«ديكتاتور» و«فانز» في سوريا… كيف؟

basharassad

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
جان عزيز:

لا يمكن أيَّ مراقب لوسائل صناعة الرأي العام، إلا أن يتوقف عند هذه الحرب الإعلامية المفتوحة بين واشنطن ودمشق منذ أسابيع. ففي محصلتها يمكن القول إنها المرة الأولى التي يتمكن فيها نظام، يوصف بالاستبدادي، من حشد هذه القوة الإعلامية للدفاع عنه والتنديد بخصومه. وهو ما يستحق التدقيق في أسبابه، وما يفترض بخصومه الاعتبار من خلاصاته.
بداية، صحيح أن الخطاب المعادي للسياسات الأميركية سهل الترويج في الشرق الأوسط. وصحيح أيضاً أن أصدقاء واشنطن نادرون في الشارعين العربي والإسلامي. وإن كانوا موجودين وطاغين بصفات أخرى في الحكومات. لكن ما يحصل راهناً في معظم وسائل الإعلام الفوري ومواقع التواصل الاجتماعي، يعد سابقة لم يعرفها أي نظام من قبل في حربه مع واشنطن، أو في مواجهته لمعارضة مسلحة. فصدام حسين مثلاً سنة 2003، اقتصرت دفاعاته الإعلامية على وزير إعلامه، محمد سعيد الصحاف، الذي تحول موضع سخرية كاملة. ومع اندلاع ما سمي الربيع العربي، منذ كانون الأول 2010 في تونس وحتى حزيران 2013 في مصر، كان الإعلام غالباً حقلاً خصباً لنشاط الثوار، لا للحكام. بن علي اكتفى بخطابين متلفزين رسميين، قبل أن يرحل. بدا هروبه أسرع من كبسة مدوّن على لوحة مفاتيح سلاح العصر. القذافي لم يجد من يخوض حربه الإعلامية، إلا ابنته وابنه، فضلاً عن إطلالاته الهجينة بين هتلر ودونكيشوت، من باب العزيزية. حسني مبارك سقط منذ اللحظة الأولى بضربات التويتر، مع هاشتاغ «25 يناير».
وحده بشار الأسد شكل نموذجاً مختلفاً حتى اللحظة. ذلك أن قدرات إعلامية ملحوظة تحتشد للدفاع عنه، أو على الأقل ضد خصومه وأعدائه. في الأسابيع الماضية، ومع بدء الحديث عن الضربة الأميركية ضده، ظهر هذا الحشد الإعلامي بوضوح. واتخذ أشكالاً عصرية حديثة، معبئاً فئات شبابية ونسائية بشكل كبير.
قد لا تنتهي الأمثلة الممكن سوقها حول هذه الظاهرة. من اعتصام جبل قاسيون الشبابي، إلى معارك وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التفاعلي، مروراً بحراك الوجوه البارزة في قطاع الفن والتمثيل. وصولاً إلى استعادة الخطاب القومي الناصري، موقعاً على أحداث دمشق وصورة بشار الأسد… من ينظر إلى اللوحة من بعيد، يحسب الأمر معكوساً: كأن الثورة هي هنا، مع الأسد، و«النظام الرجعي المتخلف والمستبد»، المستهدف بالثورة الشابة التغييرية المتحفزة والمتوثبة، هو هناك مع المعارضات السورية المسلحة.
فقصص بروباغاندا الأنظمة كانت متاحة ومطبقة في زمن الإعلام الرسمي وغير الفوري. زمن الخطابات الخشبية الممجوجة والوثائقيات الفارغة والأفلام المسبقة الإعداد والتوليف، حتى للأخبار اليومية (للمناسبة، ثمة في لبنان من لا يزال يعيش هذا الزمن، فيسجل حواراً تلفزيونياً مسبق الإعداد أسئلة وأجوبة، ثم يبثه على أنه مباشر!!) إعلام التواصل الاجتماعي، أسقط ذلك الزمن نهائياً. لم يعد الإعلام رسمياً مؤسسياً، بل صار «مخصخصاً» حكماً وبالقوة، لا بل فردياً. والأهم أنه لم يعد مسبقاً محضراً مفبركاً مركباً. صار أكثر من مباشر، صار فورياً. في ظل إعلام كهذا، لم يعد من مجال لبروباغاندا الأنظمة. حتى إذا كان صحيحاً أن الحكم في سوريا يستثمر في قدرات رسمية لخوض حربه الإعلامية الإلكترونية، إلا أن هذا التبرير يظل قاصراً عن تفسير الكثير وإقناع الكثيرين.
كيف لإعلام رسمي شمولي أن يقنع رموز الشباب والمراهقين؟ كيف له أن يجعل الفنانة السورية نادية المنفوخ، تقرر إلغاء حفلاتها في الولايات المتحدة الأميركية، احتجاجاً على سياسة واشنطن ضد دمشق؟ ونادية ليست غير نجمة من نجوم «آراب أيدول»، الغربي الهوى والنموذج والمثال. وكيف لخطاب رسمي ولصحافة «تشرين» و«الثورة» و«البعث»، أن يدفعا زميلتها نجمة البرنامج نفسه، فرح يوسف، إلى توجيه رسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، تطلب منه فيها عدم شنّ حملة عسكرية على بلدها. علماً أن رسالة يوسف ظلت ضمن حدود اللياقة، على عكس زميلتها نجمة «ستار أكاديمي»، سارة فرح، التي تحدّت أوباما على «تويتر» أن يهاجم سوريا. أليس غريباً في ثنائية نظام وثورة ـــ قال ـــ أن يكون نبض المراهقين هنا؟ كأن بشار الأسد هو النجم الذي يجذب «الفانز»، فيما أميركا هوليوود والشوبيز هي «الستار الحديدي»؟!
ما هي أسباب هذه الظاهرة؟ قد تكون كثيرة ومركبة. وجود «التكفيريين» في المقلب الآخر سبب كافٍ ربما. صارت الظلامية وثقافة النقاب والحجاب هناك، ما يكفي لجعل كل ثقافة الشباب هنا. العامل المسيحي، السوري والعالمي، كان حاسماً في هذا المجال، يقال. ليس تفصيلاً أن يتكلم البابا كما تكلم، وأن يخرج الرئيس الأعلى لليسوعيين في العالم عن صمته التقليدي ليندد بسياسيات واشنطن وباريس. ثم إن سوريا أصلاً ليست مجتمعاً مثل ليبيا أو تونس أو حتى مصر. فتعددها العمودي جعل الانقسام هنا مختلفاً. وجعل قوى كثيرة إلى جانب النظام.
قد تكون هذه بعض الأسباب، وقد يكون ثمة سواها الكثير. لكن الأكيد أن على الغرب التوقف أمام هذه الظاهرة: ديكتاتور متوحش – كما وصفه فؤاد السنيورة – ويربح في حرب إعلام عام 2013؟ مقولتان «دونتي ميكس»، بحسب قاموس مرسي للغة العصر الثوري الجديد. إما أن الإعلام العصري متخلف، وإما أن وصفه بالديكتاتور يقتضي بعض التدقيق…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.