عجز الولايات المتحدة

 US-Afghanistan

صحيفة السفير اللبنانية ـ
الياس فرحات:
احال الرئيس اوباما الضربة العسكرية لسوريا الى الكونغرس للموافقة عليها، وهو بذلك «علّق» الضربة، والتعليق هو قريب من الالغاء لكنه ليس الغاء تاما. لماذا علقت الضربة؟
من الواضح ان الازمة السورية المستمرة منذ عامين لا تخضع لقواعد ازمات «الربيع العربي» ولا لازمات الحروب الاخيرة في العالم. هي تختلف كثيرا عن حربي افغانستان والعراق ومن قبلهما ضربات كوسوفو ومن بعدها ضربات ليبيا. بدأت تلك الحروب والضربات من دون اي تشكيك بنجاحها نظرا للتفوق الواضح للقوى المهاجمة التي كانت تشكل تحالفا دوليا كما في العراق وافغانستان او تغطية بقرار دولي كما في ليبيا. كان الكلام على الهجمات ينحصر بالنتائج والتغييرات الناجمة عنها وليس بمن يتغلب. اما في سوريا، فلأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة يخضع عمل عسكري اميركي للتشكيك بنجاحه. تبين اثر هذا التشكيك ان غياب الثقة بالنجاح كان السبب الحقيقي لعدم قيام حلف الاطلسي او الولايات المتحدة منفردة بعمل عسكري ضد سوريا.
في 5 تشرين الاول 2011 اعلن المندوبان الروسي والصيني الفيتو على مشروع قرار فرنسي حول سوريا، ومثل هذا الاعلان مرحلة جديدة في الاستقطاب الدولي. لقد منع العضوان الدائمان الولايات المتحدة وحلفاءها من استخدام مجلس الامن للقوننة الدولية لاعمالهما العسكرية وغير العسكرية. كررت روسيا والصين ذلك مرتين وايقنت الولايات المتحدة ان عصرا جديدا قد أطل على الامم المتحدة.
لم تفلح الدول الراعية للمعارضة المسلحة في الاقليم بإسقاط النظام السوري، رغم الوعود الدبلوماسية والسياسية والاعلامية التي قطعتها، وايضا رغم استخدامها قدرات عسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة من اجل اسقاطه، ليس اقلها سماح الولايات المتحدة واوروبا باستعمال تنظيمات تابعة «للقاعدة»، رغم وضعها على لائحة الارهاب، في القتال. تعتبر هذه التنظيمات الجسم العسكري الاساسي للمعارضة المسلحة ولا يشكل الجيش «السوري الحر» قوة يحسب لها حساب. نفذت هذه التنظيمات اكثر من مئة وعشرين هجوما انتحاريا داخل المدن وعلى الحواجز والمراكز العسكرية وهي هجمات يعجز جنود الولايات المتحدة والاطلسي عن تنفيذها. رغم الحرب السياسية والدبلوماسية والاعلامية والاقتصادية غير المسبوقة صمد النظام، وبدأ الوقت ينفد امام الولايات المتحدة، التي رأت ان عليها بنفسها تنفيذ ضربة جراحية لسوريا تؤدي الى سقوط النظام، فانتقلت الى التفكير بعمل من خارج مجلس الامن ضد سوريا بعدما طال انتظارها.
من الواضح ان الدوائر السياسية والاعلامية والبحثية لم تحسب جيدا لعلاقة اللاعب من غير الدول، «حزب الله» مع سوريا. كما ان الدوائر نفسها لم تتحسب بدقة للعلاقات السورية الايرانية، فاعتبرتها علاقة مصالح تصرف في بازار الملف النووي الايراني والعقوبات الاقتصادية على طهران. تبين لهم ان هذه العلاقة هي ايديولوجية ومصلحية وليست مذهبية كما صورها لهم بعض السطحيين العرب، وهي تتمحور حول العداء لاسرائيل ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم. روجوا ان ايران تمددت تحت راية الشيعة. لكن تبين ان ايران، ومع انها دولة دينية، وسعت نفوذها تحت راية فلسطين والقدس. من يقرأ للايرانيين ويستمع الى خطابهم السياسي من اعلى الهرم الى الناس العاديين يراهم يتشوقون الى مواجهة اسرائيل، والحرب مع اسرائيل بالنسبة اليهم ليست عبئا او ازمة عابرة، انما هي فريضة دينية تدخل في المقدس وليس في المصالح. والامر نفسه ينطبق على «حزب الله».
اتكلت الدوائر نفسها على عدم امكانية مواجهة الروس لاي هجوم عسكري اميركي محتمل ضد سوريا، ذلك ان العلاقات بين البلدين الكبيرين لا تسمح باشتعال حرب بينهما حتى ولو كان السبب سوريا. لكن هذه الدوائر قللت من قوة الردع الايرانية. كانت ايران تحت المجهر عندما تردد عن توجيه ضربة اميركية او اسرائيلية اليها. لم يحسب الاستراتيجيون حسابا للقوة الصاروخية التي ثابرت ايران على الاعلان عنها في مناورات عسكرية لدرجة ان المراقبين وبسبب كثرتها ملوا متابعتها. لم يحسبوا ايضا للقوة البحرية الهائلة التي تساوي ضعف القوى البحرية لدول مجلس التعاون مجتمعة، وخصوصا للعدد الكبير من الغواصات التي تنفذ كمائن في أعماق الخليج وبحر عُمان، ولا للزوارق المطاطة المزودة بالصواريخ التي تعتبر سلاحا هاما في الحرب غير المتماثلة بين ايران والولايات المتحدة.
عندما اعلن الرئيس اوباما قراره توجيه ضربة صاروخية الى سوريا وتوجهت المدمرات الاميركية الى شرق البحر المتوسط، بدأ الحديث عن اليوم التالي للضربة. بشبه اجماع للمحللين، تبين ان سوريا سترد بما تبقى لها من قوة، ويقدر انها ستكون معتبرة، على اسرائيل وستشعل جبهة الجولان وتخوض حرب صواريخ مع اسرائيل، فيما تساندها ايران بضربات صاروخية وتقفل مضيق هرمز. ادرك الاميركيون وخصوصا العسكريين، ان اليوم التالي لن يكون سعيدا وان امن اسرائيل وتدفق النفط سوف يتعرضان لخطر كبير، وهذان هما اساس السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. لن تستطيع القدرات الاميركية الجبارة وقف مفاعيل اليوم التالي، والارجح ان هناك احتمالا كبيرا ان تدخل الولايات المتحدة في حرب غير متماثلة تستغرق وقتا طويلا في الخليج وسوريا ولبنان، وربما تتوسع نحو البحر الاحمر لاحقا.
ظهرت قوة الردع الايرانية ورسمت حدودها من الخليج الى البحر المتوسط والبحر الاحمر. انها المنطقة التي تستطيع ايران منع اميركا واسرائيل من القيام باي عمل عسكري فيها لادراكهما ان الرد لن يكون في صالح اهدافهما. الردع يردع ويمنع، لكنه لا يفرض حلولا لأزمات ولا أوضاعا جديدة، انما لا يمكن تجاهل قوة الردع في كل ما يحاك للمنطقة. في ازمة الضربة على سوريا، تصادمت الاستراتيجية الاميركية بالردع الايراني، فكانت النتيجة خطاب الرئيس اوباما الذي علق فيه الضربة وأحالها الى الكونغرس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.