عام على العملية الروسية في أوكرانيا.. كيف ورطت واشنطن الأوروبيين؟

موقع العهد الإخباري-

شارل ابي نادر:

بعد مرور عام على العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، وبرغم ما ظهر من تعسر أحيانا في مسار عمل الوحدات الروسية، فان نسبة كبيرة من أهدافها قد تحققت، وفيما تثبتت سيطرة موسكو على أغلب مناطق الدونباس وزابوراجيا وخيرسون، وحيث ما زال أمامها بعض الأهداف الميدانية الأخرى لكي تحققها، فان العملية بشكل عام لم تكن سهلة، ولن تكون كذلك ايضا فيما ينتظرها من أعمال عسكرية مرتقبة، كونها ليست بمواجهة الاوكران فقط، بل بمواجهة الغرب الاطلسي وبقيادة أميركية خالصة.

صحيح ان الروس يدافعون عن سيادتهم وعن أمنهم وعن مصالحهم القومية والاستراتيجية، ولكن عمليا، فان معركتهم الفعلية هي معركة عالمية ضد سياسة القطب الأوحد، إذ أنها في النهاية، معركة الدفاع عن الأمن القومي لكل دولة تتعرض للهيمنة والتسلط والتحكم بالاقتصاد وبالسياسة، أي لكل دولة تختنق من هيمنة الاميركيين أو تخاف ان ترفض هيمنة الاميركيين.

هذه الهيمنة الاميركية، أكثر ما تطال اليوم حلفاء واشنطن الرئيسيين في هذه الحرب ، أي الاوروبيين وهذا الامر يمكن استنتاجه من عدة احداث او وقائع، يمكن الاشارة اليها كالتالي:

في موضوع دعم اوكرانيا بالسلاح، ظهر بداية ترددٌ اوروبي واضح، لناحية تنفيذ دعم عسكري واسع لكييف، باعتبار أنه سيكون دون أفق ودون جدوى، وتصريحات المسؤولين الرئيسيين في الاتحاد الاوروبي، حملت الكثير من ايحاءات دعم التسوية السياسية أكثر من دعم المواجهة العسكرية، وبالنهاية، رأينا ما يشبه الانصياع الاوروبي الكامل لمشيئة واشنطن، برفع مستوى المواجهة ضد موسكو وفتح كل ابواب الدعم العسكري والمالي والسياسي لكييف.

في موضع ادارة ملف الطاقة الروسية، لناحية الاسعار أو لناحية متابعة استيرادها، في البداية، ظهر رفض اوروبي واضح لناحية طلب واشنطن تخفيف او قطع انسياب الغاز الروسي إلى أوروبا، أو لناحية تحديد الاسعار وفرض الالتزام بها على موسكو، ولاحقا: انصياع اوروبي كامل لاستراتيجية الاميركيين في هذا الملف، بالرغم من انه كان واضحا، وجود استغلال اميركي لحاجة اوروبا لتغطية البديل عن الطاقة الروسية، بعد ان وصلت الاسعار الى مستوى جنوني برعاية اميركية .

من جهة اخرى، روسيا في هذه الحرب، لا تدافع فقط عن امنها وسيادتها ضد توسع الناتو، والذي خالف كل الاتفاقات والتفاهمات والتعهدات معها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولكنها عمليا، تدافع عن سيادة أوروبا وقرارها الحر، فالضمانات التي طلبتها موسكو وتم رفضها قبل الحرب مباشرة، هي ضمانات للجميع، وتحديدا، ضمانات مشتركة تحفظ امن اوروبا وتخفف نقاط الاشتباك او الاحتكاك، وتزيل الاستنفارات وجنون الدرع الصاروخية والصورايخ المتوسطة والقصيرة، كما وانها ضمانات ضرورية لضبط حركة المناورات الاستفزازية بين كل الاطراف، ولتأمين الهدوء على كامل الحركة البحرية في البحرين الاسود والبلطيق، ولمصلحة أمن الجميع، ولكن رفض الاميركيون البحث بها، بالرغم من اقتناع الاوروبيين باغلبها، والجميع يذكر محاولات شولتس وماكرون الاخيرة في موسكو لايجاد تسوية تبعد الحرب، ليعود الاميركيون بالنهاية لفرض قرارهم بعدم تقديم اي ضمانة لروسيا، ولتكن الحرب.

مسلسل طويل من الوقائع، اظهرت نظرة الاستخفاف الاميركي بالاوروبيين، وخاصة بفرنسا، موضوع صفقات الفرنسيين مع اوستراليا (الغواصات) والتي ألغاها الاميركيون بشحطة قلم ، ومع اليونان (قاذفات الرافال)، والتي ايضا “خربطتها” واشنطن بدقائق، ولنعود الى فضيحة الاغراءآت الاميركية للشركات الاجنبية العاملة في اوروبا، بهدف سحبها من العمل في اوروبا، لناحية تخفيض الضرائب وزيادة عامل الاستثمار، وغيرها، بما يتعارض مع شروط وقيود الاعمال والتجارة الدولية، والتي جاءت كالصاعقة على راس الاتحاد الاوروبي وخاصة على راس ماكرون.

واخيرا لا آخرا، الضغوط الاميركية على فرنسا لاعادة توريطها في المستنقع الافريقي، بعد ان فشلت باريس في اغلب عملياتها داخل القارة السوداء، وبعد ان كانت قد بدأت تسحب وجودها او تخففه عن مستواه السابق، وكل ذلك لاستعمال الموقف الفرنسي في افريقيا، كعنصر من عناصر مواجهة الصين وروسيا.

اليوم، وفي مواجهة التقدم الروسي، بدأ الغرب الاطلسي، وبدفع واضح من واشنطن، تفعيل الضغوط من خلال استراتيجية الاعمال الإرهابية، عبر انتقال الناتو إلى دعم عمليات مرتزقة ونازيين اوكران في مناطق روسية ضد المدنيين،(عملية بريانسك) والتي حصلت بسبب اقتناعهم بإستحالة عرقلة التقدم الميداني الروسي، تضاف الى تفجير جسر كيرتش سابقا، والذي حصل بدعم ومساندة بريطانية مباشرة في المعلومات وفي الرصد، ليكون تفجير نورد ستريم، عملاً ارهابياً اميركياً واضحاً، في الدافع وفي القدرة وفي المعطيات الاستعلامية، وفي عرقلة التحقيقات.

لقد استنفذوا كل الأسلحة والتجهيزات التي يمكن دعم كييف بها، مع المحافظة على الخط الأحمر لمنع تدحرج المواجهة إلى مباشرة، لان اي مواجهة مباشرة بين الروس والناتو، لن تكون بتاتا مواجهة تقليدية، واي مواجهة غير تقليدية او استراتيجية نووية، ستكون مدمرة للجميع وانتحاراً للجميع، وحتى الآن هذا الامر ما زال مستبعدا وسيبقى كذلك في المدى المنظور، ليكون اللعب ضمن مربع الأسلحة التقليدية، وفقط، المقبولة روسياً، حيث لا صواريخ بعيدة المدى او متوسطة تصل الى الاراضي الروسية، ولا قاذفات غربية فعالة، اميركية او اوروبية، ولا استعمال لمطارات في بولندا او رومانيا او غيرها، فهذا الامر تعتبره موسكو انخراطا اطلسيا مباشرا، وهو خط أحمر.

واخيرا، يبدو ان مسار الحسم لمصلحة الروس قد انطلق، بطيئا ربما، كون المواجهة غير مباشرة مع الناتو، لكنه مسار ثابت واكيد ومضمون كما تراه موسكو وبثقة واضحة.
فهل يستطيع الغرب الاطلسي متابعة دعم اوكرانيا بالسلاح والذخائر بنفس المستوى؟؟
وهل تستطيع الحكومات الغربية والاوروبية تحديدا، تجاوز او غض النظر عن الاعتراضات الشعبية والسياسية لهذه الحرب وللانخراط الغبي لحكوماتها في هذه الحرب؟؟
هناك شكوك في المطلبين.. واليوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.