دراسة للعلاقات الروسية-الإيرانية خلال العقود الثلاثة الماضية

صحيفة الوفاق الإيرانية-

عماد هلالات:

هناك الكثير من التقلبات في تاريخ العلاقات بين ايران وروسيا، وتاريخ ايران خلال القرنين الماضيين شاهد على ذلك، حيث ان انتصار الثورة الاسلامية وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق أديا الى دخول العلاقات بين ايران وروسيا الى مرحلة جديدة.

ان المصالح المشتركة تجاه القضايا، الأقليمية والدولية أدت الى التقارب بين ايران وروسيا تجاه التحديات التي تواجههما وعلى رأسها التحالف الغربي بقيادة اميركا. الأمر الذي أدى بأمريكا خلال السنوات الأخيرة لوضع ايران بجانب الصين وروسيا كأكبر تهديد ضدها. ولهذا كان لابد من ايضاح السياسة الخارجية لروسيا وبحث موضوع العلاقات الاستراتيجية بين ايران وروسيا.

عند دراسة موضوع العلاقات بين ايران وروسيا على ضوء الازمة النووية الايرانية ومواضيع اخرى، يتم إثارة الأفكار والرأي العام في الأوساط الدولية المختلفة.

ان روسيا قامت بجوار دول اخرى بتأسيس منظمة للاوبك الغازية حيث ان ايران ورسيا لوحدهما تملكان نحو 50% من احتياطيات الغاز في العالم، ولديهما الطاقات اللازمة لزيادة هذه النسبة. كما ان امريكا واوروبا تتزايد حاجتهم للغاز الطبيعي على ضوء القضايا البيئية والمحافظة على البيئة. وفي مجال النفط فان ايران وروسيا ايضا تمتلكان احتياطيات كبيرة.

من ناحية اخرى كان الغزو الامريكي لافغانستان وبعدها العراق، كل ذلك جعل روسيا وايران تتقاربان اكثر من السابق، كما ان احداث عام 2011 في دول غرب آسيا وشمال افريقيا وظاهرة الارهاب، جعلت ايران وروسيا تقف في صف واحد لمواجهة الأرهاب الدولي والمؤامرات الامريكية. حتى ان ايران ومن أجل تعزيز موقفها عملت على فتح الابواب أمام دخول روسيا لمنطقة غرب آسيا والشام، الامر الذي من الممكن ان يعيد التوازن في المناطق المحيطة بايران وروسيا وخاصة منطقة القوقاز وشرق ايران وجنوب آسيا الوسطى.

البراغماتية الروسية

وهي السياسة التي تعتمد على الحقائق الموجودة من أجل استغلال افضل الفرص لتحقيق المصالح الوطنية، وهناك ثلاثة مبادئ للسياسة البراغماتية، الاول، القبول بالنظام العالمي الموجود، والثاني، المصالح الحقيقية والمعقولة وثالثا، حساب تكلفة الفوائد لتحقيق الاهداف وعليه فان السياسة الخارجية عندما تكون براغماتية فعليها تحديد نشاطها واهدافها على اساس الحقائق الدولية ووضع التنمية الاقتصادية في الاولوية بالنسبة للايدولوجية وتقديم التنمية الوطنية ورخاء الشعب على بقية الاهداف، وان تكون المصالح والعلاقات الدولية منطقية وتوفير الارضية الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في الداخل وتعزيز العلاقات مع الدول والمنظمات الدولية والابتعاد عن المشاكل والحروب.

ان السياسة الخارجية تعتبر حلقة الوصل بين العوامل الداخلية والخارجية وكذلك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، فان وريث الاتحاد السوفياتي تخلى عن الايدولوجية الشيوعية وتبنى سياسة عملية من أجل تحقيق مصالحه في اطار اهداف النظام، وخلال الفترة الاولى من سلطة بوتين فان السياسة الخارجية البراغماتية كانت اولوية عمل وزارة الخارجية الروسية وبذلك فتحت صفحة جديدة في علاقات روسيا مع العالم.

من المناطق التي كانت دائما محل اهتمام الروس سواء خلال العهد الشيوعي او بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، هي منطقة الشرق الاوسط. وذلك لعدة اسباب، حيث ان المنطقة غنية بمصادر طاقة هائلة، ولذلك فقد حاولت روسيا اقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة، كذلك يجب بحث موضوع العلاقات بين ايران وروسيا في اطار النظرية البراغماتية.

فالسياسة الخارجية الروسية انتقلت من نظام ايديولوجي خلال فترة الاتحاد السوفياتي الى النظرية البراغماتية خلال عهد بوتين، ويفسر بوتين ذلك بجملته الشهيرة عندما سئل حول العلاقات مع تركيا حيث قال في العلاقات الدولية لا توجد هناك صداقة وانما المهم هي المصالح.

السياسة الخارجية الروسية

من أجل الفهم الصحيح للعلاقات الايرانية – الروسية، ينبغي علينا اولا دراسة السياسة الخارجية الروسية بدقة، ونظرتها في عهد بوتين الى النظام الدولي والهيكلية الحاكمة فيه.

خلال فترة التسعينيات، كانت السياسة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مضطربة وسلبية وانفعالية. وخلال عهد بوريس يلتسين اول رئيس جمهورية روسيا الاتحادية، فان السياسة الخارجية كانت اكثر إنفعالية وتبنى يلتسين مبدأ وزير خارجيته (اندريه كوزيروف) باسم (الرمح الأطلسي) وهي سياسة غريبة التوجه، وتعتبر الغرب شريك استراتيجي وتحاول هذه السياسة محاكاة القيم الروسية مع نظيرتها الغربية، ولكن فشل هذا التوجه ظهر خلال الفترة الرئاسية الثانية ليلتسين عندما أصبح (يوغني بريماكوف) وزير للخارجية في عام 1996 والذي تبنى سياسة التوجه نحو آسيا، والتي تؤكد على ضرورة انتهاج التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب، ولكن في نهاية التسعينيات برز نجم فلاديمير بوتين الذي كان على رأس منتقدي بريماكوف، معتبرين ان هذه السياسة هي سياسة ايديولوجية ومعادية للغرب، ويبدو ان بوتين كان بفضل انتهاج سياسة العزلة (التي تؤكد على ضرورة تقوية القدرة الروسية) وفي نفس الوقت سياسة التقارب (التي هي اساس الارتباط مع النظام العالمي).
وتمكن بوتين من خلال سياسته العملية هذه، تعزيز قدرة روسيا وإعادة التعرف على الهوية الروسية في النظام الدولي، من خلال تعديل مكانة روسيا في النظام الدولي واحترام الضوابط والقوانين والالتزامات الدولية. وتدريجيا تمكن بوتين من استعادة مكانة روسيا كقدرة كبيرة على الصعيد الدولي، وبعد ان أصبح بوتين رئيسا للاتحاد الروسي، حدث تطور كبيرة لنظرة روسيا نحو العالم ومكانتها على الصعيد الدولي. ان استلام بوتين للسلطة تزامن مع ارتفاع اسعار النفط والغاز وبالتالي حدوث نمو اقتصادي وعودة النظام لهذا البلد. وبعد عودة النظام وتنظيم الاوضاع الداخلية، حاول بوتين استعادة مصداقيتها وطرح نفسها كقوة كبيرة على الصعيد الدولي. وفي الحقيقة فان بوتين قد أحيا قدرة روسيا بدون الايديولوجية الماركسية واللينينية. ان اولويات السياسة الخارجية لروسيا خلال عهد بوتين الجديد تتلخص في:

تعزيز دور روسيا في حل القضايا الدولية.
تغيير بوصلة السياسة الخارجية الروسية من الغرب (اوروبا وامريكا) الى الشرق (اوراسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية).
التخلي عن كلمة العدو عند الحديث عن السياسة الامنية والخارجية مع الغرب والاستفادة من عبارات المنافسة والتعاون.
التخلي عن مصطلح النظام الأحادي وانتهاج سياسة التعددية على المستوى الدولي.
مشاركة روسيا النشطة في اطار النظام العالمي الجديد والحيلولة دون السلوك الانفرادي.

العلاقات الايرانية – الروسية

ان السياسة الخارجية لايران خلال العقود الاربعة الماضية عانت من قضايا ارادية وغير ارادية مختلفة، لكنها كانت اكثر ثباتا تجاه القضايا الداخلية والاقليمية والدولية، من أجل المحافظة على الاطار العام لمبادئ الجمهورية الاسلامية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا حول توجهات السياسة الخارجية لايران واسباب استقرار المبادئ الاساسية تجاه العلاقات مع روسيا وعدم تغييرها طوال العقود الماضية وذلك بالرغم من التذبذبات والتقلبات الكثيرة التي حدثت للعلاقات بين طهران وموسكو، بالرغم من ان روسيا تحتل مكانة خاصة لدى السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية، ان ذلك يعود بالدرجة الاولى الى رغبة ايران في تعزيز العلاقات مع روسيا.

عند انهيار الاتحاد السوفياتي فان العلاقات مع ايران كانت متخبطة والعكس صحيح ايضا، وبعد انشاء الاتحاد الروسي بعد الانهيار فان مواقف الجمهورية الاسلامية كانت داعمة للحكومة المركزية، فخلال حرب الشيشان الاولى، وقفت ايران بجانب الحكومة المركزية ضد الانفصاليين الامر الذي جذب استحسان موسكو، كما تعاونت ايران مع روسيا لانهاء الحرب الداخلية في طاجيكستان، وعندما ادركت موسكو ان طهران لديها دور هام وبناء في آسيا الوسطى لذلك عززت من مساعداتها العسكرية لايران، الأمر الذي أدى الى احتجاج امريكا الشديد والمزيد من تعزيز العلاقات بين ايران وروسيا، ومنذ يناير 1995 ازداد التواجد الروسي في الشرق الاوسط والخليج الفارسي بعد التوقيع على عقد انجاز العمل في مفاعل بوشهر النووي.

بعد مجئ بوتين للسلطة وبدء الالفية الجديدة، فان العلاقات بين ايران وروسيا شهدت المزيد من التعزيز والتعاون بسبب السلوك العدواني للغرب تجاه منطقة غرب آسيا. وشهدت العلاقات الكثير من التقلبات بعد ذلك خاصة عند حدوث اي تقارب بين روسيا وامريكا حيث تتلقى ايران الكثير من الضربات سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، ولكن مع بدء الربيع العربي في العام 2011، وقفت روسيا مرة اخرى بجانب ايران بسبب ظهور الاسلام السياسي والجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش وغيرها، ووجدت روسيا نفسها مضطرة للتعاون مع ايران خلال أزمة سوريا بعد ان أدركت ان تجاهلها للأزمة في ليبيا قد جعلت الغرب والناتو يدخلون في ليبيا والقضاء على القذافي وبذلك خسرت روسيا دورها في ليبيا، ولذك تعاونت مع ايران في التواجد على الساحة الروسية كي تمنع سقوط النظام السوري ايضا تحت سيطرة الغرب والناتو.

العلاقات الاقتصادية بين ايران وروسيا

خلال السنوات الماضية كانت هناك تحديات كبيرة أمام العلاقات الايرانية – الروسية أهمها تنمية العلاقات التجارية، ان حجم التجارة بين ايران وروسيا كانت دوما تحت ملياري دولار الذي يعتبر منخفضا نوعا ما، على سبيل المثال لو رأينا حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا البالغ اكثر من 30 مليار دولار، كما خطط الجانبان الى زيادة هذا الحجم الى 100 مليار في المستقبل. والعامل الوحيد لذلك هو القضايا السياسية، بالرغم من هناك اختلافات سياسية كبيرة بين البلدين، لكن حجم التبادي التجاري بين البلدين بقي مرتفعا، في حين ان ايران وروسيا اكثر تقاربا من الناحية السياسية لكن علاقاتهما التجارية لازالت منخفضة في العام 2019، كان حجم التبادل التجاري الروسي مع الدول المختلفة في العالم نحو 688 مليار و115 مليون دولار، من بينها بلغت الصادرات الروسية نحو 449 مليار و115 مليون دولار والواردات 238 مليار و151 مليون دولار، بينما بلغ التبادل التجاري بين ايران وروسيا بنسبة 3% فقط.

حسب الجمارك الروسية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين ايران وروسيا في العام 2018 مليار و740 مليون دولار، منها مليار و207 مليون دولار حجم الصادرات الروسية الى ايران و533 مليون دولار حجم الواردات الروسية من ايران. في حين كان هذا الحجم في العام 2017، مليار و707 مليون دولار، منها مليار و314 مليون دولار صادرات روسية الى ايران ووارداتها 2ر392 مليون دولار، وبالنسبة للصين ايضا فقد كان لديها اكبر نسبة من التبادل التجاري مع روسيا حيث وصل حجم التبادل التجاري نحو 108 مليار و283 مليون دولار، وحجم التبادل التجاري مع الاتحاد الاوروبي 294 مليار و166 مليون دولار في العام 2018. من بينها 204 مليار و897 مليون دولار هي صادرات روسيا الى الدول الاوروبية والواردات بلغت 89 مليار و692 مليون دولار.

وفي العام 2020، حدث تطور كبير في القطاع التجاري بين ايران وروسيا، وبالرغم من انتشار جائحة كورونا والعقوبات المفروضة على ايران، فان حجم الصادرات الايرانية الى روسيا بلغت 800 مليون دولار، اي بنسبة نمو بلغت 105%. كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في النصف الاول من العام 2021، حيث بلغت الصادرات الايرانية الى روسيا خلال تلك الفترة نحو 270 مليون دولار والواردات نحو 637 مليون دولار، وحجم التبادل التجاري 907 مليون دولار خلال النصف الاول فقط.

الفرص والتحديات امام ايران وروسيا

أ – قطاع الطاقة: تمتلك روسيا وايران نحو 20% من احتياطي النفط العالمي و50% من احتياطي الغاز، وانهما تعملان على تنظيم سياسات الانتاج والتصدير، ومن المؤكد ان ذلك يؤثر عمليا على قطاع العرض والسعر على المستوى العالمي، هذا الامر يتطلب التعاون الثنائي للتحكم في سوق الطلب والعرض والاسعار للمواد الهيدروكربونية على العالم، وان جزء من هذا التعاون هو لتعزيز مصالح البلدين في منطقة الشرق الاوسط وبحر قزوين الاستراتيجيان.المصالح الروسية في قطاع الطاقة بالتعاون مع ايران:

1- ضمان تطوير الطاقة وبالتالي تطوير قطاع انتاج المكثفات الغازية.

2- الاشراف على نشاطات منظمة الاوبك في اطار السيطرة على الاسعار

وعلى ضوء ان ايران احدى الدول المؤسسة للمنظمة.

3 – تشجيع ايران على تعيين الحدود البحرية في بحر قزوين والاستفادة المشتركة.

4 – تعزيز التعاون مع ايران بهدف تعزيز التجارة بين آسيا واوروبا عبر ممر دولي للنقل والشحن يتنافس مع قناة السويس.

المصالح الايرانية في التعاون مع روسيا

1- تعزيز طاقات انتاج النفط والغاز الايرانية واستغلال حقول الغاز البحرية بما فيها حقل بارس الجنوبي في الخليج الفارسي بهدف المحافظة على حصة ايران من تصدير الغاز الى روسيا.

2- تطوير انابيب الغاز الى تركيا ومنطقة البلقان واوروبا المركزية والشرقية.

3 – الحصول على حصة اكبر من مصادر النفط والغاز في بحر قزوين ومواجهة الهيمنة الروسية على المياه السطحية لبحر قزوين.

4- تحول ايران الى ممر هام لشحن النفط والغاز بين دول منطقة بحر قزوين والدول المستهلكة الممتدة بين آسيا والمحيط الهادئ.

ان العلاقات الايرانية الروسية في مجال الطاقة هي علاقات متكاملة وتنافسية وشراكة مع الاخذ بنظر الاعتبار المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية لكلا الطرفين.

ايران وروسيا بلدان منتجان ومصدران رئيسيان للنفط في العالم ولكن اهدافهما متشعبة. فروسيا ليست عضوة في الاوبك ولذلك فان استفادتها من الوضع سيكون مزدوجاً، احداهما انها غير مقيدة بالأسعار التي تضعها منظمة الاوبك، والثانية ان روسيا غير مقيدة بسقف للانتاج. في حين ان ايران بحاجة الى المزيد من انتاج النفط وهي تعاني من مشاكل التصدير بالاضافة الى المشاكل التقنية وتحديث اجهزتها. كما ان اكبر الشركات النفطية مثل لوكويل ويوكوس وسلاف نفت وثاث نفت، وزارويج نفت، ترغب في التعاون في صناعة النفط الايرانية. وبالرغم من ذلك فان ايران لا ترغب في الحقيقة التعويض عن فراغ عدم تواجد الشركات النفطية الامريكية الكبرى والتي تتمتع بقدرات هائلة للاستثمار والتقنية بشركات النفط والغاز الروسية مثل لوك اويك او غاز بروم او ماشينوايمبورت واستروس ترانس غاز وغيرها. وبالنسبة الى بناء خط للانابيب، فان طهران وموسكو يعتبران منافسان لنقل الغاز والنفط الى جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى مثل كزاخستان وتركمنستان وارمينيا. وبالرغم من التكلفة المنخفضة لشحن هذه المواد الى الدول المذكورة لكن روسيا هي المهيمنة لتصدير هذه المواد الى الدول المذكورة بالاضافة الى مصر. في حين ان ايران نجحت في عام 2003 فقط في تصدير 120 الف برميل نفط الى كزاخستان وتركمنستان عبر نظام المقايضة.

ب – قطاع النقل والشحن والاتصالات: ان الجزء الاعظم من الصادرات الروسية الى ايران كانت تتم في السابق عبر سكك الحديد حتى مدينة استاراخان الروسية ثم عبر بحر قزوين وحتى السواحل الايرانية. وبالنسبة للسلع الايرانية كانت تذهب الى ما خاتش قلعة بواسطة السفن ثم عبر السكك الحديد حتى الى وسط روسيا. ولكن اليوم فان عمليات الشحن تتم عبر السكك الحديد فقط وبدءاً من محطة 7 في مدينة سرخس ثم الى تركمنستان ومنها الى روسيا. ومن المقرر ان يقوم هذا الخط بنقل البضائع من اوروبا وعبر روسيا وايران الى جنوب وجنوب شرق آسيا وبالعكس. وانه بتطوير هذا الخط الحديدي سيصبح بالامكان تصدير 10 ملايين طن من السلع اي اربعة اضعاف من الحجم الحالي.

ان تطوير ممر شمال – جنوب يتطلب خط ملاحي في بحر قزوين وتطوير موانئ البلدين وبناء طريق بري سريع يحيط بالبحر وتطوير خطوط سكك حديد الدول الاعضاء. وسيكون مناسب لروسيا ان تتبادل التجارة مع الهند عبر ايران لكي تتجنب الطريق البحري الطويل الذي يلف حول افريقيا ويمر عبر قناة السويس ثم الى سان بطرسبورغ الروسية.

ج – التعاون في مجال الطاقة النووية: بسبب عدم تعاون الشركات الغربية ومعارضة امريكا واوربا لاستمرار عمل مفاعل بوشهر النووي وعلى ضوء تحول السياسة الخارجية الروسية، فان اتفاقية انجاز مشروع مفاعل بوشهر النووي ثم التوقيع عليها بين البلدين وهذه الصفقة التي عقدت في 1995 وبلغت 700 مليون دولار، وفرت ظروفاً مناسبة للنشاط الاقتصادي في روسيا. وقد واجهت هذه الاتفاقية العديد من المعارضة، فالمعارضون اعتبروا الصفقة مخالفة للمصالح الروسية وان مساعدة ايران في هذا المجال تشكل تهديداً لروسيا. ولكن الموافقون اكدوا على ضرورة ان يكون البرنامج النووي الايراني تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وان التعاون في هذا المجال لن يجلب المزايا الاقتصادية لروسيا فحسب وانما ستشمل المزايا السياسية والامنية ايضا. وبالنسبة لروسيا فان هذا التعاون سيكون فرصة للتعاون مع الوكالة الدولية من أجل تعزيز ضوابط الضمان للاستخدامات النووية. فالتعاون في المجال النووي لا يتأثر بالعوامل الاقتصادية فحسب وانما بالعوامل السياسية والاستراتيجية ايضا. ومن هنا فلابد من تحديد اطار عام لهذا التعاون من خلال تطوير الاوضاع السياسية والاستراتيجية في المنطقة والعالم.

وبالنسبة للقوانين الدولية والروسية، فان التعاون النووي بين البلدين يتطابق تماماً مع اتفاق عدم انتشار السلاح النووي ونظام (ماغاته) وضوابط التصدير للمواد النووية.

د – التعاون العسكري: في النظام الدولي، لا يوجد تسلسل هرمي قانوني ومؤسسات شرعية تضمن الأمن الدولي، وهو حسب البعض نوع من الفوضى، فكل بلد من حقه تعزيز قدراته العسكرية والوصول الى الاكتفاء الذاتي في مجال الدفاع عن النفس. لان موضوع البقاء والأمن الوطني لا يمكنه ان يصبح رهن بالدول الاخرى. ولذلك لابد من التزود بالتقنية والاسلحة من المصادر الممكنة من أجل ردع أي عدو يفكر في الاعتداء. وهناك بعض الدول التي لا تستطيع لوحدها من مواجهة بعض التهديدات، لذلك فانها تلجأ الى الانضمام لتحالفات دفاعية وعسكرية من أجل تأمين حاجاتها الامنية. ومن الطبيعي ان كل تحالف عسكري يرغب في زيادة عدد اعضاءه وتقليل عدد الاعداء وتقليص حجم الاخطار. ويمكن في هذا المجال ان تلجأ ايران ايضا الى تعزيز قدراتها العسكرية من خلال شراء منظومات S300 ومقاتلات سوخوي 30 من روسيا بامكان روسيا ان تلعب دوراً هاماً في مجال تسليح ايران.

و – انضمام ايران في المنظمات والاتحادات الاقليمية: في السنوات الماضية، فان احدى القضايا المهمة في العلاقات الايرانية – الروسية كانت عدم عضوية ايران في المنظمات الاقليمية. لكن في العام 2021 تمكنت ايران من الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، كما أصبحت عضو مراقب في اتحاد اوراسيا الاقتصادي، والطريف ان روسيا كانت احد المعارضين لعضوية ايران في تلك المنظمات. واليوم اصبح بامكان ايران من خلال عضوية ايران في هذه المنظمات الاستفادة من المزايا الاقتصادية لها. خاصة وان الحكومة الثالثة عشر تعتزم جعل ايران ممر العبور شمال – جنوب وغرب – شرق الرئيس في المنطقة.

هـ – الوثيقة الاستراتيجية للعلاقات بين ايران وروسيا بتاريخ 12/ 3/ 2021: اصبح عمر معاهدة (أسس العلاقات المتبادلة بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والاتحاد الروسي)، عشرين عاماً، هذه المعاهدة التي جعلت الجهازين الدبلوماسيين في البلدين تعلنان بصورة متزامنة بان المعاهدة تمثل نقطة عطف في تاريخ العلاقات الثنائية. هذه المعاهدة تم التوقيع عليها بتاريخ 12/3/2001 في موسكو خلال زيارة الرئيس الايراني آنذاك محمد خاتمي لروسيا. وتتالف المعاهدة من مقدمة و21 مادة، والمادة السادسة من هذه المعاهدة تنص على التعاون في مجال الطاقة بما فيها النووية وتقول: ( تعاون الجانبين لتعزيز العلاقات الثنائية على المدى الطويل من أجل انجاز المشاريع المشتركة في مجالات النقل والشحن والطاقة بما فيها الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات للطاقة النووية، والصناعة والعلوم والفنون والزراعة والصحة)، فاذا تم تنفيذ المعاهدة، بعد وثيقة الـ25 عاما للتعاون بين ايران والصين، فان هذه المعاهدة ستكون نقطة عطف في علاقات ايران مع الشرق وضربة عنيفة ضد الغرب لانها ستكون اداة ضغط قوية ضد امريكا والاتحاد الاوروبي.

تحدثات العلاقات الايرانية – الروسية

الكيان الصهيوني:

ان احدى التحديات الرئيسية للعلاقات الايرانية الروسية، هي التواجد الفاعل للكيان الصهيوني في مناطق النفوذ الايراني والدول المحيطة بايران. وقد تمكنت ايران وروسيا بالرغم من هذا الخلاف من تعزيز العلاقات الثنائية والنموذج على ذلك شراء الاسلحة من روسيا بالرغم من معارضة الكيان الصهيوني. من ناحية اخرى فان روسيا لا تبدي ردود فعل تجاه الاعتداءات الصهيونية ضد الجيش السوري وفصائل المقاومة في سوريا، وحتى بعض المحللين يعتقدون بان روسيا تتماهى مع الكيان الصهيوني للحيلولة دون النفوذ الايراني، وفي منطقة القوقاز ايضا هناك تواجد عسكري واستخباراتي صهيوني في جمهورية آذربيجان، وقد برز هذا الامر خلال الحرب الاخيرة في قرة باغ وبالرغم من رد فعل ايران الحاسم تجاه هذا الامر، فان السلوك الروسي كان شبيه بسلوكه في سوريا.

2- خطوط نقل الطاقة:

ان روسيا كامريكا تحاول الهيمنة على خطوط نقل الطاقة على مستوى العالم والمناطق المحيطة بها، ان وثيقة الطاقة الروسية لعام 2020، تنص على هيمنة روسيا على خطوط الطاقة العالمية، وهي القضية الهامة في هذه الوثيقة. وفي هذا المجال لابد من الاشارة الى خط نقل الغاز الايراني الى جورجيا، تم طرح هذا الموضوع لاول مرة في العام 2016 من قبل شركة الغاز الايرانية الوطنية مع جورجيا لتصدير الغاز، وتزامنا مع ذلك تم طرح ادعاءات بشأن التعاون مع الحكومة الجورجية واحدى الشركات الخاصة المجهولة ولكن حكومة تبليسي نفت هذه الادعاءات. واذا تحقق هذا المشروع، فان سوق الغاز الجورجي الذي تهيمن عليه جمهورية آذبيجان سوف يواجه منافس حقيقي وهو ايران. حيث سيتم نقل الغاز الايراني عبر ارمينيا الى جورجيا، ولكن هناك عقبات هندسية وسياسية امام هذا المشروع ويجري التغلب عليها حاليا. ان خط انابيب الغاز الموجود بين جورجيا وارمينيا هو من مخلفات الاتحاد السوفياتي السابق ويتم نقل الغاز من روسيا الى ارمينيا عبر هذا الخط. وفي حال انجاز المشروع الايراني عبر نظام (المقايضة) فان صادرات الغاز الروسي سوف تنقطع عن ارمينيا، ويتم تصدير الغاز الايراني عوضا عن ذلك، وفي المقابل فان روسيا سوف تصدر الغاز الى جورجيا، وفي هذه الحالة فان سوق الغاز في ارمينيا سيتم تأمينه بالكامل من ايران، هناك عاملان يمنعان من نقل الغاز الايراني الى جورجيا، يتلخصان في العقوبات الامريكية والمصالح الروسية.

3 – الازمة السورية

رأت موسكو ان ثورات الربيع العربي في عام 2011 هي ضد مصالحها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وبالرغم من سياسة روسيا الحذرة تجاه التطورات في ليبيا، لكنها تدخلت مباشرة في الازمة السورية ووقفت بجانب ايران للمحافظة على حكومة بشار الاسد. ان ايران بحاجة للتواجد الروسي في سوريا وكذلك روسيا

بحاجة للتواجد الايراني في سوريا من أجل احداث توازن في القوى بين اللاعبين الآخرين مثل تركيا وقطر. وبالرغم من ذلك فان هناك خلافات بين روسيا وايران تجاه الازمة في سوريا. فروسيا ترفض تواجد بعض فصائل المقاومة في الجنوب السوري، لذلك فانها لم تبد أية ردود فعل تجاه الاعتداءات الصهيونية ضد الجيش السوري وفصائل المقاومة. خلال مفاوضات (استانة) تسعى روسيا الى حدوث تفاهم ثنائي مع تركيا. وهناك تنسيق حول ادلب أيضا بين روسيا وتركيا.

الاستنتاج

ان العلاقات بين ايران وروسيا طوال القرون الاربع الماضية كانت مليئة بالمطبات والتذبذات. وقد بيّن التاريخ ان اولوية روسيا في اطار سياستها الخارجية العملية، هي تأمين مصالحها. ان السياسة الروسية خرجت من الايديولوجية الشيوعية – اللينينية ودخلت في نهج سياسة عملية براغماتية منذ 20 عاما. ان روسيا بالنسبة لايران ليست عدوة ولا صديق وانما هي شريك لايران في بعض المواضيع. ان الاعتقاد الخاطئ هو ان نتصور بان روسيا سوف تضحي بمصالحها من أجل ايران. ولكن التقارب مع روسيا ضروري للغاية لاستخدامه كأداة ضغط وتوازن مع الغرب. ان سياسة روسيا تجاه ايران خلال العقدين الماضيين والتي تخللتها الكثير من الازدواجية تبين بوضوح ان افضل تعبير يمكن اطلاقه على العلاقات الايرانية – الروسية، هي: انها شراكة استراتيجية حول مختلف القضايا والتحديات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.