روسيا وحق الدفاع المشروع

nizar-katao-russia

موقع إنباء الإخباري ـ
الدكتور نيازي كتاو*:

يَسعى العالم الغربي بقيادة الإدارة الامريكية إلى اضعاف الدولة الروسية بشن الحروب السياسية و الإعلامية والاليكترونية عليها، وتنظيم الحصار الاقتصادي للنيل منها ورغبة بإضعافها، و بتجنيد وشحن الإرهابيين التكفيريين الى شمال القوقاز، وتعكير أجواء السلام هناك وفي مناطق اخرى في روسيا. وليس أخيراً، فإن الادارة الامريكية لا تتوقف عند حدٍ في عملياتها المتواصلة لتعكير الأجواء العالمية والبيئة السياسية الدولية، رغبة بالنيل من روسيا، التي تعتبرها واشنطن عدوها الأول بلا سبب موضوعي مُقنع..
تعمل الادارة الامريكية على حماية إمبرطوريتها العالمية من خلال تفتت الدول الاخرى، ودفع البلدان المختلفة الى الهاوية، لتغدو دولاً فاشلة ولدينا العشرات من الامثلة على ذلك، إذ تستخدام الادارة دمىً محلية وأجنبية كأدوات طيّعة لتنفيذ مآربها، وهي في ذلك إدارة تكتسح الأخضر واليابس لتذليل العقبات الوطنية المائلة أمامها، بخاصة تلكم الأليات الضامنة لتقدّم الامم والشعوب الوطنية ذات السيادة والمَنعة، زد عليها العقبات التي تتمثل في الحكومات الحرة المتطلعة أبداً الى مستقبل واعد لناسها والاسرة العالمية المُنسجمة حول الحقيقة وطبائع الانسانية المتآلفة.
المواقف السياسية لروسيا المستقلة والسيّدة تثير غضب الغرب السياسي، ناهيك عن شهيته الاقليمية التوسعية، لذا يلجأ الى محاولات “ردع” روسيا، بل وسعياً الى تدميرها بتوظيف وسائل عديدة، بدءاً بمحاولات عزل موسكو سياسياً، والضغط الاقتصادي عليها، ووصولا إلى تلاحق شن الحرب الإعلامية والنفسية الواسعة النطاق بحقها، واستخدام أدوات الاستخبارات، حيث إحبطت روسيا على أراضيها نشاط “300” عميل أجنبي في العام الماضي وحده. أضف الى تلكم الحروب المتواصلة، وهي لا شرعية ولا منطقة ولا مُبرّرة، ما يُرفق بها من هجمات اليكترونية على المؤسسات و الهيئات الحكومية الروسية، ومنها هيئة الأمن الفيدرالية الروسية التي تصدت في العام الماضي وحده لنحو74 مليون هجمة إليكترونية على المواقع الرسمية للمؤسسات والهيئات الحكومية الفيديرالية الروسية..
وفي التدليل على فداحة التدخل الدولي في شؤون روسيا وغيرها من الدول المستقلة، عُقد قبل عدة شهور من العام الجاري اجتماع للاستخبارات الامريكية و البريطانية و التركية، في مقر الناتو في انيجرليك بتركيا, جرى فيه الاتفاق على نقل مجموعات تكفيرية من سوريا والعراق الى شمال القوقاز. وقد تُوّج الاتفاق بتفاهم مع جورجيا (وادي بانكيسي) بحسب مراسل “بي بي سي” في العراق و تركيا (جيال جول). وفي الاتفاق كذلك، تسعى الادارة الامريكية الى إثارة الفتن و الاضطرابات في دول أواسط آسيا، حيث العمل لتخليق أجواء عدم الاستقرار، إبتداءً من تخوم روسيا الجنوبية في أسيا الوسطى التي كانت سوفييتية سابقاً، الى الجنوب الروسي فالقوقاز، فمحاولة إدخال روسيا في معارك جانبية مُنهكة، و إضعافها من أجل تفتيتها.
وفي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، نقرأ سياسات تنضح بعبارات تدلل على روح مواجهة مميتة، وخلو من الموضوعية حِيال روسيا بالذات. والاحتفاظ بروح المواجهة أمريكياً على المدى الطويل سيخدم المصالح الامريكية على وجه التحديد والحصر، لا المصالح العالمية للشعوب المُنهَكة. فالقوى الاستعمارية الغربية العالمية ترعى وتقود المنظومة التكفيرية الدولية “كقوة ردع سريعة التدخل”، وكقوة غزو في مواجهة العدو الافتراضي، وبضمنه القوة الروسية المتنامية، التي صارت هدفاً للحصار. لذا، فإنّ المنظومة التكفيرية العالمية المُموّلة أمريكياً في “الشرق الاوسط” بخاصةً، تُشكّل الذراع العسكري والأمني لزعزعة استقرار “الأعداء  المفترضين” لأمريكا و الغرب، وهم بالمناسبة، أعداء لا نهاية لوجودهم بالمنطق الامريكي.
والمنظومة التكفيرية لا تقتصر في الواقع على شريحة شبابية تنتمي عقائدياً إلى الوهابية التكفيرية، بل تضم عشرات الآلاف من المرتزقة “المسلمين” أدعاءً، وغيرهم.. والمعركة مع التكفيريين صعبة وطويلة الأمد وباهظة الثمن، لكن روسيا – كما نوّه الى ذلك الرئيس فلاديمير بوتين مؤخراً، ونحن نتطلع إليه بأملٍ وثقةً بموقفه الذي عَبر عنه بقوله: (لن ترضخ للضغوط الخارجية، ولن يتمكن أحد أبداً منها، ولن يستطيع أي أحد في المستقبل من تخويف روسيا أو الضغط عليها.. فقد كان لدينا دائماً وسيبقى ما نرد به بشكل مناسب على المخاطر كافة، سواءً الداخلية منها أو الخارجية المُحدقة بالأمن القومي) .

*كاتب وعضو قيادي في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.