سوريا: الأزمة.. والحل

caricature-syria-dragon-issamhanafy

موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ المحامية سمر عبود:
يظن البعض أن الأزمة السورية بدأت قبل سنتين وأكثر، وخفي عليهم أن الأمر تعدى هذا بكثير.

الأزمة السورية ابتدأت منذ قررت سوريا أن شعارها هو المقاومة وليس الإذعان والتبعية.
سوريا ومنذ استقلالها أعلنت مبادئها على الملأ. لم تخفِ ما يدرج على اجنداتها، بل العكس جاهرت بأنها مع المقاومة، وكانت ذكية للغاية، استثمرت جل جهودها في توفير حلفاء أقوياء لسوريا حال وجود أي خطر عليها، وبدأت بتسليح نفسها لتصبح يوماً ما تضاهي من تعمل على تقويضهم، وهم معروفون للجميع، الأعداء الصهاينة.

مصطلح “سنردّ في الوقت المناسب والمكان المناسب” هو غاية في الحنكة السياسية، ربما يستهزئ به المؤيد والمعارض للدولة على حد سواء، المؤيد يعارضه لأن مشاعره هي التي تتحكم بردة فعله، فهو يريد الرد فوراً، والمعارض يستهزئ لأنه يحسب أنها أقوال فقط.

دعونا نفكر ماذا سيحدث لو قررت سوريا بدء حرب على العدو متفردة بالقرار دون التشاور مع أحد. النتيجة هي دمار كامل لسوريا، ولا أعني دمار بنية تحتية، بل دمار الدولة كاملة.
سيأتي البعض ويقول كيف تقولين هذا وجيشنا سطر بطولات في صموده أكثر من سنتين؟؟
الإجابة أن بدء حرب على العدو سيجر تدخلاً مباشر لحمايته وسيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وليس تدخلاً غير مباشر كما يحدث الآن، وسأوضح الفرق:
التدخل المباشر هو كما حصل في العراق لحماية العدو، اما غير المباشر فهو يتم عبر تغذية البعض للرمي بهم، ولا يهمّ إذا انتهوا.

هل تعتقدون أن العدو لا يستشير أحدا قبل القيام بأي خطوة عسكرية؟
إن كنتم تظنون هذا فأنتم مخطئون. العدو يستشير ويأخذ الموافقة، ومن ثم تأتي العملية، وذلك لأن قادة العدو غير قادرين على بدء حرب تدك العالم كله.

لنعد إلى موضوع مقالنا وهو الأزمة. كما أسلفت، الأزمة بدأت منذ أعلنت الدولة أنها دولة مقاومة، ومنذ أن دعمت الفصائل المقاومة لتحرير فلسطين واستقبلتهم في بلادها وقدمت لهم البيت والسلاح وكانت لهم سنداً على مدار سنوات.

مذ قدمت لحزب الله ـ الذي يعتبر من أهم التنظيمات العسكرية، شاء من شاء وأبى من أبى ـ مساعدات عسكريه للنيل من العدو بطريقة غير مباشرة، لأن الطرق المباشرة ستكون عواقبها وخيمة جداً كما أسلفت، وذلك لتفوق العدو جواً. هذا كان قبل الازمة وقبل اقتناء منظومات أصبحت تشكّل خطراً على العدو، لأنها باتت تعادله من ناحية القوة، إن لم تتفوق عليه.

الدول العظمى أدرجت ـ منذ زمن ـ سوريا ضمن الدول الإرهابية، قاطعتها وحاربتها علناً. وفي كل مرة عادت ولوّحت بالتهديد، والحجة هي البحث عن أسلحة الدمار الشامل.
إن ما يحدث الآن ليس جديداً أبداً، فلقد حصل إبان الحرب على العراق، حين طُلب من سوريا أن تسخّر أرضها لضرب العراق، وسوريا رفضت، بل أعلنت النفير نجدة للعراق، فما كان من الأميركيين إلا التهديد علناً.
قد تسألون: إذاً لماذا الآن، وكيف حصل ما حصل؟
الأسباب كثيرة جداً، أولها وأهمها المخطط الأمريكي الصهيوني لبناء شرق أوسط جديد، جديد بمعنى أنه عودة لزمن الانتداب وتقسيم الدول العربية الكبرى إلى دويلات، وتفتيت شعوبها وإلهائهم بالأمور الدينية، عوضاً عن أي شيء آخر.

أمريكا كانت موفقة في السابق في هذا، حين فعلت ما فعلت في العراق، فلقد سلّحت العراق ليقاتل إيران وتستنفذ قوى الدولتين، لكن حين تمت المصالحة وأعلن صدام عداءه لهم ووقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية قامت امريكا بحرب العراق الأولى وحرب العراق الثانية، وأنهت دولة لا يستهان بها.

وفي أفغانستان أيضاً نجحت، حين سلحت بن لادن وغيره، وبعد مدة فتكت بهم.
وأتى الدور على باقي الدول فابدعوا بواسطة شبكات التواصل التي تبين مؤخراً أنها مراقبة عن طريق الجهات المخابراتية الأمريكية لصفها، وباتت تبث سمومها مغلفة بدعاوى نيل الحرية.

وهنا نأتي للبيئة الحاضنة، لو أن دولنا نجحت في إحداث تغيير من خلال منح حريات أكثر، وقامت بإصلاح جذري، لما توفرت البيئة الحاضنة لهذه السموم.
لن أتطرق للتيار الإسلامي والسلفي، لأن هذا مغيّب، يظن أن أمريكا قد احتضنته لكي تأتي بالحرية، وهو يعلم أنها لا تريد هذا، بل تريد احتلال هذه الدولة وتسييرها عن طريقهم وبواسطتهم. ربما لا يكون مغيباً، ولكن تعطشه للسلطة هو على رأس اهتماماته ولا يهمه استقلالية الوطن وسيادته.

منذ تسلم الرئيس بشار الاسد قام برفع الأجور، وقام بضم سوريا لركب التطور والانفتاح، عبر الشبكات الاجتماعية، وعبر اصلاحات
عديدة، لكن لم تأتِ هذه الإصلاحات بالنتيجة التي أرادها لأن الفساد المستشري في البلاد وسيطرة البعض واستفرادهم بخيرات الوطن واستبداد بعض الأفراد وقمع حرية الرأي لم يدع تلك الخطوات تأتي بما أراد
وولّد بيئة ضعيفة لا تقوى على مواجهة المخطط الذي يجري الإعداد له منذ عقود.

استغلال هذه البيئة وتعطش الإسلاميين للسلطة أدى بنا إلى الأزمة، وفي رأيي أن الدولة في بداية ما يسمى بالربيع العربي لم تشعر حتى بخطر قدومها إلى هذه المرحلة، وكانت مجابهتها لبعض التحركات خاطئة، وهذا ما قاله الرئيس حينها، وحين وعد بالاصلاحات لم يرق الأمر لمن تولوا قيادة الحراك، لأنهم لا يريدون إصلاحاً، وإنما أرادوا السلطة والمال، فباعوا الوطن وذهبوا وارتموا في أحضان من أراد شراً بالوطن.

كيف الحل؟ …

أنا أرى أن الحل يجب أن يكون حواراً بين جميع القوى التي لم تخن ولم تقتل وتريد خيراً للوطن من إصلاح، وذلك بعد القضاء على قادة الإرهاب وأعوانه وزجهم في السجون ومحاربة الفاسدين وتجار الأزمة الذين ساعدوا على استمرار الأزمة إلى يومنا هذا.

الحل باختصار أن نحب الآخر رغم اختلافنا معه. فلنفكر قليلاً: هل هناك مجتمع يوافق بالإجماع على كل القضايا؟
الإجابة بسيطة: لا. ولكن هذا لا يؤدي إلى أن يقتل بعضهم بعضاً. الحق هو أن أعطيك حقك وأدافع عنك حتى الموت وإن خالفتني الرأي بكل ما أؤمن به. هذه هي الحرية وليست الحرية فرض رأي على آخر، وفي نهاية الأمر الصندوق من سيقرر، الأغلبية من ستقرر. كل من حمل السلاح وخالف بهذا أسس السلمية والقوانين الدولية ـ التي تعرّف هذا التصرف بالعصيان المسلح ـ لا يحق له التباكي، لأن الدولة لن تسكت على أن يُقتل جندي منها أو يروع مواطن

أخيراً، كلّي ثقة أن الدولة منتصرة، بعد إذعان كل العالم تحت أقدامها، لأنها على حق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.