لا ترحل..

zeinab-sharaf-la-tarhal

 
موقع إنباء الإخباري ـ
زينب شرف:
ما اسمك؟… من أيّ بلدٍ أنت ؟ إلى أين أنت ذاهب؟… ولم؟…
تلك هي بطاقة الهويّة، وكلّ فردٍ له أوراقٌ ثبوتيّة، تُعرّف عنه وتعطيه قيمةً إجتماعيّة… ومنها ينطلق ليخوض معركة الحياة.
فمذ كان طفلاً ذهب إلى المدرسة كغيره من بني البشر، وها هو صار رجلاً يتخرّج من جامعته أو ما شابه ومثلُه كُثُر… وما هي الاّ بضع سنواتٍ حتّى سارع ليختم أوراقه ويسافر إلى بلدٍ آخر ليؤمن مستقبله…
كلمةٌ سمعتها مراراً وتكراراً، ولطالما رفضتها لأنّها ليست حلاًّ، ولأنني دائماً أردد: “بأنه ليس هناك بلدُ آمن على نفسي أفضل من وطني، به ولدتُ وترعرعتُ ومن خيراته أكلت وشربت حتى ارتويت، فاشتدّت بذلك عظامي ونمت قدراتي العقلية والحسيّة، ومن ترابه شممتُ رائحة العزّة والشّموخ، وبأرزه كحّلتُ ناظري حتّى صرتُ أرى الأمل يسدّد خُطاي، ومن دماء شُهدائه أخذت مداداً لأقلامي يُخلّد ذكراهم.
عُدْ عن قرارك أيها المهاجر، فالوطن يناديك، لن تفخر بأيّ دورٍ تناله خارج وطنك ـ مهما كان ـ أفضل من دور مقاوم قد تناله في وطنك، ولن تحصل على أيّ شهادة، أفضل من حيازتك للشّهادة مرابطاً تذود عن حدود وطنك.
هكذا يكون الأحرار ـ في الدّنيا ـ أعزّاءٌ بين أهلهم…ولهم أجرٌ ميمونٌ يُخلّدون بأُخراهم.
فكّر مليّاً وانظر جليّا لعلًّك ترى حقيقة السّعادة… فإنك ومهما علوت “من التراب والى التراب ستعود”
وهل هناك شيءٌ أحنُّ عليك من ترابِ الوطن؟!….
إنّ حبّ الوطن من الإيمان، وقد أوجب الله عزّ ذكره الجهاد وجعله فريضة مقدّسة يحاسب عليها الإنسان.
فاختر لنفسك نوعاً ملائماً ـ مما شئت ـ من أنواع الجهاد باليد أو بالقلب أو باللّسان… واعتبره بَذْراً لزرعك ، فلكلّ زرعٍ موسم حصاد، وكذلك الأرواح في الأبدان لها موعد حصاد.
لهذا، اعتنِ بإنتقاء نوع زرعك والتفت لاختيارك لنوع التربة هل هي صالحة؟ أم لا؟
وكن على ثقة، بأنّك سوف تنجح بتجربتك لأنها صادرة عن تعقّل وحكمة وتصميم، ولها هدف سامٍ سوف يوصلك إلى يد الأمان.
لا تكن كالخشب المسنّدة، فأنت تملك العقل والقلب والحواس، وهذه القوى تمكنّك من الإنتقاء السّليم.
ناديتك بما يكفي، وذكّرتك بجذورك، فلا تمدنّ فروعك إلى غير أملاك الوطن، لأنّني أخشى عليها من القطع بأيدٍ لا ترحم، لأنها اعتادت أن تأخذ ولا تُعطي، وأن تحتكر ولا تُنفق…
إستيقظ أيّها السّائر في غياهب الحياة، فإننّي أراك لا تطأ قدماك أرضٌ ولا تظلّلك سماء، أراك حائراً بين الحقيقة والوهم، بين السّراب والواقع…
أيّها الرّاحل تمهّل رويدك، وكن على يقين أنّ الوطن يناجيك فاتحاً ذراعيه بمحبّة، ويقسم عليك بأجمل ذكرياتك: “بأن تعود، ولا ترحل…”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.