شيطنة حرب تشرين التحريرية: ما هو الهدف؟

موقع العهد الإخباري-

عبير بسّام:

في ظل القصف الإسرائيلي المتتالي للأراضي السورية وفي وقت تحارب فيه سوريا الإرهاب، يبدو أن معركتها ضد الإرهابيين لن تنتهي إلا بهزيمة دولتين، واحدة اقليمية كبرى وهي تركيا، والثانية عظمى هي الولايات المتحدة الأميركية بكل جيوشها العسكرية والإعلامية. ونذكّر بذلك دائماً لكي نتذكر من هو العدو الحقيقي، ومن هو الذي يتبع سياسة بث الفتن والشائعات والأكاذيب وتحريف الوقائع ضد سوريا. إحدى هذه الحقائق التي تحرف وللأسف المبالغة في تصوير قوة الإسرائيلي والتقليل من أهمية الجيوش العربية وبخاصة الجيشين العربيين السوري والمصري، اللذان كانا على خط المواجهة مع العدو الاسرائيلي منذ نشوء الكيان الغاصب، وأهم الوقائع التي تنتهك في كل يوم هو انجازات حرب السادس من تشرين الأول/ أكتوبر التحريرية.

الهجمة التي تتعرض لها سوريا لا تتعلق فقط بالأحوال المعيشية الصعبة، التي تعيشها البلاد بعد حصار دام حتى اليوم 11 عاماً، واحتلال لأهم ثرواتها الباطنية وخاصة النفطية منها من قبل الأميركيين، وتهديم للبنى التحتية وبخاصة في قطاع الكهرباء، وسرقة المعامل وبيعها بالمفرق في تركيا، بل هي هجمة “هوبرة” إعلامية منظمة منذ حرب تشرين التحريرية وحتى اليوم، وقوامها الهزء والتقليل من أهمية الحرب ونتائجها، واليوم توصيف الجيش العربي السوري بأوصاف مؤلمة تتعلق باللباس أو الطعام أو أو… وللأسف ما زالت حالة مستمرة، دون الإشارة إلى أن هذا الجيش ومنذ حرب 1956، قدم أمثولات في البطولة وما يزال. فمن يستطيع أن ينسى جول جمال، الذي اخترق بجسده وطراده البارجة الفرنسية وعطلها وأوقف قصفها لمدينة بور سعيد؟

لكن الإعلام العربي يتناسى ويتغافل، إما قصداً وإما تجهيلاً وفي الحالتين هو متآمر.

أسوأ الهجمات التي تتعرض إليها سوريا، هي في تصوير أن انتصاراتها اليوم تنسب حصرياً للقوى التي وقفت إلى جانبها في حربها ضد الإرهاب. لا أحد ينكر أهمية التحالفات الإستراتيجية في العالم. فخلال الحرب العالمية الثانية، هل كانت فرنسا قادرة على التحرر من الاحتلال النازي لولا دعم غير مسبوق ولا متناهي بالمال والسلاح والعتاد وحتى المقاتلين من كل من أمريكا وبريطانيا؟ وهل كان من الممكن القضاء على هتلر لولا دخول روسيا بالتوقيت المناسب للحرب ضده، وسحقه وتحرير أراضيها من الإحتلال الألماني والجيش النازي؟ واليوم روسيا بقوتها العسكرية المطلقة وبمقدراتها المتقدمة، هل تستطيع الصمود، ولو اقتصادياً، دون دخول الحلفاء على الخط؟ ولكن لو لم يكن هناك مقاومين فرنسيين، وجيش روسي متفان وإرادة شعوب للتخلص من هتلر، لما استطاعت روسيا وشرق اوروبا وفرنسا التخلص من الإحتلال النازي. ولولا إرادة المقاتل العربي السوري في أرض المعركة والقيادة السياسية وصمودهما معاً لما تحررت أكثر من 80% من أراضي سوريا من الإرهاب، ولو اجتمعت قوى العالم كله للقتال عنها. هذا النوع من المبالغات الذي يطرحه بعض الإعلام، هو نوع من التعالي على أهم دولة محورية في الشرق العربي، والشرق الأوسط، والتي يتنازع عليها العدو والصديق، وكيف لا وهي “واسطة العقد”؟

كان لا بد من الحديث عن اشتداد الصراع والخناق من أجل أن نفهم أن ما تعانيه سوريا هو حرب عالمية ثالثة تجري على أراضيها منذ العام 2011، وحتى اليوم. والأكثر من ذلك، فإن هذه الحرب ليست وليدة العام 2011، بل هي نتاج 11 عاماً من الحرب الدبلوماسية والتهديدات الأميركية منذ اللحظة التي استعيد بها جنوب لبنان. ومن الصدق أن نقول أن سوريا تحت هذا الضغط منذ استقلالها وحتى اليوم، وخاصة بعد الإنجازات التي حققتها خلال وقائع حرب السادس من تشرين التحريرية في العام 1973. فوقائع الحرب تقول وشهادات المقاتلين والمراقبين تخبر، وخاصة شهادات المدربين الروس والتي سيفرد لها مكان خاص في الكتابة عن حرب تشرين خلال أيام، والتي كانت مذهلة، وبكل معنى الكلمة. لقد سببت حرب تشرين إحباطاً كبيراً للإسرائيلي وكشفت بأنه ليس الجيش الذي لا يقهر، وليس بإمكانه هزيمة الجيوش العربية مجتمعة. وهناك العديد من الشهادات والكتب التي تتحدث عن ذلك، ولمن يريد الإطلاع عليه أن يقرأ مذكرات موشي ديان، وزير حرب الكيان آنذاك، ويقرأ كتاب موشيه ماعوز، ويقرأ مذكرات القادة العسكريين، التي نشرتها جريدة الأهرام في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 السنة 141 في العدد 47420.

والأكثر من ذلك، أن بعض الإعلام العربي بات ملكياً وكاذباً أكثر من الملك. في الحروب التي خاضها الكيان مع العرب، ربح معركتين مؤسفتين، هما أولا النكبة في العام 1948، وكلنا يعلم ظروف الحصار والإحتلالات الممتدة لأكثر من 500 عام لمنطقتنا، ومع ذلك فقد جاء المتطوعون من كل حدب وصوب وخذلت السياسة العميلة السلاح ورفاق السلاح. وثانيا نكبة العام 1967، ومع أن الأمل كان معقوداً على زعيم عربي، يعتبر من بين أهم الزعماء، كان حجم الهزيمة مدوياً! ولمن لم يقرأ حتى اليوم عن الغواصات الفرنسية والإيطالية والأميركية والسفن الأميركية، التي حاصرت شواطئ فلسطين خلال حرب 1967، فعليه أن يعيد القراءة. في حرب الـ67 لم يقاتل المصريون والسوريون والأردنيون بإمكانياتهم البسيطة أحدث جيش في شرقنا العربي وحده، لقد قاتلوا ثلاث دول غربية معه، ولهذا كانت المفاجأة أكبر من أن تحمل. ودخلنا بعد ذلك في دوامة الهزء بالعرب وجيوشهم، حتى باتت تسمية البعض منهم بجيش “أبو شحاطة” أمراً مقبولاً في الإعلام ودون خجل.

ودون خجل يتناسى البعض أن انتصار تشرين كان انتصاراً حقيقياً. لم تسترد فيه سوريا القنيطرة وجزءا كبيرا من أراضي الجولان بالمحادثات السياسية وقررات مجلس الأمن كما يصور، بل استعادت سوريا القنيطرة بعد حرب استنزاف دامت لعام كامل، وبكل معنى الكلمة كانت “لعنة على أنفاس” الإسرائيلي والأميركي. ويتناسى البعض المعارك الجوية التي جرت ما بين الطيارين السوريين والطيارين الأميركيين والألمان الذين قادوا طائراتهم من القواعد الأميركية في المانيا للقتال إلى جانب “اسرائيل”. ويتناسى البعض الآخر البطولات في تحرير مرصد جبل الشيخ، كما بطولات عبور “خط بارليف”، ولكن يهمل الأول ويتم الحديث عن الثاني من أجل تبرير دخول مصر معاهدة كامب دايفيد، وتبرير توقف الحرب على الجبهة المصرية. مع الإنتباه، أن الخيانة العظمى التي قادها أنور السادات لأخوته ورفاق السلاح في سوريا، لا علاقة لها بالجندي والضابط المصري المقاتل الشرس. ويتناسى الكثيرون الملاحم، التي سطرها الطيارون السوريون والتي أبهرت مدربيهم الروس وفاجأتهم، ويركزون على قصف دمشق خلال الحرب، وفي بطولات الطيارين كلام آخر.

هناك شيطنة إعلامية تمارس ضد حرب تشرين وبطريقة ممنهجة لإخراج إنجازات الحرب من إطار الإنتصار إلى إطار تحقيق أهداف إعلامية رخيصة، وهذه الشيطنة ما تزال تمارس حتى اليوم ضد الجيش العربي السوري والقيادة في سوريا. سوريا لم تدخل يوماً في حرب مع “اسرائيل” منذ تشرين وحتى اليوم، إلا وخرجت منها منتصرة مع حلفائها. وحلفاء سوريا في لبنان وفلسطين كانوا دائماً هم المقاومين المتهمين بالتخريب أو الإرهاب. سواء كان ذلك في حرب تشرين التحريرية، أم في معركة السلطان يعقوب، في البقاع إبان الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982، أم في الدعم اللامتناهي للمقاومة في لبنان في حرب تموز 1993، وحرب نيسان 1996، وأخيراً في انتصارات العام 2000 و2006. سلسلة من الإنتصارات أسس لها السادس من تشرين، ودروس تعلمها الجميع في السادس من تشرين حول أهمية حروب الإستنزاف وفعالية حروب العصابات وأهمية الصمود السياسي في وجه أعتى الدول التي واجهتها سوريا منذ العام 1956 وحتى اليوم، وحرب تشرين ليس إلا محطة في خضم محطات المواجهات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.