تمييز عنصري ضد العمالة الاجنبية بالسعودية


صحيفة القدس العربي من لندن ـ
رأي القدس:
لا نجادل في حق المملكة العربية السعودية في توفير الوظائف للعمالة السعودية واعطائها الاولوية في فرص العمل، خاصة ان نسبة البطالة حسب الاحصاءات الرسمية تصل الى حوالى عشرين في المئة بين الشباب وضعفها بين الفتيات، ولكن ما نجادل به هو الخطوات المقترحة للوصول الى هذه الغاية.
مجلس الشورى السعودي الذي يفتقد الى معظم الصلاحيات التشريعية التي تتمتع بها البرلمانات المنتخبة الى جانب محاسبة السلطة التنفيذية واقالة الحكومات، هذا المجلس المعين اعضاؤه من قبل الدولة، اعاد طرح توصية تدعو الى درس فرض ‘ضريبة’ سنوية على العمال الاجانب العاملين في القطاعين العام والخاص، والتي كان اسقطها المجلس نفسه في شهر نيسان (ابريل) الماضي حيث عارضها 70 عضوا مقابل تأييد 45 آخرين.
اعادة طرح هذه المسألة الى النقاش وبعد خمسة اشهر من اسقاطها جاءت حتما بايعاز من الحكومة السعودية، ومن خلال قنواتها في المجلس، والا ما معنى هذا الاصرار الدؤوب، خاصة وان هناك قضايا كثيرة اشد الحاحا، واكثر مساسا بمصالح المواطنين وحقوقهم، مثل المساواة والقضاء المستقل ووقف عمليات نهب الاراضي والمال العام من قبل كبار القوم.
صحيفة ‘الاقتصادية’ السعودية نقلت عن كبير الخبراء الدوليين في منظمة العمل الدولية لشؤون الهجرة السيد اظفر خان قوله ‘انه يجب ان تتوافر للعمال الاجانب في اي بلد الحماية نفسها المتوفرة للعمال الوطنيين من خلال تشريعات، وان تكون الالتزامات المالية المقررة على العمال الاجانب كتلك المطبقة على العمال الوطنيين’.
ما يريد قوله هذا الخبير ان فرض ضرائب على العمالة الاجنبية فقط هو تمييز عنصري ترفضه قوانين العمل الدولية، بل ترفضه مواثيق حقوق الانسان في العالم باسره.
اذا كانت السلطات السعودية تريد فرض ضرائب دخل فيجب ان تنطبق على الجميع، مواطنين كانوا او اجانب وعلى قدم المساواة دون اي تفرقة او تمييز، ومن المؤكد ان اعضاء مجلس الشورى السبعين الذين عارضوا بشدة هذا التمييز كانوا ينطلقون من منطلقات اخلاقية وانسانية ودينية. فالدين الاسلامي السمح لا يميز بين البشر بل يساوي بينهم، ولنا في رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قـدوة حسنة، عندمـا اوصى بدفـع اجـر العامـل قبـل ان يجـف عـرقـه، وشـدد علـى انـه لا فـرق بين عربـي وأعجـمي الا بالتـقوى.
وحتى في حال في فرض ضرائب دخل على الجميع في السعودية مواطنين واجانب، فان هذا يعني ان يحصل هؤلاء ‘الاجانب’ على الحقوق والخدمات نفسها التي يحصل عليها نظراؤهم المواطنون مثل التعليم والطبابة المجانية والتأمين الاجتماعي، والتقاعد وحتى الجنسية السعودية اسوة بما هو معمول به في الدول المتقدمة مثلما هو الحال في اوروبا وامريكا حيث يحصل العامل الاجنبي على الاقامة الدائمة بعد اربع سنوات عمل، والجنسية الكاملة بعد خمس سنوات.
العمال الاجانب في السعودية ومعظمهم من العرب والمسلمين، محظور عليهم الطبابة المجانية او ارسال اولادهم الى مدارس الدولة، وكذلك هو الحال في معظم الدول الخليجية، والاكثر من ذلك ان السلطات الحاكمة تفرض عليهم رسوما عالية لتجديد اقاماتهم والحصول على تأشيرة الخروج والعودة والرسوم الاخرى التي تثقل كاهلهم خاصة عندما يكون الدخل متواضعا واعداد افراد الاسرة كبيرا.
وحتى العمال او الخبراء الاجانب فانهم يفضلون العمل في الدول الخليجية بسبب الاعفاءات الضريبية، والهروب من ضرائب الدخل العالية في بلدانهم، واذا جرى فرض ضرائب دخل عليهم في دول الخليج، والسعودية بالذات، فان نسبة كبيرة منهم قد تقرر الرحيل، مما يعني حرمان الدول التي تستضيفهم من خبراتهم.
في زمن الربيع العربي، والاحتجاجات المطالبة بالعدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان يبدو غريبا ان تدفع السلطات السعودية بتمرير مثل هذه الافكار والمقترحات العنصرية، ولهذا نأمل ان يتصدى مجلس الشورى لها واسقاطها، وان يجد تجاوبا ودعما من اجهزة الاعلام المحلية ليس دفاعا عن العمال الاجانب وانما دفاع عن سمعة المملكة وحماية لمصالحها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.