طائرة ايوب تربك حسابات قمة جدة القلقة من تأثير توازن الرعب


صحيفة الديار اللبنانية ـ
ابراهيم ناصرالدين:

قبل اتخاذ قيادة المقاومة قرارا بارسال طائرة الاستطلاع ايوب فوق الاراضي الفلسطينية المحتلة وضعت على الطاولة كافة الاحتمالات ودرست بعناية التوقيت والتداعيات المحتملة ،واخرجت من الادراج الخطط المعدة سلفا للرد على اي تهور اسرائيلي غير متوقع، لكن ما لم يكن بحسبان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عندما خرج لتبني الطائرة، هو تزامن خطوته مع قمة جدة «الاستراتيجية» بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع،وبينما كانت الجهات المختصة في الحزب تتابع لحظة بلحظة ما يمكن ان يصدر عن الحكومة الامنية المصغرة في اسرائيل التي عجزت عن الخروج بتوصيف دقيق وفهم عميق لخطوة حزب الله وتوقيت خطوته، جاء الرد من مكان اخر وانشغل المجلس الجهادي في المقاومة ومعه مجلس الشورى في الحزب في فك «طلاسم» العبارة الشهيرة التي اطلقها الحريري بعد ساعات من الاجتماعات والمشاورات مع المستشارين ،وبعد الاستعانة بقاموس معراب الفلسفي، وبدات الاتصالات على اعلى المستويات لفهم المعنى الحقيقي والقصد من عبارة «لبنان ليس طائرة من دون طيار»، وحتى كتابة هذه السطور ما زال البحث جاريا ليبنى على الشيء مقتضاه.
طبعا هذا السيناريو الخيالي لا صلة له بالواقع، لكنه ضروري لفهم الاختلاف العميق بين استراتيجة حزب الله المرتبطة بأبعاد لها صلة بالتاثير في رسم الخريطة الجديدة للمنطقة،وبين استراتيجية 14 اذار القاصرة عن فهم طبيعة المعركة الدائرة والادوات القابلة للاستخدام لربحها من قبل كافة الاطراف الفاعلة المشتركة في هذه الحرب،ومن هنا ترى اوساط سياسية مطلعة في الاكثرية ان تعليق الحريري والحملة التي انطلقت بعد دقائق من كلام السيد نصرالله تؤكد ان هذه القوى تجاوزها الزمن وهي غير قادرة على اللحاق بوتيرة الاحداث والتطورات،ولذلك جاء تعاملها مع الحدث على قدر قدراتها في التأثير، وبغض النظر عن طبيعة الحملة الاعلامية والسياسية والتوقعات بوصولها الى الذروة مع مرور الايام والاشهر السابقة للانتخابات المفترض اجراؤها في موعدها، فأن ما كتب قد كتب، الطائرة حلقت عاليا وحسمت مسألة الامرة على سلاح المقاومة، رسالة حزب الله وصلت الى من يعنيهم الامر،لم تكن المعارضة في الداخل في حساباته، وكذلك من السذاجة القول انه كان يرد عمليا على كلام رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الامور اكثر عمقا من ذلك،لا مكان فيها للحسابات المحلية الضيقة،ولكن اذا اراد البعض اعتبار ان ما حصل رسالة هو معني بها فهذا لا يضير الحزب، ولكنه لن يغير من حقيقة الامور شيئا.
وتشير تلك الاوساط الى ان ما نغص على قمة جدة ليس الخوف من تداعيات ارسال الطائرة واحتمالات الرد الاسرائيلي على لبنان، وانما العكس هو الصحيح، فوفقا لقراءة سريعة لهذا الحدث فان خطوة حزب الله تبعد احتمالات الحرب ولا تقربها،والواضح ان الكشف عن جزء من قدرات المقاومة عملانيا قد جاء بعد سلسلة من خطابات للسيد نصرالله اعدت بعناية «لتقسيط» الكشف عن قدرات المقاومة وخلق توازن رعب يجعل اسرائيل تفكر اكثر من مرة قبل الدخول في مغامرة غير محسوبة ضد المقاومة في لبنان او ايران،ومن هنا جاءت الطائرة لتعرقل حسابات السعوديين والحلفاء اللبنانيين الذين ما زالوا يبنون استراتيجيتهم على قاعدة حصول اسرائيل على ضوء اخضر اميركي لضرب ايران بعد الانتخابات الرئاسية والتي قد تعيد الجمهوريين المتحمسين لهذه الخطوة الى البيت الابيض،وهذا ما سيؤدي وفقا لرؤيتهم الاستراتيجية الى انهيار حزب الله في لبنان، وسقوط حتمي للنظام في سوريا، مما سيسمح باعادة رسم خريطة جديدة في المنطقة ولبنان.
هذا البعد الاستراتيجي ليس على جدول اعمال قمة مكة بين الحريري وجعجع، فالرجلان يعرفان حجم قدراتهما جيدا، فهما لا يصنعان الحدث بل يبحثان عن كيفية الاستفادة منه، ولذلك لا يملكان في مواجهة حزب الله الا الابتهال الى الله كي يقرب الضربة العسكرية الاسرائيلية لايران لكي يسهل التعامل معه، وهما يقومان بدورهما على اكمل وجه في «شيطنة» الحزب ويخوضان حربا سياسية واعلامية ضارية تجاهه من بوابة المحكمة الدولية والازمة السورية، ولكنهما يدركان جيدا كما تدرك الرياض ان هذا الامر لن يؤدي الى نتائج ملومسة على الارض ولن يغير من الوقائع شيئا. ومن هنا يطرح السؤال حول جدوى هذا اللقاء بين الحريري وجعجع ؟ وحول حقيقة الاهداف الكامنة وراء تكبد رئيس القوات اللبنانية عناء الذهاب الى السعودية رغم ان «مراسيله»لم تنقطع على خط الرياض بيروت؟
وفقا للمعطيات المتوفرة فان وجود جعجع في السعودية حتمته طبيعة الالتزامات المطلوبة منه والتي لم يقبل السعوديون ان تنقل بالواسطة عبر النائب انطوان زهرة، وهناك سيناريوهان عرضا على بساط البحث الاول يتعلق بكيفة مواجهة حزب الله في حال سقوط النظام السوري وفي حال عدم تعامل الحزب بواقعية مع الاحداث، وهنا جرى البحث في الدور الذي يمكن للقوات اللبنانية ان تلعبه في هذا السياق، بعد ان جرى تهميش دورها في احداث السابع من ايار. والسيناريو الثاني مرتبط ببقاء الامور على ما هي عليه في المرحلة المقبلة في ظل استحقاقات داهمة ومنها الانتخابات التشرعية. وهنا الدور الرئيسي المطلوب من القوات اللبنانية او ما يمكن اعتباره المهمة الكبرى التي لا يمكن لاحد غيرها القيام بها، «ضرب ميشال عون» واضعافه، كونه المعبر «الشرعي» الوحيد لاضعاف حزب الله في الداخل.
هذه المهمة التي لا يحتاج جعجع الى توصية لكي ياخذها على عاتقه،حمل بعضا من نماذجها الى السعودية، فكانت مقارعة عون في جبيل التي انتهت بوضع «حرم» على دخوله بعض قراها، ورقة رابحة بين يديه قدمها خلال الساعات الطويلة من المحادثات كدليل على فعاليته على الارض، طبعا جرى الحديث عن الميزانيات المطلوبة،وغيرها من نقاط الضعف الواجب التركيزعليها لهز صورة عون في الشارع المسيحي،وغيرها من القضايا المتصلة بقانون الانتخابات الواجب اعتماده لعدم السماح لفريق 8 اذار بالحصول على الاكثرية مباشرة او بالواسطة وهو الامر الذي يحسمه الصوت المسيحي، ولذلك فان اهم عاملين في هذه الاستراتيجية، اضافة الى قانون الانتخابات، هما عدم «تطفيش» وليد جنبلاط والسعي الى تعزيز التواصل معه لطمأنته واقناعه بالاقدام على خطوته الاخيرة المتبقية باتجاه 14 اذار،وهنا ستلعب الرياض الدور المركزي في هذا الامر وفي التوقيت المناسب، اما العامل الثاني فهو الاستفادة من رغبة الرئيس سليمان في «مقارعة» عون على الزعامة المسيحية، وهذا الامر يحتاج الى خطوات عملية من قوى 14 اذار وخاصة القوات اللبنانية للالتفاف حول الرئيس وخلق بيئة حاضنة تساعده على المضي قدما في خياراته،قبل ان يعود مجددا الى سياسته المترددة.
اما الحديث عن اتفاق بين جعجع والحريري على تقاسم المناصب لجهة تبؤ الاخير رئاسة الحكومة، والاول رئاسة الجمهورية، فأمر مثير للسخرية والتهكم، وترى تلك الاوساط ان هذا الوعد هو من شخص «لا يملك الى شخص اخر لا يستحق»،وهي نوع من المناورة السياسية المكشوفة لضرب حظوظ عون في الترشح الى هذا الاستحقاق، وجزء من الدور المناط بالحكيم لضرب طموح الجنرال، ومن يسرب هذه المعلومات يريد استفزاز جنرال الرابية مبكرا والقول له ان اي تفكير جدي من قبلك في الرئاسة سيقابل بترشيح جعجع في المقابل لتتم التسوية بعدها بأبعاد كليكما عن هذا الاستحقاق. وغير ذلك من استنتاجات لا تعدو كونها مزاحا «سمجا» لا يثير الضحك، فقوى 14 اذار ومن معها من رعاة اقليميين ودوليين يعرفون جيدا ان اي استحقاق رئاسي لن يمر دون توافق مع القوى السياسية الاخرى، وسواء بقيت الظروف الراهنة على حالها او تغيرت،وسواء سقط النظام السوري او ربح معركته، وسواء ضربت ايران او لم تضرب، فان التوازنات اللبنانية حتى لو اختلت لن تسمح بوصول رئيس تحد الى قصر بعبدا، وتجربة وصول بشير الجميل على الدبابات الاسرائيلية يعرف الجميع كيف انتهت، واذا كان هناك من يحلم فعلا برؤية «الحكيم»في بعبدا فهو يسير على خطى «ابليس» الحالم دوما بدخول الجنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.