شظايا الحرب الروسية ـ الأوكرانية تُعيق الحلّ لبنانياً… وتعيد دور سورية إلى الواجهة… وتخلط أوراق «النووي»

جريدة البناء اللبنانية-

جمال البرقشي:

بدءاً بالحرب الباردة التي اعتبرت بمثابة مواجهة سياسية وإيديولوجية وعسكرية غير مباشرة، حدثت بعد الحرب العالمية الثانية خلال الفترة ١٩٤٧ حتى ١٩٩١. أما أطرافها فهم عبارة عن أكبر قوتين على صعيد العالم وهما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي وحلفاء كلّ منهما، وكان من مظاهر هذه الحرب انقسام العالم إلى معسكرين… شيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي وليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وقد استخدم مصطلح الحرب الباردة لأول مرة من قبل الكاتب الإنجليزي جورج أورويل في مقال كان قد نشره في عام ١٩٤٩، وأشار فيه الى المأزق النووي الذي يمكن أنْ تتسبّب به دولتان أو ثلاث دول تمتلك كلّ منها سلاحاً نووياً قادراً على إبادة الملايين من الناس في بضع ثوانٍ فقط.

أما اليوم نرى ترجمة لهذه الحرب على أرض الواقع بعد فشل المفاوضات والوساطات التي قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ أنّ الازمة الأوكرانية مفتوحة على كلّ الاحتمالات والسيناريوات، لكن الأخطر من ذلك كله انعكاسات وتداعيات هذه الحرب على الإقليم العربي والمنطقة بشكلٍ عام، وخاصة أنّ الأميركي غير قادر على الاهتمام بالملفات العالقة والنظر إلى الأحداث الدراماتيكية الحاصلة في سورية ولبنان، بإلإضافة الى المواجهة المحتملة مع «إسرائيل» في الوقت الراهن.

إذ أنّ الأميركي يضع كلّ جهوده حالياً في الأزمة الروسية الأوكرانية. مع العلم أنّ الحرب الروسية ـ الأوكرانية ستحدث تغييرات كبيرة في المنطقة تعيد خلط الأوراق على طاولة المفاوضات، وخاصةً بعد فشل النقاشات والحوارات الدولية إزاء تفادي حصول الحرب الروسية ـ الأوكرانية.

نعم إنّ وجود الروس في سورية وهم يخوضون الآن معركة كبرى بأبعادها الاستراتيجية والأمنية، سيضعون معها النظر في كيفية تقدّم خط الممانعة والمقاومة لتثبيت مزيد من المكاسب بغية تعزيز شروط التفاوض بينهم وبين الناتو من جهة، ومعها يعمل حزب الله على هيكلة قواعد الاشتباك وبلورة توازن الرعب والصراع من جهة اخرى، ليؤكد أنّ سلاحه باق بوجه العدو «الإسرائيلي» في لبنان وهذا ما تمّ تأكيده بالصياغة الرسمية اللبنانية في مضمون الورقة الخليجية عبر الموفد الكويتي.

أما المزاج الغربي (الأميركي الأوروبي) يسوّق بأنّ الحرب الروسية الأوكرانية هي بمثابة بوابة للانقضاض على الوضعين اللبناني والسوري ولكن بالحقيقة أنّ هذه المسألة مرتبطة بالاتفاق الجديد المحتمل في فيينا ومنه سيتمّ توزيع مناطق النفوذ والقوة، لذلك أشدّد على أنّ الحرب الحاصلة بين روسيا وأوكرانيا ستغيّر وجه العالم والمنطقة وستزعزع الحلقات الأصعب فيه لتتآكل رويداً رويداً.

وبالتالي فإنّ العالم أجمع لن يكون هو نفسه بعد هذه الحرب بين «الدب الروسي وأوكرانيا الضحية التي تركها الغرب»، إذ طرقت هذه الحرب أبواب الاتحاد الأوروبي ودوله وجعلت من الولايات المتحدة الأميركية دولة قلقة على مستقبل هيمنتها عالمياً، فيما كانت تراهن على الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران ضمن شروط محدّدة وهذا لم يعد وارداً بعد اليوم.

أما من الجانب الأخر فإنّ روسيا قد تلجأ الى تكوين تحالف دولي جديد مع الصين وكوريا الشمالية وإيران، إذ أنّ هذا الحلف سيعيد رسم خارطة لعالم جديد بملامحه ووسائله وأساليبه يواجه فيه كلّ الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكافة القضايا الدولية والتجاذبات والانقسامات. فالصين صديقة روسيا (وقت الضيق) ولهما مصالح مشتركة سياسية واقتصادية وصناعية وإنتاجية حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما في العام الواحد ما يقارب ١٤٥ مليار دولار، إضافة الى العلاقة الودية بين الدب الروسي والمجنون الكوري بقيادة تحالف دولي جديد بغية التصدي لسياسات الولايات المتحدة الاميركية والغرب، وصولاً الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تسعى الى تحسين وضعها باللعب على تناقضات الحرب والمواجهة الأميركية الروسية، وربما قد ترفع شروط تفاوضها قبل التوقيع على أيّ اتفاق بالتنسيق مع حلفائها الدوليين (الصين وروسيا وكوريا الشمالية ).

لذلك فإنّ روسيا سيصبح لديها سياسة جديدة في تعاملها مع ملفات المنطقة، إنطلاقاً من وجودها الاستراتيجي والدفاعي على الأراضي السورية، حيث يعتبر الرئيس الروسي بوتين أنّ سورية تمثل بالنسبة له نقطة البيكار في رسم سياساته وتدوير زواياها بالتنسيق مع الإيرانيين في التصدي للأميركي وعقوباته المستجدة. وما يرفع من هذه التوقعات هو أنّ الغرب والأوروبيين يدرسون مطالب إيران وشروطها قبل التوقيع على الاتفاق النووي الذي أصبح مرتبطاً ارتباطاً شديداً بالحرب الروسية ـ الأوكرانية.

في النهاية سنشهد أنّ الولايات المتحدة الأميركية أمام مرحلة حرجة جداً حيث لا تستطيع خوض حرب مباشرة مع روسيا، إذ ستقتصر على فرض العقوبات وتضييق الخناق الإقتصادي، في المقابل ستستغلّ إيران هذه المرحلة لانتزاع تقديمات من الأميركيين بهدف تحسين موقعها وتحقيق مكاسب جديدة…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.