روسيا والصين في شرق المتوسط

4Russia-China-flag

محمود ريا –

صحيفة السفير اللبنانية:

الصين تشارك روسيا في التحرش بالولايات المتحدة في شرق البحر المتوسط.

كثير من المراقبين فسّروا المناورات البحرية المشتركة، التي أجرتها السفينتان الضخمتان التابعتان لروسيا والصين “بطرس الأكبر” و”يانتشنغ” ابتداء من يوم السبت في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني، على هذا النحو.

هذا التفسير هو بالضبط ما عملت وسائل الإعلام الروسية على الإيحاء به خلال الأيام الماضية، إذ حفلت بالتقارير والأخبار والتحليلات المتعلقة بهذه المناورات التي تحصل للمرة الأولى في هذه المنطقة.

المحللون الروس تحدثوا بشكل علني عن “إشارة صينية روسية مشتركة” للولايات المتحدة في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وهي إشارة قال عنها النائب الأول لرئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية الروسية قسطنطين سيفكوف في حديث لإذاعة صوت روسيا إنها “أثارت غضب الغرب”، مضيفاً “أن هذا الأمر مفهوم”.

وفي تحليله لهذه الإشارة يقول سيفكوف: “إن الصراع من أجل هذه المنطقة، خاصة في قسمها الشرقي، سيكون صعباً، ولهذا تستعد كل من روسيا والصين لتعزيز تواجدها البحري هناك، علماً أنه لا روسيا وحدها ولا الصين قادرة بذاتها على تأسيس مجموعة قوية بما فيه الكفاية لمواجهة أسطول حلف شمال الاطلسي، في حين سيكون بالإمكان حل هذه المشكلة سوية. وبالتالي فإن التعاون المتبادل المبني على أساس المنفعة، والذي سيشكل توازناً لقوة الناتو، سوف يخلق مجموعة متوازنة من القوات البحرية القادرة على مقاومة حلف شمال الاطلسي”.

كلام واضح وصريح، يتحدث عن المواجهة الروسية الصينية المشتركة للولايات المتحدة والغرب في شرق المتوسط، يقابله صمت صيني مطبق عن موضوع المناورات، إلى درجة أن معظم ما ورد عن هذا الموضوع في وسائل الإعلام الصينية كان منقولاً عن وسائل الإعلام الروسية.

هذا الصمت الصيني، الذي يقابل ارتفاع الصوت الروسي إزاء هذه المناورات المشتركة، أثار الكثير من الأسئلة، فهل ما تزال الصين عاجزة عن التصريح بعزمها على مناكفة الولايات المتحدة في أنحاء العالم، ولا سيما في منطقة شرق المتوسط، المنطقة الملتهبة والحساسة والتي يرتبط مستقبلها بشكل كبير بالصراع الدائر على إدارة العالم في المستقبل؟

تقول صحيفة الشعب الصينية في تعليق لها نشرته بتاريخ 28/1/2014 إن الجيل الجديد من القيادة الصينية يهتم أكثر بالتقدم الإيجابي والأعمال الفعلية، “الحلم الصيني”، “العلاقات الجيدة بين القوى الكبرى”، “نظرية المصلحة المتبادلة والعادلة في الديبلوماسية” وغيرها من النظريات الديبلوماسية المبتكرة، واقتراح “استراتيجية بناء”، “حزام طريق الحرير الاقتصادي” و”طريق الحرير البحري للقرن الـ21″، ورفع مستوى مشاركتها في القضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، الأزمة السورية، القضية النووية الإيرانية والقضايا الساخنة الأخرى، التي توفر للديبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط أفكاراً أكثر عمقاً وقبّة سياسية أكثر فعالية”.

ما تطرحه الصحيفة الصينية يفيد أن ما تعمل الصين من أجله في المنطقة صار أكثر تحديداً، وهو “الانخراط” في القضايا المصيرية الهامة التي تنتشر على مجمل خريطتها، ما يعني أن إثبات الوجود العسكري، من خلال المشاركة في تأمين نقل الأسلحة الكيميائية السورية إلى أوروبا، ومن ثم الانخراط في مناورات بحرية مع الأسطول الروسي، هو خطوة إلى الأمام في إعلان الحضور الصيني الكامل في مستقبل المنطقة.

ولعل الغموض الذي لفّ تعامل الإعلام الصيني مع المناورات البحرية الشرق ـ متوسطية، وترك أمر تفسير وتحليل معاني هذه المناورات، وتوجيه الرسائل من خلالها، هو رسالة بحد ذاته، مفادها أن الصين قررت الانخراط أكثر مع روسيا في لعبة الشرق الأوسط الكبرى، وحددت الطرف الذي تقف إلى جانبه في عملية إعادة رسم الخريطة السياسية والاستراتيجية والاقتصادية لمنطقتنا.. وللعالم.

يبقى أن على العرب أن يقرأوا ما يحصل بتمعّن، وأن يحددوا مصلحتهم في المشاركة في رسم مستقبل مقبل مع قوى سياسية واقتصادية ناهضة باتت تثبت وجودها في مفاصل العالم، أو البقاء على هامش الخضوع لخطط سياسية ترسمها قوى كبرى تتهاوى هيبتها وقدراتها يوماً بعد يوم، وتنسحب من المنطقة بشكل اضطراري لمعالجة حالة الوهن التي باتت ظاهرة عليها، من دون أن تستطيع إخفاءها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.