروة صحافية

sayedazeinab-shrine

موقع إنباء الإخباري ـ
هادي قبيسي:

الظاهرة السياسية البارزة والحيوية تجتذب الصحافيين للنقد والتحليل والبحث بشكل طبيعي، فهي محل اهتمام القارئ ومصدر تأثير على تفكيره وشؤون حياته المختلفة، ولكن هذه الظاهرة المحورية تستنزف مع الوقت، حيث يكتب الصحافي لفترة متطاولة عدداً كبيراً من المقالات التي تتشارك في الرأي والوجهة مع مقالات نظرائه، ولذلك يصبح الصحافي أمام خيارين، إما تكرار تحليلات ومصطلحات وشعارات أصبحت مستنزفة إثر الإستعمال، وإما الإنتقال إلى مرحلة الإبداع وتنشيط المخيلة في تحميل الظاهرة أكثر مما تحتمل.
حزب الله أصبح نموذجاً لدراسة حالة في الممارسة الصحافية في لبنان والدول المجاورة، فهو سبب لنشاط الصحافيين والأجهزة التي تحركهم والدول التي تمولهم، وسبب لثراء وشهرة بعض منهم، ولذلك نلاحظ أن ليس هناك صحيفة تطبع عدداً لها دون أن يكون هناك مقال أو أكثر يحلل موقفاً للحزب أو ينتقد سلوكاً له أو يخترع له اتهامات ويروي قصصاً خيالية ابداعية، ولا شك أن لذلك نتائج إيجابية على صعيد تفعيل عادة قراءة الصحف لدى القارئ العربي المتهم دوماً بقلة القراءة.
نموذج صحافي استسيغ اختياره لتوضيح هذه الحالة، هو أحد الصحافيين اللبنانيين الذي نشر مقالاً على موقع على شبكة الإنترنت، يتناول فيه “تورط” حزب الله في الأزمة السورية. ابتدأ المقال بطرح سؤال يرتكز إلى التجربة اللبنانية في الحرب الأهلية، مستعيراً العبارة الشهيرة (طريق القدس يمر من جونية) ليسأل : منذ متى أصبح طريق فلسطين يمر في يبرود والقصير وريف حلب، لا تخلو المقاربة من طرافة تطرق أذن القارئ اللبناني تحديداً، مستفيداً من إغفال وقائع ميدانية تمنع من إسقاط ومقارنة تجربة حرب أهلية لبنانية بحرب دولية وإقليمية تدور رحاها في سوريا، ومغفلاً التصريحات الإسرائيلية الواضحة واليومية عن استعداد اسرائيل للتدخل عسكرياً في سوريا باتجاه دمشق بالتنسيق مع “ثوار سوريين” يتدربون في الأردن، بما في ذلك من مخاطر على الخاصرة الشرقية للمقاومة في لبنان، سهول البقاع، ومتناسياً ما أعلنته مصادر اسرائيلية عسكرية بعد حرب تموز حول مدار المعركة المقبلة مع الحزب، من أن الحرب ستجري في المنطقة الخلفية انطلاقاً من هضبة الجولان، محبذاً أن تقوم المقاومة كذلك بإغفال هذه الثغرة وترك الأراضي السورية طعمةً للمشروع الأمريكي الوهابي بأدواته التكفيرية والصهيونية.
اتهام الحزب بالخجل من الإعلان الرسمي والمباشر عن نشاطه في سوريا، وبالخجل من إعلان تأبين شهدائه والإحتفال بهم، كان النقطة الثانية في قائمة الأفكار الإبداعية التي تخللها المقال، عقل الكاتب المتحفز لصيد كل نقطة إثارة إعلامية وخبطة صحافية، تناسى عادة المقاومة في التأني وعدم التسرع المندفع خلف العواطف والمشاعر، مهما كان السبب، فلا يخفى مدى تأثير تأبين الشهداء والاحتفال بتشييعهم على المجتمع اللبناني بكافة أطيافه، سواءً الطائفة الشيعية المضحية بأبنائها، أو الطوائف الأخرى المتخوفة، وكذلك تأُثير إعلان الحزب بوضوح لدوره في سوريا، في منطقتي القصير والشام، على “ثوار سوريا” ومخاطر تحفز المجموعات المسلحة فيهم للعمل في لبنان، خصوصاً وأن شيخهم العرعور أعلن في بداية الثورة أن الخطوة التالية ستكون في لبنان، بغض النظر عن عدم اعتراف بعض الفئات في “الثورة السورية” بالعرعور فإن كل ما يقوله يتحول إلى أفعال لدى فئات عريضة وواسعة فيها، فهو وأمثاله ليس دمى مذهبية بل أدوات تحركها قطر والسعودية.

[box type=”note” align=”alignleft” width=”2″ ]زمن الحسابات الخاطئة قد ولى،
وتخويف المقاومة من الفتنة المذهبية
في زمن الوحوش الوهابية
التي تحركها أمريكا
قد مر بلا رجعة[/box]
يطرح الكاتب مفهوم “الحقد على الآخرين” كدافع يحرك الحزب في نشاطه في الشام والقصير، غير ملتفت إلى أن زمن الحسابات الخاطئة قد ولى، وأن تخويف المقاومة من الفتنة المذهبية في زمن الوحوش الوهابية التي تحركها أمريكا قد مر بلا رجعة. يبدو أن ثمة جهات وأجهزة لا تزال تحلم بأن تجعل من المقاومة نعجة خائفة من الفتنة ليتسنى أكلها والقضاء عليها في لحظة غفلة، هنا تظهر حالة استنزاف القدرات الإبداعية بوضوح.
يبدأ فيلم الخيال العلمي، سبعة بنود تفصيلية حول دور حزب الله في سوريا بدءاً من الخدمات المعلوماتية، إلى إحصاء الفارين السوريين في لبنان، وصولاً إلى تدريب كوادر شيعية سورية، والإدارة والمساعدة في ضبط الحدود، والإسناد المدفعي لعمليات قمع التسلل، والمشاركة في منع سقوط حمص، انتهاءً بتأمين مناطق خاصة في السيدة زينب. تضخيم دور الحزب بهذا الشكل وتوسيع رقعة عملياته إلى حد يبدو معه كمدير للمعركة في سوريا هو خبطة إعلامية ناجحة ومثيرة، أما تركيب المعلومات التفصيلية بهذا الشكل فهو يتطلب مني إعمال المخيلة أيضاً، فأرى غرف العمليات المتعددة الجنسيات المنتشرة في لبنان وسوريا وتركيا والأردن والتي تتولى إدارة مسرح العمليات السورية تطمح إلى إغراق المقاومة في الوحل السوري بهدف حماية إسرائيل. من ناحية أخرى، القرى التي تعرضت للتطهير المذهبي في منطقة القصير ينبغي تركها عرضةً للذبح بحجة رفع ذريعة “الحقد على الآخرين”، أما المقامات المقدسة فلا مشكلة بنظر الكثيرين في تدميرها، وذلك اعترافاً بحق الوهابيين في الإختلاف في الرأي.
يختم الكاتب مقاله بخبطة تطوي كل ما سبقها بأهميتها وتأثيرها، فهنا يستفيد من تاريخه المؤيد للمقاومة، ليوحي للقارئ بأنه لا يزال على علاقات وطيدة بضباط أمن المقاومة، يقدمون له المعلومات، ويستقبلونه في الصالونات، فهو صحافي لامع ولا يمكن تجاوزه، فينقل عنهم معلومات حساسة وسرية ودقيقة، يعرفها من يتلقى تقارير يومية عن نشاط المجلس الجهادي في الحزب، فالمعلومات تحت البنود السبع المذكورة أعلاه، يطلع عليها بحسب الكاتب “ضباط الأمن من الرتب المتوسطة والعالية في الحزب تباعاً منذ نهاية العام 2011″، وكان “ضباط الحزب الأمنيين يستقبلون الكوادر من شيعة سوريا ويدربونهم على المبادئ النظرية والفكرية وصولاً إلى إدارة العمليات العسكرية وأشكال الإدارة المدنية”، هنا شعرت بأن الكاتب قد شارك في هذه التدريبات الإفتراضية، وأخيراً “أرسل حزب الله خيرة الضباط إلى مناطق القصير..”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.