«حزب الله» واغتيال شطح: فداحة الاتهام

tawk-amni_shate7

صحيفة السفير اللبنانية –

حسام مطر:

من اللحظة الأولى لاغتيال الوزير محمد شطح، لم يجد فريق محدد حرجاً بالاتهام المباشر لـ«حزب الله»، لا داعي لأي جهد أو دليل أو حتى التذاكي بحجج مبتكرة، «حزب الله» قتل محمد شطح، هذه «حقيقة اجتماعية» عند بيئة «14 آذار». عبد الرحمن الراشد في صحيفة «الشرق الأوسط» كتب أنه «أمس، اغتال حزب الله شخصية مدنية مسالمة أخرى. وكل الذين قتلهم حزب الله منذ اغتياله رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري من فريق سياسي واحد منافس له…». ويختم «لا أحد يشك أبداً أن حزب الله هو من قتل الدكتور شطح», بالمناسبة ولإكمال السياق، لا أحد يشك أبداً أن المملكة السعودية هي طلعية الاعتدال في الشرق.

كيف ولماذا يسهل الاتهام بهذه الطريقة، والأخطر لماذا يُصار إلى تصديق ذلك من قبل شريحة اجتماعية محددة؟ لا بد من التفكير في أصل الظاهرة، وكيفية تكونها وتنشئة الحامل لها، ليصبح أداة التقاط وتصديق فوري، من دون اللجوء إلى تحكيم المعايير الموضوعية.

بحسب أحد الاتجاهات الفلسفية المعاصرة، «التصورات هي الواقع»، أو على قول آخر «التصورات هي تُسع أعشار الواقع»، وهذا يعني بالمجمل عدم وجود «واقع موضوعي»، ما تقبله شريحة من المجتمع باعتباره واقعاً يتحول إلى «حقيقة اجتماعية». إذاً «الواقع يُبنى اجتماعياً» بشكل تفاعلي متبادل بين الأفراد، وليس محتوماً أو محدداً بحسب طبيعة الأشياء. هذه القاعدة تسري على الثقافة، على المعنى، على الشرعية، وعلى صورة ووعي الآخر، وسواها من الظواهر الاجتماعية، السياسية وغير السياسية. إلا أن هذا «التواصل المتبادل» التفاعلي بين الأفراد لا يحصل بصورة متساوية وتلقائية، بل أيضاً يعكس موازين قوى داخلية، أي هناك قوى متنوعة متنافسة تستعمل موارد وإستراتيجيات لتتمكن من تحويل «تصوراتها وتفسيراتها الخاصة» الى «رأي عام». الخطاب الإعلامي – السياسي هو القالب الذي يحوي الرسائل المراد توجيهها من خلال وسائل الإعلام المتعددة، وكل هذا يكون ضمن إستراتيجية محددة من «التواصل المتبادل».

من هنا، ليس مهماً لأنصار هذه المدرسة، إن كان «حزب الله» مسؤولاً عن اغتيالات قيادات من قوى «14 آذار»، المهم هل أصبحت هذه التهمة «حقيقة اجتماعية» عند شريحة محددة، أم لا؟ إن اقتنع جمهور قوى «14 آذار» وبعض الجمهور العربي بأن «حزب الله» هو «ميليشيا اغتيالات ومنظمة إرهابية وإجرامية»، فمن ناحية سياسية، لا يعود مهماً أبداً إن كان ذلك صحيحاً أم لا.

قد يحاجج البعض بأن كلا الفريقين يعملان بأسلوب متشابه، مع افتراض صحة ذلك جدلاً، ولكن لا مجال أبداً للمقارنة بين المقدرات والإستراتيجيات الإعلامية لكلا الفريقين. من المحطات الثلاث الأولى في لبنان، لا سيما على صعيد الأخبار والبرامج السياسية، إثنتان محسوبتان على قوى «14 آذار»، فيما الثالثة لا يمكن احتسابها على قوى «8 آذار». من باب المقارنة، تمهل السيد حسن نصر الله شهوراً بعد التفجير الإرهابي الأول في الضاحية، وبعد صدور تقارير رسمية عن المجموعات المتورطة، قبل ان يوجه اتهاماً مباشراً للاستخبارات السعودية في سياق عرض تسلسلي منهجي واستدلالي.

مصطلحات فريق «14 آذار» تعج بالرموز والدلالات، «نحب الحياة»، «القمصان السود»، «الشادور»، «ولاية الفقيه»، «الفلاحة وشك الدخان»، «الروافض، الفرس، المجوس»، «العمائم السود»، «الكابتاغون»، «القتلة، التطرف»، «ميليشيا حزب الله»، «7 أيار»، «فائض القوة»، «الفارون من المحكمة الدولية»، «محمود الحايك، بدر الدين، عياش»، «سامر حنا»، «التهريب»، «لا يستعمون لغناء فيروز»، «وكيل إيران»، «دعم النظام العلوي»، «التمدد الشيعي»، وغيرها الكثير. مصطلحات بسيطة، سهلة الحفظ، مباشرة، بارزة، استفزازية ومقلقة، تكررها من دون كلل وملل عشرات الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات والإذاعات والألسن الفصيحة. إعادة إنتاج «حزب الله» اجتماعياً في مجتمعات محددة كانت المهمة الأقدس لواشنطن وحلفائها منذ العام 2005، وكله في سبيل هدف «جليل» عبّر عنه الراشد في خاتمة مقاله المذكور: «مع هذا في النهاية، لن يصح إلا الصحيح، سيتذكر العالم هذا الحزب بجرائمه، لا بمزاعم بطولاته من مواجهة إسرائيل، وتحرير ما احتل من لبنان».

البطولات الحقيقية في مواجهة إسرائيل من اختصاص أمراء آل سعود وحلفائهم في لبنان والمنطقة، تلك أيضاً «بديهة وحقيقة اجتماعية» أخرى قد تتكرس يوماً ما في عقول منهكة مسكينة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.