سنبقى في بئر العبد

rana-saheli-beeralabed

موقع إنباء الإخباري ـ
رنا الساحلي:

في مثل هذا اليوم عام 1985 كان كل شيء طبيعياً… الحياة مستمرة
المؤمنون في المساجد وباعة الخضار يسيرون في الشارع والأطفال تلهو وتلعب…
ما هي إلا لحظات معدودة ..كل المشهد تغيّر …………….
لم تعد الحياة حياة ….
بتمويل سعودي تحوّل جمال الشارع الى حطام وكتلة من النار…
لم اكن أدرك ما حصل …
فسنواتي القليلة لم تكن تعي أن المجرم الحاقد كان يترصد بالسيد محمد حسين فضل الله شراً… هو ذاك الرجل الطيب بمفهومي….اللطيف حد الارتقاء.. جارنا الذي أراه مكللاً بالابتسامات والرجال الذين يحيطون به ……….
دوي صوت قوي لم أكن أفهم ما هو، سوى أن قلبي طار من مكانه، كما طارت والدتي في الهواء ……..
كل ما أدركه أن الارض اكتست بالثلج الأبيض ….الزجاج غطى كل الأمكنة والدخان حلّ مكان الهواء ………..
صوت والدي أيقظني من سباتي، رأيت خيالاً يمر، تشبثت بقدمه…. والدماء تسيل على وجهي …………
أردت أن أشعر بأمان، رغم أنني لا أرى أي مشهد سوى الثلج المحيط بي من كل جانب…………
حملني والدي إلى المستشفى وكان يظن أن أفراد عائلته لم ينجوا ………
هناك كل شيء كان أكبر من مفاهيمي الصغيرة……… أشلاء مقطعة …بقايا جسد غير معلوم الملامح……….
بشاعة الأجساد الممزقة توازي بشاعة القاتل… تصبح صورة مطابقة …
أطفال بلادي يخيفون العدو….. ومفكرو بلادي يخيفون العدو بقلمهم بفكرهم ……لذلك أرادوا كم الأفواه ولا يزالون…..
المجرم واحد لا يزال هو هو….والضحية واحدة وإن اختلفت الأسماء …..
فالحياة لنا والموت يتمنونه لنا في كل لحظة… يتمنون سبينا ونحن الأسياد ..
يتمنون قتلنا ونحن عشاق الحياة والشهادة
القاتل لا زال طليقاً …..في كل لحظة هو ينتظر على كل المفارق……….
كل المشاهد لا زالت عالقة في عقولنا…. فها هي أم تنوح على ابنها وكرته الممزقة بالقرب منه…..لم تعرف ملامحه، فقط لباسه الداخلي عرفته… أوليست هي أمه التي أنجبته وتعبت لأجله وربّته وكوت كل سراويله!!!!!!!!! وإن شوّه القاتل كل ذرة منه….. لكنه يبقى ابنها الجميل…..ضمته إلى صدرها، قبّلته وكأنه وُلد الآن ………….
زوج يبحث عن زوجته الحامل…..كل ما تبقى جنين بحجم قداحة…. وخلاص امتد ليقول للقاتل: نحن نحب الحياة يا صنّاع الموت ….
كل شيء في وطني يصرخ…. يئن…. إلا من الكرامة…. فالكرامة فينا مذ كنا في أرحام أمهاتنا …..
بائع الحلوى الجميل بقي كما هو…. لم يشوهه حقدهم….. كان يستريح جسده على إحدى شرفات الحي…. بقيت عربته تنتظره… بحثوا عنه طويلاً….. وجدوه كالنائم على تلك الشرفة، يشاهد ما صنعت أيدي الكفر والخيانة…..
كل شيء جميل في وطني، ولو حاولتم تشويه الحقيقة بحقدكم وغلّكم وأموالكم ونفطكم…………لا نبالي، أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا…. فأطفال بئر العبد استيقظوا من تحت الركام…. أرواحهم ستلاحقكم…. عشقهم سيذلّكم وأنتم في قصوركم …………..
لا زلنا هنا…. وسنبقى…. نحرس هذه الأرض…. ولأجلها سنكون….. وسنبقى أسياد المعارك… سنبقى في بئر العبد وفي كل شبر من الضاحية…. وسنبقى في لبنان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.