سوريا ستبقى عصية

Syria-flag
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:قد يكون بديهيًّا أن تكتب شهادة وفاة للفعل السياسي إذا وصل لمرحلة انسداد في شرايين التفاهم والحوار، وتصلب حاد في قنوات التعاون والوصول لحلول وسط، بما قد يصل بالأمور إلى حدود التطاحن الداخلي والتآمر البيني، بيد أنه حري بالتساؤل والاستغراب ذلك الفعل السياسي الذي يكتب شهادة وفاته عدة مرات وبنفس المرض دونما مثقال ذرة من التأمل وتعلم دروس الماضي وأخطائه.
هذا بالطبع ينصرف على موقف سياسي وحالة وقتية تحكمها تفاعلات محددة، لكن يتفاقم حجم المأساة حينما تتحول دفة الحديث عن حاضنة افتراضية لقضايا الأمة العربية وحامية بحكم ما ينبغي أن يكون لمصالحها وطموحاتها، ودرع منشود ضد المؤامرات التي يحيكها أعداء الأمة .. ففي خروجها عن تلك الأهداف وفي مواقف متعددة ما هو أكبر من شهادات وفاة لحلم أمة لتصل لمستوى محافل التآمر ومكاتب مصالح لأطراف خارجية.
لقد جاءت قرارات جامعة الدول العربية أمس الأول والتي تشرعن تزويد الجماعات المسلحة في سوريا بالسلاح وتهدي مقعد سوريا في الجامعة إلى ما يسمى بـ”الائتلاف الوطني السوري” المعارض، وعلاوة على منحها غطاء سياسيًّا وعسكريًّا للإرهاب الذي تكتوي سوريا بنيرانه، فإنها تمنح مجددًا مفتاح التدخل الأجنبي لرعاة الإرهاب في العالم على طبق من ذهب، في مشهد يعيد للأذهان السيناريو الليبي والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال إعفاء جامعة الدول العربية عن قدر كبير من المسؤولية فيما وصلت إليه ليبيا الآن من فوضى أعقبت غزو بعوض الناتو لسمائها ونحر مقدراتها ثم سرقة ثرواتها.
العذر كل العذر لمن يرى اليوم في الجامعة ليس فقط جثة هامدة بلا حراك، لكن أيضًا خطرًا كامنًا وقنبلة موقوتة ضد واقع أمتها ومستقبلها، فلعله لم يعد خافيًا طبيعة الدور الجديد الذي تم رسمه وبعناية وإتقان لهذا الكيان العربي في سياق ما يسمى زورًا بـ”الربيع العربي” لتصبح محفلًا لتنفيذ أجندات خارجية وقاعدة انطلاق لمشروع الشرق الأوسط الكبير بفوضاه غير الخلاقة.
إذن أصبح السؤال الجوهري لا ينصب في جانب تحليل موقف جامعة الدول العربية من الملف السوري منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة. بل أمسى السؤال الأهم والذي يستحق أن نضع الأيادي على القلوب من طالعه هو: “على من تدور الدائرة في المستقبل القريب؟” و”أي خبر جديد يحمله ما كنا نحسبه بيت عروبتنا وحامي حماها؟”
إن تسارع الأحداث بهذا الشكل الدرامي الذي يلامس حافة المأساة، سواء في الموقف العربي من الملف السوري أو غيره من الملفات يفرض تذكير من ما زال في رؤوسهم شيء من العقل أن انقلاب السحر على الساحر وقصة الثور الأبيض باتت أدبيات في السياسة العربية تحتاج لمزيد من الدرس والاعتبار، فاليوم أتآمر وغدًا أنا هدف سهل وصيد ثمين للمؤامرة .. فدبابات المحتل أقرب من حبل الوريد.
فطبيعي أن يأتي رد سوريا مستنكرًا خلع الشرعية عن حكومة شرعية قائمة منتخبة من قبل الشعب السوري، وإقحام “ائتلاف” معارض مكانها قامت بتشكيله قوى خارجية متدخلة في الشأن الداخلي السوري بما فيها قوى عربية، ورافضًا “لأن يكون للجامعة في ظل سياساتها المنحازة والسلبية أي دور أو تمثيل في أي خطة أو جهود دولية تسعى إلى حل سلمي للأزمة في سوريا”. ذلك أنه إذا كان هؤلاء الذين اتخذوا هذه القرارات يعتقدون أنهم نجحوا في تحرير شهادة وفاة لدولة عربية مؤسس وعضو فاعل في هذه الجامعة فإنهم مخطئون، لأن الشهادة التي حرروها هي شهادة وفاة لهذه الجامعة وليست للدولة، وستبقى سوريا عصية بجغرافيتها وتاريخها وشعبها وتراثها ودورها المحوري في الحفاظ على كيان هذه الأمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.