فزاعة النزوح السوري

موقع العهد الإخباري-

أحمد فؤاد:

نبيلة وسامية وراقية هي المعاني التي نستشفها من دعوة الإمام روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) باعتبار قضية خلافية هي تاريخ مولد النبي الأكرم عليه وآله السلام، من سبب للتشرذم والتجييش ضد بعضنا البعض، إلى فرصة للوحدة بين كل الشعوب الإسلامية، في اليوم الذي قال عنه الإمام إنه “أعظم يوم في الوجود”، عامًا بعد آخر تقدم لنا هذه الفكرة المزيد من إمكانيات التفكير وأضواءً مناسبة لمناقشة قضايانا وهمومنا، ومواجهة واقعنا، وتحدياتنا، وهي كثيرة مريرة وبائسة.

وأعاد لنا سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، خلال خطابه في المهرجان المركزي الذي أقامه حزب الله في ذكرى ‏ولادة النبي الأعظم (ص) والإمام الصادق (ع) الفرصة لتصويب البوصلة، وأعاد الرابطة بشكل مباشر ومن أيسر السبل بين المبدأ والهدف، بما فيه مصلحة مؤكدة للأمة التي تتقاذفها الأقدام وتركلها الأحذية ككرة قدم عالقة بين أطراف، رضيت لنا ظروف سابقة أن نخرج من لعبتهم، وأن نوافق على أداء دور المفعول به، ونجتهد في إتقان دور المجني عليه المظلوم، في أبلغ وأصدق تعبير عن سعي جاد ومثابر لبناء جديد، يستطيع أن يواجه وأن يتمكن من وأد الفتنة، وإنماء روح البذل والترفع مصداق قوله تعالى “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”.

سماحة السيد كقائد عربي، يدرك أبعاد دوره وتأثير وحجم وجوده في المنطقة، وفي قلب كل عربي حر، أعاد تعريف الأزمة السورية، منطلقًا من مبادئ راسخة وقناعات لا تتغير وأفكار لا تتلون ولا تناور، وقبل كل شيء من بديهيات إيمانية خالصة، وعبر خطاب سيبقى في العقل والروح النور، في زمن يعز فيه النور ويحكم الظلام وينتشر ويتحكم، ويكاد يقودنا إلى الجحيم.

أزمة اللاجئين السوريين هي نتاج طبيعي للجريمة الأميركية الكاملة والمروعة بحق شعبنا السوري، نتيجة المؤامرة الكونية التي جرت على دمشق في 2011، بتواطؤ ومشاركة وتنفيذ أطراف عربية عدة، بالفعل المباشر أو الصمت العاجز، هذه الحرب التي بددت قدرات الدولة السورية على توفير مقدرات الحياة الإنسانية الطبيعية لشعبها، وبعد أن فشلت الحرب العسكرية في كسر إرادة وصمود سورية، جاء قانون قيصر ليستكمل من طريق آخر تحقيق الأهداف ذاتها، الهزيمة والإخضاع والتفتيت.

شهد العام 2020، دخول قانون “قيصر” الأميركي الخدمة، كترسانة أسلحة كاملة مصوبة تجاه أي حركة سورية في العالم، أو أي حركة للعام نحو سورية، وهو قانون يتفرد بأنه يعاقب أي فرد أو شركة أو دولة تتعامل مع سورية، وتشمل بنوده عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية، تستهدف التدمير الشامل لكل إمكانيات البقاء السورية، وتشمل مواد القانون الأميركي الشاذ أي مؤسسة أو دولة، تبيع أو توفر سلعًا أو خدمات أو تقنيات أو معلومات أو دعم يمكن له زيادة الإنتاج المحلي في سورية، خصوصًا من البترول والغاز الطبيعي، أو أي جهة أو مؤسسة توفر قطع الغيار للآليات للحكومة السورية أو من يمثلها أو يعمل في سورية، أو أي شخص يوفر عن علم بشكل مباشر، أو غير مباشر، خدمات بناء أو استشارات هندسية للحكومة السورية.

هذا القانون هو النسخة الأميركية الأحدث من حصار العراق، والذي تسبب في وفاة نحو نصف مليون طفل، على الأقل وبشكل مباشر، بسبب غياب كل إمكانيات الرعاية الصحية وانعدام التغذية والاحتياجات الإنسانية الأساسية، وهو بشكل مجرد جريمة حرب كاملة الأركان، تستهدف القتل والإبادة الجماعية الواسعة، بحجم وطن كامل، اختار أن يقول لا لأميركا.

سماحة السيد قال في خطابه، بعبارات واضحة وقوية، إن المطلوب “معالجة أسباب النزوح السوري لا النتائج، مشددًا على أنَّ المسؤول الأول عن النزوح إلى لبنان هو من أشعل الحرب في سورية أي الإدارة الأميركية، أميركا فرضت قانون قيصر على سورية وحاصرتها وفرضت عقوبات على كل الشركات التي كانت ستأتي لتستثمر في سورية ما أدى إلى نزوح اقتصادي إلى لبنان، لذلك حتى يبقى لبنان يجب أن يتم إلغاء قانون “قيصر”، وإذا تم رفع قانون “قيصر” عن سورية وبدأت الشركات بالاستثمار في سورية سيعود مئات الآلاف إلى بلدهم”.

لم يتوقف سماحة الأمين العام عند طرح المشكلة، وتقديم تقدير موقف صحيح ومتماسك للناس، وفقط، لكنه طرح من الحلول ما هو يسير وقريب ومؤكد النتائج، إذ قال سماحته عن الأفكار المطروحة من قبل البعض: “فلنعلن لمن يرغب من النازحين أن الفرصة متاحة أمامهم للهجرة إلى أوروبا دون الحاجة للهروب ليلًا، وتلك الفكرة ستفرض على الدول الأوروبية القدوم خاضعة لبيروت والسراي الحكومي، لتقول للبنانيين: ماذا تريدون لوقف هذه الهجرة للنازحين”.

هذه بالمناسبة هي الطريقة المناسبة للتعامل مع أوروبا، وهي أصلًا واقعة في أزمة مركبة من موجات النزوح الهائلة، ومجتمعاتها تعيش تحت وطأة مخاوف ثقيلة وعميقة من استقبال المزيد، وهذه الطريقة ــ مثلًا ــ تلعب عليها بعض الأنظمة في الشرق الأوسط للحصول على القروض والمساعدات، وفرض قبول تلك الأنظمة من قبل القارة الأوروبية، وهو حل واقعي لا يحتاج سوى بعض الإرادة وقليل من الذكاء للبدء فيه فورًا.

وفي نهاية حديث الأمين عن “الأزمة المفتعلة” ضد مواطنين عرب أشقاء، لم يضطرهم إلى ترك بيوتهم وبلدهم إلا المأساة القائمة، وكموقف نبيل ومخلص يدرك قيمة هذه اللحظة المباركة وما تمثله، قال السيد إنه “لا يجب أن يتحول الجو القائم إلى جو عداء مع النازحين السوريين، ولا يجوز أن يتصرف البعض في لبنان كأن النازحين أصبحوا مباحي الدم والمال والعرض، وهذا الأمر لا يعالج بالشتائم وبالضرب والعدوان”.

دائمًا وأبدًا ستكون المسافة واضحة بين الأخطاء والذنوب، مهما تدخلت مساحيق التجميل أو بهتت الصورة أو تطايرت أوراق، وفي مسألة سورية بالذات، فإن أبواق الفتنة الإعلامية العربية، الناطقة بلسان أميركي، اختارت أن تروي هذه المأساة من وجهة نظر مشغليها وأسيادها، وورائها مئات من الأصوات الزاعقة اختارت ترديد نفس النغمة، سواء بسوء الفهم والتقدير أو بنية متعمدة من سوء القصد، لتمنح فرصة للتشويش على المجرم الحقيقي، والأول.

إن الولايات المتحدة تحاول أن تحافظ على احتكارها لصناعة الأزمة، في العالم العربي والعالم بشكل عام، وتعتبر نفسها بالتالي الطرف القيّم على الصراعات وعلى الأطراف، ورغم أن القاعدة المنطقية لحل أية أزمة هو انعدام فرصها طالما غاب توازن المصالح الذي يعكس بدوره توازن القوى، إلا أن واشنطن تريد فرض تصورها المبدئي على الجميع، وتعميمه، بحيث تفقد بعض الأطراف ثقتها في قضيتها، قبل أن تبدأ حتى بالكلام عنها، بعبارة أبسط، تخسر الحرب قبل أن تقرر خوضها، هذا إن قررت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.