عودة مرتقبة لسياسة الإحتواء الأمريكية؟

موقع العهد الإخباري-

إيهاب شوقي:

هناك ثلاثة مفاهيم مهمة في علوم السياسة لتصنيف القوى العظمى وتقييم الأقطاب الدولية، وهي الاستقطاب، والهيمنة، والقدرات الفعلية العسكرية للقوة العظمى.
وربما ألقى مقال بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مزيدًا من الضوء على هذه المفاهيم، حينما حاول عقد مقارنات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والصين، وذهب المقال إلى أن “الصين لم تصبح قوة عظمى حتى الآن رغم كونها قطبًا”، حيث قال المقال إن “الولايات المتحدة قطب وهيمنة إقليمية وقوة عظمى، وكان الاتحاد السوفييتي قطبًا وقوة عظمى دون أن تكون لديه هيمنة إقليمية، وعلى الرغم من أن الصين هي قطب، في ما أصبح الآن نظامًا ثنائي القطب بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنها ليست قوة مهيمنة إقليمية ولا قوة عظمى” وفقا لتقييم “فورين بوليسي”.

وبصرف النظر عن مخرجات المقال واستنتاجاته، إلا أن هذه المفاهيم تتميز بالدقة والموضوعية، كونها معايير للحكم على القوى المختلفة والمقارنة بينها، كما أنها تصلح للتطبيق على القوى الإقليمية.

وبتطبيق هذه المفاهيم على إقليمنا، فإننا بمقارنة القوى الإقليمية، وفقًا للاستقطاب والنفوذ الإقليمي والقدرة العسكرية، فإن إيران تكاد تكون هي القوة الإقليمية الوحيدة التي تتمتع بهذه الخصائص.

فالعدو الصهيوني يتمتع بقدرات عسكرية إلا أنه ليس قطبًا وليس له هيمنة إقليمية، بل بالكاد يسعى نحو التطبيع وشراء الذمم والولاءات.
وبينما تتمتع السعودية بقطبية وهيمنة إقليمية على العديد من الدول، إلا أنها تفتقد للقدرة العسكرية، بل هي في حاجة دائمة لحماية عسكرية.
وبعد فشل تركيا في الهيمنة الإقليمية عبر المساعدة في مشروع “الربيع العربي”، فإن القوة الوحيدة الإقليمية التي تتمتع بهذه الخصائص هي إيران مع ملاحظة أن لها نفوذا إقليميا وليس هيمنة إقليمية بالمعنى الاستعماري.

هذا النفوذ منبعه القوة الناعمة الإيرانية، والتي لا تتولد إلا من أحقية مشروعها الايديولوجي المقاوم القائم على نصرة المستضعفين بمواجهة مشروع الاستكبار والهيمنة على مقدرات الشعوب، وهو يثبت صموده وأصالته وامتلاك القوة للدفاع عنه وحمايته.

ولعل هذه القوة الناعمة هي محط أنظار أمريكا حاليًا، والتي باتت تحرض علنًا على استهداف القوة الناعمة بعد فشلها في استهداف القوة الخشنة الإيرانية بفضل توازن الردع الذي شكلته إيران.

هنا تتزامن التقارير الصهيونية والأمريكية التي تحرض على المقاومة وتحديدًا حزب الله، حيث هناك تحريض صريح لأوروبا على التصنيف الكامل للحزب باعتباره منظمة إرهابية وعدم التمييز بين حزب سياسي وقوات عسكرية، كما يحرض معهد واشنطن على حزب الله بشكل صريح وبتوصيات تحمل برنامجا للعمل!

في مقال لمعهد واشنطن، يحرض المعهد على بيئة المقاومة علنا، حيث يقول نصا: “لا يزال الشيعة عاجزين عن اللجوء إلى جهة أخرى غير الحزب، دون وجود بدائل حقيقية، لا سيما بدائل اقتصادية. وهنا يمكن أن تكون سياسة الولايات المتحدة مفيدة من خلال إيجاد بدائل اقتصادية للمجتمع الشيعي خارج مؤسسات “حزب الله” وتلك التابعة للدولة اللبنانية. كما أن القطاع الخاص اللبناني يمكن أن يكون شريكاً أفضل”. ويستمر المعهد في التحريض على الحلفاء حيث يقول: “من جهة أخرى، يبدو أن الركيزة الأخرى التي يستند إليها “حزب الله”، أي حلفاؤه، تتزعزع بدورها. وتسببت العقوبات الأمريكية المفروضة على الحلفاء واحتجاجات عام 2019 في خسارة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أيار/مايو 2022… وفرض المزيد من العقوبات ضد حلفاء “حزب الله” والعناصر الداعمة له داخل مؤسسات الدولة أمر ضروري اليوم للحد من قوة الحزب”، وفقًا لمعهد واشنطن.

ويكشف المقال اهداف أمريكا من حصار المقاومة حيث يقول: “ولضمان احتواء إيران ووكلائها ومواجهتهم بشكل أكبر، ولمساعدة الدول الأربع التي يحتلونها (العراق ولبنان وسوريا واليمن) على التعافي وإعادة بناء مؤسسات الدولة الخاصة بها، يجب على الغرب أن يفعل ما تفعله إيران عادة. فالولايات المتحدة تمتلك الموارد اللازمة والقوة الدبلوماسية لسد الفجوة التي خلّفتها إيران بمبادرات القوة الناعمة، وفرض عقوبات ضد الفاسدين والحلفاء بشكل متكرر، ووضع آليات للمساءلة، والاستثمار في سياسة أكثر استدامة وثباتاً”، وفقا لما جاء بالمقال.

يأتي هذا التحريض وسط ظاهرة لافتة تحفل بها وسائل إعلام أمريكية، وهي الانتقاد العلني للعدو الصهيوني.

ويكفينا هنا الاسترشاد بفقرة من مقال ستيفن كوك في “فورين بوليسي”، حيث يلخص الأزمة بين الإدارتين الصهيونية والأمريكية في موجز كاشف يستعرض الجولات الأمريكية للمنطقة والزيارات المكثفة للعدو التي تأتي إيران على رأس أجندتها، والتي تبرر تاريخيا بأن “إسرائيل ضعيفة بشكل فريد في منطقة معادية، وتشارك الولايات المتحدة في قيمها”، ولكن الكاتب يفاجئنا بسؤال وهو “إنها قصة حافظت على تدفق المساعدات على مر السنين – لكن هل هذا صحيح؟ ربما كان الأمر كذلك ذات مرة، لكن فكرة أن إسرائيل بحاجة إلى مساعدة أمريكية لتأمين وجودها وأن البلدين يشتركان في مجموعة مشتركة من المبادئ الديمقراطية لم يعد منطقيًا”. ويختتم كوك بكلام كاشف ومفاجئ يقول نصًا: “ليس من المناسب للولايات المتحدة أن تخبر الإسرائيليين كيف يعيشون أو ينظمون مجتمعهم، لكن دعونا لا نتظاهر بعد الآن بأن البلدين يشتركان في القيم الديمقراطية… يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشركاءه لا يتراجعون. قال الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان ذات مرة: “لا توجد أمة مثلنا، باستثناء إسرائيل”. لقد كان شعورًا لطيفًا، لكنه ليس صحيحًا، خاصة الآن” حسب تعبيره.

هذه التطورات المتسارعة في العلاقات الأمريكية الصهيونية وتزامنها مع تراجع الهيمنة الأمريكية وتوازن الردع دوليا وإقليميا، ربما تقود إلى تكثيف أمريكا لمؤامراتها “الديمقراطية” واتباع سياسة الاحتواء مع ايران ومحاولة خلق قوى ناعمة بديلة وسياسات أكثر خبثا مع المقاومة تستهدف بيئتها دون استعداء صريح، وهو ما يستوجب الحذر وخاصة من جانب الجماهير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.