«داعش» تغرّد: كيف تفصل الرأس عن الجسد «برفق»

«داعش» تغرّد: كيف تفصل الرأس عن الجسد «برفق»
«داعش» التي تحكُم بما تيسّر، وتقتل بما تيسّر… تُغرّد متى تشاء، وتقول ما تشاء. إنها حريّة التعبير، على طريقة «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام». كيف تُسكت صوتاً يعلو كلّ يوم في وسائل الإعلام الجديد؟ هل تمنعه من الوجود؟ وإن منعته، فهل يتحلّل ويذوب في الفضاء؟

الواقع، أنّ غزو «المخلوقات الفضائية» للفضاء الافتراضي بدأ فعلاً، من «أرض الملاحم» (أرض العراق الشام)، كما تسميها «داعش». وكما تفرض «داعش» وجودها، على الأرض، وعلى الشاشات، وفي التقارير، وفي الأخبار اليومية، وفي المنام، فهي تنمو بسرعة أيضاً في الفضاء الافتراضي.

والمفارقة أنّ المجموعة تغلّبت على زميلتها «جبهة النصرة» صاحبة الأجندة السياسية والإعلاميّة نفسها. بجانب حالة التطرّف والتشدّد غير المسبوقة التي خلقتها «داعش»، فإنّ حراكها الإعلامي في الفضاء الافتراضي، خلق حالة كاريكاتوريّة استثنائية. فالجميع يستطيعون متابعتها، وهنا مكامن الخطر.. خصوصاً إن كان المتابع يميل إلى التطرّف بالأساس.

أمام حساب «داعش» على «تويتر»، عليك بالإيمان والشريعة، وإلا فأنت العدوّ المُطلق. فـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية، وستمتد إن شاء الله، وبها سيطبق شرع الله، وبها سترد الحقوق المغتصبة إلى المسلمين»، كما يرد عبر صفحتها على «تويتر».
«الغزاة الجدد» يواكبون متطلبات العصر الجديد إذن، وإن كانوا يحاولون التشبّه بـ«الإنسان القديم». تستطيع تقسيم نشاط الجماعة على موقع «تويتر» خصوصاً إلى عدة فئات، تُعنى بمهام مختلفة، لكنّ رسالتها واحدة: قيام دولة الخلافة.

كما تبرز حسابات غريبة بمسميّات مختلفة، تهدف إلى تعريفنا بأنشطة «داعش»، منها: «أسود دولة الإسلام»، «صقور دولة الإسلام»، «أنصار دولة الإسلام»، «صفحة ولاية الشام». أما حسابها الرسمي المفترض على «تويتر»، فيحمل اسم «مؤسسة الاعتصام» وشعاره: «اعتصموا». لكن سبق للقيمين على الموقع إلغاء ذلك الحساب، قبل أن يعود مؤخراً ولكن بنشاط أخفّ.

لا يحتوي حساب «مؤسسة الاعتصام» على تعريف، يحدّد هويّتها. كما أنّها لا تتبع إلا حساباً واحداً هو «مؤسسة أجناد» للإنتاج الإعلامي. وتلك المؤسسة الغرّاء تضمّن تغريداتها أناشيد خاصة مثل «أمّتي كانت لا ترضى الوهن»، و«يا جراحي» و«طغى الجبناء»، بالإضافة إلى «سور للأخوة»، من بينها سور لأبو البراء المدني.

وتتبع «مؤسسة أجناد» بدورها حساباً آخر لـ«داعش» يُعرف بـ«دولة العراق والشام»، ويعدّ الحساب «الداعشيّ» الأكثر نشاطاً على «تويتر».

في التعريف الوارد على حساب «دولة العراق والشام»، تسأل «داعش»، أين الأسود؟! والمقصود بالأسود هنا طبعاً، رجال الجهاد. وتضيف في تعريفها المقتضب «أما لهم من وثبةٍ نحو الجهاد تفك قيد العانية».

ستون ألفاً يتابعون حساب «دولة العراق والشام» الذي لا تقتصر انجازاته على التغريد للخلافة في العراق والشام فحسب، بل إنه يستقطب متطرّفين من كلّ صوب.

نشاط الجماعة على «فايسبوك»، بحسب الأصول والأعراف، ممنوع. إلا أنّ واجبات الضيافة تحتّم ظهور بعض الصفحات التي لا يتجاوز متابعوها المئات، وتنشط عادة بحسب المناطق/ «الولايات»، ومنها مثلاً «ولاية دمشق»، و«ولاية الرقّة»…

«داعش»، إذن، ليس اسماً لمركبة فضائية، ولا عنوان فيلم من سلسلة «الرجل الوطواط». ويجب أن تحذر من استخدام التسمية الـ«تابو»، لأنك ستُجلد 70 جلدة في حال تجرأت واختصرت اسم «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام»، ذلك أنّ الهيئة الشرعية وأمير المؤمنين (زعيم الجماعة) يرفضون التسمية.

لـ«داعش» وزارة إعلام أيضاً، تصدر عنها بيانات، مثل: «لا تتبرّجي، لا ترتدي الجينز، لا تحلقْ، تنقّبي»، وغير ذلك من شعارات أمراء الظلام. الوزارة تابعة حكماً للهيئة الشرعية التي تصدر الفتاوى. وجودها ضمن المساحات الافتراضية له أهداف، فهي تعلّمك من خلال متابعة حساباتها وصفحاتها على مواقع الإعلام الجديد، كيف يفصل الرأس عن الجسد «برفق».

كذلك تُعلّم من أين تبدأ «غزوات دولة الإسلام»، وتفتح لك «نوافذ من أرض الملاحم». تأخذك في جولة في شوارع ولاياتها، افتراضياً. تقدم لك «مجاهديها» الذين «منّ عليهم الله بالنفير لأرض الشام». تقيم الاحتفالات وترفع الصور.

هذا الضجيج كلّه هو من دون أدنى شك، بروباغندا واضحة لقيم التطرّف. تهلّل الجماعة وتكبّر فوق الجثث في مقاطع فيديو دمويّة. تحتلّ هذه الحالة فقرة يومية من حياتك، شئت أم أبيت، لأنّها بدأت تأخذ حيزاً واسعاً في الفضاء الافتراضي، كما على أرض الواقع. على «تويتر» أيضاً، تستقبل المتطوّعين، تحرّض، تجاهد، ولا من يوقفها…

 

ملاك حمود- صحيفة السفير اللبنانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.