عن الحرب العالمية الخامسة على سورية


صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح*:
الحرب العالمية الثالثة كانت على العراق، والرابعة على ليبيا، أما الحرب الراهنة وهي الخامسة وليست الاخيرة كما يبدو فهي من الناتو والناتويين الصِغار على سورية القائد الرائد والنظام القائم والشعب والمستقبل والحضارة والتاريخ، وهي كذلك ذبح للامة العربية من محيطها الى خليجها والى جبالها التي يُراد لها الإنحناء والوضاعة ولصحرائها التي “الاستقلال” وخسئوا.

العالَم الظلامي برمته مُنفلتٌ ضد سورية، فماذا يعني ذلك؟. الى عهد قريب كانت معظم دول العالم الثالث تلعب في المنطقة الوسط بين المعسكرين المتصارعين، وعندما انهار الاتحاد السوفييتي عادت مصالحها كاملة ومن جديد الى الأسياد التاريخيين أنفسهم!. لقد تكشّفت اوراق والاعيب الكثيرين عندما نزعوا ورقة التوت الأخيرة بأيديهم عن عوراتهم، فأصبحوا عراةً تماماً أمام عوالم الإنس والجان واصبحوا مدار تَهكّم الصِغار قبل الكبار.

في حرب العراق “الثلاثينية” بدأ العد العكسي للدول المارقة ومن يَلف لفها، حتى استكانت أخيراً في جُحر الاستعمار التقليدي حتى وإن كان هذا الاستعمار يعمل علناً ضد مصالحها ومصالح زعمائها، الذين باتوا بكروشهم المتهالكة عبئاً ثقيلاً على الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يواصلون العمل على مشروع كوني للتخلي عن العفن القديم واستبداله بعفن جديد يضمن بقاء الشعوب تحت إمرة الميغا الامبريالية من خلال وجوه جديدة لم تكلح ولم تصدأ بعد!.

في الحرب الخامسة نلاحظ استقطاباً واسعاً يلف العالم أجمع. فهناك الدول التي تنخرط مباشرة في الحرب غير المقدسة على سورية وتحاول النيل من مواقف الصين وروسيا بحِراكات مختلفة الألوان. وهناك الدول “العمق” لهذه الحرب، حيث يتم الإعداد والتسليح والتمويل وتموين المرتزقة والارهاب والعنف. وليس بالضرورة ان يكون “العمق” المطلوب للحرب محاذياً ومحادداً لسورية، بل وفي حالات عديدة يكون بعيداً عنها. ففي بعض البلدان نلاحظ وجود خزانات بشرية فقيرة جاهزة للتحوّل الى أذرع إرهابية برواتب غير مجزية ودريهمات بخسة؛ وهناك انظمة تعمل ليل نهار على تسليح عناصر التدخل والموت، وغيرها تنشغل وتشتغل بالحروب الدبلوماسية والسياسية والاعلامية على سورية والصين وروسيا، وهي جميعها تصب في مصب واحد وتسترشد بمجموعة واحدة تدير العنف والإجرام الفالت من عِقاله تقبع في واشنطن وتل أبيب وأنقرة أردوغان بالدرجة الأولى.

شمعون بيريز اعترف بعظمة لِسانه قبل أيام بدعمه للإرهابيين في سورية، ودعا الى إسنادهم، وقبله كثيرون كانوا كشفوا بوضاعة عن وجوههم الكالحة إتجاه سورية وشعبها، ورغبتهم بتصفيتها وتدميرها وإعادتها الى العصر ما قبل الحجري تسهيلاً لمهتمهم الماكرة والتسلطية على الامة وشعوبهم الرازحة تحت ثِقل الظلامية والمكتوية بأتون حروب الردة على العروبة والإنسانية.

تتسم الحرب العالمية الخامسة بسمات خطيرة: زعزعة ثقة الشعوب بزعمائها أولا ومن ثم ليكون الامر مدخلا مناسباً وسهلاً للتدمير الشامل وزرع بذور التفرقة الكبرى والانحطاط الاجتماعي والطبقي والخلافات الاثنية والدينية؛ والعمل على تدمير سيادة الدول وعلى مِثال سورية بأيادٍ سورية مُغرر بها، وبأيادٍ اجنبية ومرتزقة يتم استخدامهم واستقدامهم مِن كل حدب وصوب وحتى من امريكا الجنوبية اللاتينية، فالمرتزقة الامريكان الجنوبيين هم بالذات الذين قتلوا معمر القذافي ومَثَّلوا بجثته؛ ثم تحويل الدولة المستهدفة الى جثة هامدة فشعارهم: السوري الجيد هو السوري الميت!؛ كذلك العربي الجيد هو العربي الميت؛ ولا فرق إن كان إرهابياً أم مناضلاً أو من المجموعة السكانية الصامتة والخانعة. فالمطلوب هو القضاء على كل العرب وعلى كل الشعوب المُستضعَفةِ والاستيلاء على اراضيها ومقدّراتها ومخزوناتها بغية إدامة واردات الطاقة شبه المجانية وضمان الأمن الامبريالي واستقرار الانظمة المتخلفة.

ملاحظاتي التي خرجت بها مِن خلال قراءاتي، أن الغرب السياسي، وأعني هنا أعتى زعمائه، يرفضون العيش ساعة واحدة ويوماً واحداً في ظل أنظمة ظلامية وإرهابية، بينما يريدون إغراق سورية والمنطقة العربية بهذه الانظمة وقياداتها الحربية الطالعة من عمق القروسطية البشعة، وهي صورة تدلل على ان الصراع القائم حالياً بيننا وبينهم هو صراع الحضارة ضد اللاحضارة والتخلف والموت؛ وهو صراع مصيري يُهدد بحرب من نوع آخرى.. انها الحرب الحضارية بين المعسكرين “الغربي” والاسرائيلي من جهة، والروسي والصيني وحلفاء موسكو وبكين من جهة اخرى. فالصراع الذي نشهد لم يبق حكراً على منطقتنا، إقليمياً، بل تجاوز حدود الإقليم وفضاءاته الى فضاءات العالم كله. فخيوط اللعبة ومصادر إدامتها ومنابع الارهاب تمتد الى الدول الكبرى والصغرى على حد سواء، والحرب الكبرى التي تتهددنا بهدف تدمير سورية بضربة واحدة قاصمة كما يحلمون إنما تُحضّر في عواصم دولية واخرى خانعة، طبعاً بالتخطيط المباشر مع تل ابيب ولصالح مصالحها وبقائها شرطياً نشِطاً للعالَمِ الناهبِ لخيرات منطقتنا والمُشرِّد لناسها.

*كاتب وصحفي أردني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.