زيارة الرئيس الجزائري للصين… تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين

موقع قناة الميادين-

وانغ مو يي: 

زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى لصين لن تزيد فقط من تعميق الثقة السياسية المتبادلة بين الصين والجزائر، بل إنّها ستفتح أيضاً مساحة جديدة للتعاون في مختلف المجالات بين البلدين.

 

قام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة دولة إلى الصين خلال الفترة من 17 إلى 21 تموز/يوليو 2023، وذلك بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ، وهذه هي أول زيارة يجريها الرئيس تبون إلى الصين منذ توليه منصبه.

 

وعقد الرئيس تبون والرئيس شي مباحثات في الـ 18 وقد صدر “بيان مشترك بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية”، مؤكداً التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والأمنية والدفاعية، وتعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.

 

إضافة إلى ذلك، جدّد الجانبان تأكيدهما مواصلة الدعم الثابت لمصالحهما الجوهرية، ومساندة كل جانب الجانب الآخر في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه وتعميق الشراكة الاقتصادية وتعزيز التعاون العملي بينهما في المجالات كافة.

 

وأعلن الجانب الصيني أيضاً عن استيراد المزيد من المنتجات عالية الجودة من الجزائر، وتسهيل صادرات الجزائر غير النفطية إلى الصين. وفي الوقت نفسه، ستشجّع وتدعم الصين الشركات الصينية على تنفيذ التعاون وزيادة حجم الاستثمارات في الجزائر.

 

وتحت إشراف رئيسي الدولتين، قد وقّعت الصين والجزائر عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات الزراعة والنقل بالسكك الحديدية، والعلوم والتكنولوجيا والتجارة والفضاء والطاقة وما إلى ذلك.

 

إن زيارة الرئيس تبون للصين لن تزيد فقط من تعميق الثقة السياسية المتبادلة بين الصين والجزائر، بل إنها ستفتح أيضاً مساحة جديدة للتعاون في مختلف المجالات بين البلدين.

 

إن الصين والجزائر تربطهما صداقة تاريخية عميقة وتتعاملان مع بعضهما البعض دائماً باحترام متبادل ومساواة ودعم. كانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بعد أسابيع فقط من إعلانها في أيلول/ سبتمبر 1958، وأقام البلدان العلاقات الدبلوماسية في يوم 20 كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.

 

وفي المقابل دافعت الدولة الجزائرية حديثة النشأة عن الصين لكسب الاعتراف بها باعتبارها الممثل الوحيد والشرعي للصين في الأمم المتحدة، فقدّمت مساهمة بارزة في استعادة المقعد الشرعي للصين في الأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 1971.

 

بعد دخول القرن الحادي والعشرين، تطوّر التعاون الودي بين الصين والجزائر بشكل أسرع. ففي عام 2004، أعلن البلدان إقامة علاقة تعاونية استراتيجية، ثم في عام 2014، أصبحت الجزائر أول دولة عربية أقامت علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين. وفي العام نفسه، وقّع البلدان الخطة الخمسية للشراكة الاستراتيجية الشاملة، والتي قادت بشكل فعّال التبادلات والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، ودخلت العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدة من التطور.

 

‏قد أصبحت الصين الآن الشريك الاقتصادي الأكبر للجزائر، ففي أيلول/ سبتمبر2018، انضمت الجزائر إلى الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” التي طرحتها الصين في عام 2013، ووقّع البلدان مذكرة التعاون في إطار المبادرة.

 

في مجال تشييد البنية التحتية، تعد الصين أكبر مساهم في إنشاء البنية التحتية في الجزائر، حيث نفّذت مئات الشركات الصينية مشاريع بناء البنية التحتية في الجزائر، بما في ذلك الطرق السريعة والمستشفيات ومشاريع الإسكان، وأصبح بعضها من المشاريع البارزة، مثل جامع الجزائر الكبير وهو المسجد الأول في أفريقيا والثالث في العالم، والطريق السريع شرق-غرب الذي يربط بين الحدود الغربية والحدود الشرقية ويحمل أكثر من %80 من حجم النقل البري في الجزائر.

 

في مجال التجارة، أصبحت الصين أكبر مصدّر للسلع إلى الجزائر منذ عام 2013، وتضاعف حجم التجارة الثنائية عشرة أضعاف في السنوات العشر الماضية. ففي عام 2022، وصل حجم التجارة الثنائية إلى 7.42 مليارات دولار أميركي. وقد دخلت المنتجات الصينية عالية الجودة ورخيصة السعر إلى الآلاف من الأسر في الجزائر.

 

في المجال الطبي والصحي نجد أن التعاون الثنائي له تاريخ عريق. في عام 1963، كانت الصين أول من استجاب لطلب الجزائر بإرسال أول بعثة طبية اليها. على مدى الستين عاماً الماضية، أرسلت الصين 27 دفعة من البعثة الطبية إلى الجزائر، وعالجت 27.37 مليون مريض، وساعدت في إنجاب ورعاية 2.07 مليون طفل حديث الولادة، وأجرت نحو 1.75 مليون عملية جراحية في الجزائر.

 

في الوقت نفسه، دعم البلدان بعضهما البعض في مكافحة كوفيد-19. وكانت الجزائر واحدة من أوائل الدول التي قدّمت دعماً لمكافحة الوباء للصين. وفي وقت لاحق، نفّذت الصين إنتاجاً مشتركاً للقاحات كوفيد-19 في الجزائر مما زاد من المساهمات الإيجابية لضمان سلامة وصحة شعبي البلدين.

 

في مجال الصناعة، تعد الصين الشريك الرئيسي في عملية التحديث والتصنيع بالجزائر، وقد قام البلدان بتعاون مثمر في تكنولوجيا المعلومات والفضاء والتكنولوجيا الزراعية وغيرها من المجالات.

 

على سبيل المثال، في كانون الأول/ ديسمبر 2017، أطلقت الجزائر أول أقمارها الاصطناعية الخاصة بالاتصالات بالتعاون مع الصين، واستعمل هذا القمر لأغراض البث التلفزيوني وخدمات اتصالات الطوارئ والتعليم عن بعد وحركة الملاحة، ويعد أول مشروع تعاون في مجال الفضاء بين البلدين؛ والآن، قد استخدمت الجزائر الخدمات عالية الدقة لنظام “بايدو” للملاحة بالأقمار الصناعية الصينية في مسح الأراضي ورسم خرائطها، والنقل والزراعة الدقيقة والرصد البيئي والأمن غير التقليدي ومجالات أخرى، وله أهمية كبيرة للتنمية الاقتصادية الجزائرية والتعاون للبلدين.

 

في نهاية العام الماضي، وقّع البلدان الخطة الخمسية الثانية للشراكة الاستراتيجية الشاملة (2022 – 2026)، والتي تهدف إلى زيادة استكشاف إمكانات التعاون الثنائية وتعزيز التعاون والتبادلات الثنائية في مختلف المجالات. وخلال زيارة الرئيس تبون للصين هذه المرة، وقّع الجانبان سلسلة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي ستعزز تنمية العلاقات الثنائية بشكل أكبر.

 

إضافة إلى ذلك، أعرب الرئيس تبون مرة أخرى عن رغبة الجزائر في الانضمام إلى مجموعة “بريكس” خلال زيارته للصين. ويذكر أنه في نهاية تموز/يوليو 2022، أعلن الرئيس الجزائري استعداد الجزائر لتقديم ملف انضمامها لهذه المجموعة. وفي 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية أن الجزائر تقدّمت بطلب رسمي للانضمام لمجموعة “بريكس”. وقد دعا الرئيس تبون نظيره الروسي لدعم بلاده “بشكل عاجل” للانضمام إلى مجموعة “بريكس” خلال زيارته إلى موسكو في الشهر الماضي.

 

وتعتبر مجموعة “بريكس”، منصة مهمة للتعاون بين بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، والانضمام إليها سيوفّر المزيد من الفرص للجزائر لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعزيز تنميتها التجارية والاقتصادية.

 

وكما يعرف فإنّ قمة “بريكس” ستعقد في جنوب أفريقيا في الشهر المقبل، وباعتبار الصين واحدة من الدول الأعضاء في مجموعة “بريكس”، من الواضح أن الرئيس تبون، يأمل من خلال هذه الزيارة للصين، في الحصول على دعم الصين لعملية انضمام بلاده إلى مجموعة “بريكس”. وقد حصل الرئيس تبون على رد إيجابي، فقد أعربت الصين ترحيبها برغبة الجزائر في الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، ودعم جهودها الرامية لتحقيق هذا الهدف.

 

تتمتع الجزائر بموارد طبيعية وبشرية وفيرة وموقع جغرافي متميّز وإمكانات تنموية كبيرة، وهي شريك مهم للصين في بناء “الحزام والطريق”. ويعتقد أن الجانبين سيغتنمان هذه الزيارة كفرصة لتعميق الثقة المتبادلة وتوسيع التعاون وتعزيز الصداقة التقليدية، والدفع نحو تنمية أكبر للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.