خيارات سورية وتركيا في إعادة الإعمار

صحيفة الوطن السورية-

محمد نادر العمري:

بالمقارنة بين الخيارات المتاحة أمام كل من سورية وتركيا في إعادة إعمار ما خلفه الزلزال المدمر في 6 شباط 2023، وما تلاه من هزات ارتدادية متوسطة وقوية على غرار ما حصل في 20 من ذات الشهر، فإن دائرة الخيارات التركية هي أكبر وأكثر من الخيارات المتاحة لسورية في ظل العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة عليها، أو من حيث تضاءل قدرات المؤسسات الحكومية بعد عقد ونيف من حرب الاستنزاف التي تخوضها سورية ضد الإرهاب ومن يقف خلفهم.

باتت مسألة النكبة الطبيعة التي أحدثتها فاجعة الزلزال والخشية من استمرار وقوع غيرها في الفترة القادمة، عبئاً ثقيلاً يرهق مؤسسات الدولة والمجتمع السوري، على حد سواء، وزادت من وطأة هذا العبء، واقع السوريين الذين كانوا يحتاجون وفق التقديرات الأممية والروسية والبحثية لما يتراوح بين 400 إلى 600 مليار دولار لإعادة ما خلفته آثار الأزمة السورية خلال الـ12 سنة الماضية، وذلك في ظل عدم توافر أرقام وإحصاءات دقيقة لما خلفته هذه الكارثة من تداعيات وخسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، وإن خلقت هذه الكارثة مناسبة وفرصة إيجابية لبعض الدول العربية والإقليمية لتذويب جدار الثلج مع دمشق ضمن ما يمكن تسميته دبلوماسية الكوارث.

إن إعلان المنظمات الدولية وبعض الدول تقديم المساعدة والعون مثل المنازل المسبقة الصنع أو المؤقتة، لن تكون حلاً جذرياً يفيد بالغرض على المستوى الكلي للمتضررين، وحتى من حيث الفترة الزمنية بعيدة المدى، كما أن إعلان دول الاتحاد الأوروبي لعقد مؤتمر للمانحين في منتصف شهر آذار المقبل بالتعاون مع المفوضية الأوروبية وبحضور أممي، لن يكون تأثيره كبيراً على كل المناطق السورية المنكوبة، في ظل العقوبات المفروضة أميركياً والضغوط التي تمارسها واشنطن خلف الكواليس، وهو ربما السبب الذي دفع بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا ورومانيا لإرسال مساعداتها لسورية عبر المرافق اللبنانية.

لذلك تبقى خيارات تركيا في إعادة إعمار ما هدمه الزلزال من أبنية سكنية ومشاريع خدمية وبنى تحتية، هي كثيرة وعديدة ولاسيما على المستوى الخارجي، وتدور حول مروحة من خيارات التمويل يمكن إيراد أبرزها:

– أولاً مسارعة دول الاتحاد الأوروبي لتقديم المساهمة في إعادة الإعمار، إذ إن الزلزال أدى وسيؤدي نحو تفاقم تراجع الوضع الاقتصادي التركي، ما قد يدفع النظام التركي بالتلويح للأوروبيين بعدم قدرته على إبقاء اللاجئين على أراضيه إلى جانب الأتراك الذين شردهم الزلزال، واحتمال تزايد نسب الهجرة غير الشرعية لأوروبا غير القادرة في هذا التوقيت على تحمل تبعات استقبال موجات نزوح كبيرة في أي من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية، في ظل تصاعد صدامها مع روسيا وحشد الإمكانات لذلك، وهو ما قد يدفعها لتقديم قروض ميسرة ومساندات مالية لتفادي تعرضها لموجة نازحين جديدة، ولطالما استطاع هذا النظام استخدام هذه الورقة في الفترة السابقة لابتزاز الأوروبيين بمليارات الدولارات.

– ثانياً دعم روسيا الاتحادية «الصديق الخصم»، فمن المعلوم أن العلاقات الروسية التركية شهدت تطوراً وقفزات سريعة، رغم أن الدولتين في اصطفافات مختلفة، وذات مواقف متناقضة في الكثير من القضايا والأزمات بما فيها الأزمة السورية والليبية وآسيا الوسطى، غير أن الدور التركي للعب دور الوساطة بين الغرب وروسيا في الأزمة الأوكرانية، وعدم انضمام تركيا لحظيرة الدول الغربية الفارضة للعقوبات على روسيا، وحاجة الأخيرة لها في التعاملات النقدية والمالية، قد يدفع روسيا لتبني مسار تقديم القروض والدخول في استثمارات كبيرة داخل تركيا لاستغلال هذه الكارثة، لعدم عودة أنقرة إلى الحضن الأطلسي، وتوسيع النفوذ الاقتصادي الروسي من خلال الاستثمارات المحتملة في تركيا كهدف لتخفيض حجم العقوبات المفروضة عليها وتحقيق مكاسب سياسية.

– ثالثاً الدعم القطري المؤكد، فقد تسارع قطر لتقديم القروض والمساندة لتركيا إلى جانب ما أعلنته من تقديم منازل مسبقة الصنع، انطلاقاً من كون الدوحة ترتبط بأنقرة بأيديولوجية الإخوان، ومشاريع متبادلة على مستوى الخريطة الإقليمية، وهو ما دفع حاكم قطر حمد من تميم لفتح جسر جوي إلى تركيا وزيارتها كأول زعيم بعد حدوث هذه الكارثة، فضلاً عن وجود رغبة لدى الدوحة بتقديم الإغراءات لتركيا لعدم الذهاب نحو مصالحة مع سورية والحفاظ على الدور القطري في تركيبة المعارضة.

– رابعاً الفرصة السعودية، فمن المحتمل أن تسارع الرياض لتقديم القروض والمساهمة بإعادة الإعمار بهدف توطيد العلاقة مع تركيا، وإبقاء ملف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي مغلقاً وتوقف الدور التركي في دعم الإخوان بمصر، مما يتيح للرياض بأن تعيد يدها الطولى على منطقة الخليج.

– خامساً المشاركة الصينية، حيث تعد الصين من الدول التي لن تتوانى عن المساهمة في إعادة إعمار تركيا لعدة أسباب، أهمها تكمن في أن تركيا تعتبر أحد أبرز الدول ضمن مشروع «الحزام والطريق» الصيني، ويوجد فيها أعداد كبيرة من الإيغوار التي تخشى الصين من عودتهم بعد تمرسهم للقتال في سورية.

لذلك فإن مروحة الخيارات التركية من حيث الحصول على دعم اقتصادي ومالي دولي لإعادة الإعمار يبقى أكثر من سورية، وهو ما قد يستغله أردوغان في هذه الفترة لدعم موقع «حزب العدالة والتنمية» الانتخابي إلى جانب إحداث تغيير ديموغرافي، على الرغم من توجيه الاتهام له ولحزبه من أحزاب المعارضة بأنهم مسؤولون عن ارتفاع حجم الضحايا في المدن المنكوبة نتيجة الفساد والإهمال اللذين تقصد أردوغان وحزبه تطبيقهما في هذه المدن التي تصنف مراكز أساسية لمعارضيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.