لبنان والرهان

lahoud.jpg

صحيفة البناء اللبنانية ـ
العماد إميل لحود رئيس الجمهورية اللبنانية السابق:

ماذا عسانا نقول عن لبنان ورهان بعض الأفرقاء السياسيين فيه على تطورات المنطقة، لا سيّما الوضع في سورية، كي يستمروا في استئثارهم بالسلطة ومكاسبها الخاصة؟ غداة ذكرى يوم النكسة في5 حزيران 1967، يوم تهجير الفلسطينيين من أرضهم المحتلة بعد حرب الأيام الستة، يؤسفنا أن يكون بعض العرب وبعض اللبنانيين تائهين عن القضية المركزية، ألا وهي قضية فلسطين، التي باتت خارج سلّم أولوياتهم واهتماماتهم. إن كلّ ما يهمّ هؤلاء التائهين، والتيه مرادف للنأي بالنفس، أن يبعثروا روافد قوة العرب وأوطانهم في أبشع أنواع التبعية والاسترهان لخارج ،لا يرغب أن تقوم لنا قيامة وأن ينبض فينا نبْضٌ من الحياة والكرامة، ومن شأن ذلك أن يخدم العدو «الإسرائيلي» أكثر مما يتمناه. يراهنون على سقوط الدولة السورية والقيادة السورية والجيش العربي السوري وتقسيم سورية وشرذمة الشعب السوري في مناطق نفوذ ودويلات ومقاطعات، وهم واهمون، لا لشيء إلا لأنهم لا يعرفون أنّ قلب العروبة النابض إنْ خفت أو إنْ خبا، ولن يخفت أو يخبو، انتهت حيثيتُهم، لا بل انتهى مبرّر وجودهم في هذا الشرق العربي المستباح من العدو «الإسرائيلي». وكيف للبنان، بلد العيش الواحد والأرز الخالد، أن يحتمل ما يعتمر في قلبه من أوهام هؤلاء القوم، الذين يعرفون حق المعرفة أنّ الكيانية اللبنانية لا مستقبل لها في ظلّ دولة اليهود في العالم، أي الكيان «الإسرائيلي» الغاصب، أو باضمحلال أو خسوف الكيانية السورية، لا سمح الله، بما ترمز إليه من عمق استراتيجي وتاريخ واحد وجغرافيا متصلة إلى حدود أنطاكيا.

قلنا منذ البداية إنّ «سورية أقوى» سوف تخرج من الحرب الإرهابية الكونية التي تخاض ضدّها وعلى أرضها، إلا أنّ بعضهم ظلّ يراهن على سقوط مدوّ للدولة السورية منذ الأسبوع الأول من الأزمة، وهم في ذلك صدى لضابط إيقاع واحد يخطط في الغرف المظلمة للقضاء على كلّ ما من شأنه أن يقف بوجه الكيان الغاصب وأطماعه وينتصر عليه.

بئس هذا الزمن الرديء الذي نسمع فيه أن النأي بالنفس ينقذ لبنان، وهو تعبير مموّه لمقولة سابقة أسقطت لبنان من كلّ المعادلات، وأوصلت العدو «الإسرائيلي» إلى قلب بيروت ومشارف قصر بعبدا عام 1982، وهي «أن لبنان قوي في ضعفه». هذه المقولات الإذعانية والدُّونية التي تنمّ عن وهن في النفوس والإرادات والممارسات، إنما هي معتقدات وليست مجرد شعارات. من قال إن الشعب نعامة تدفن رأسها في الرمل كي لا ترى الكواسرَ التي تنقضّ عليها لتنهش لحمها الطري؟ المؤسف حقاً أن نسمع هذا الكلام المقيت مجدداً في أيامنا هذه، وعلى ألسنة شباب توثب لأدوار قيادية في أحزاب فعلَتْ ما فعلت، خلال مراحل من تاريخها، في تمزيق النسيج اللبناني تمزيقاً اتسع حتى على «الراتي» في حينه. علينا حقاً وصدقاً أن نحسم أمرنا لجهة تحصين وطننا بقوتنا الذاتية المتمثلة بمعادلة فرضت ذاتها في التجربة والاختبار، ألا وهي معادلة الشعب والجيش والمقاومة، وهي تختصر كل استراتيجية دفاعية، بدليل النجاحات والإنجازات والتحرير ضدّ أعتى آلة عسكرية في الشرق وانتصار 2006، فضلاً عن الانتصارات التي تتحقق اليوم على تخومنا الشرقية، وحيث يضرب الإرهاب التكفيري العدمي أو يتهيأ لتسديدنا الضربات الغادرة.

إنّ التحصين المطلوب يبدأ من صمود سورية، وهي الصامدة بريادة قائدٍ شاب ومصمّم ومقاوم ، وجيش عربي عقائدي لا يلين، ومقاومة شعبية ملتفة حول القيادة والجيش، ومقاومة من أفق آخر شخّصت صحيحاً أنّ ما يصيب سورية من وهن إنما يوهن مكامن قوتها بالنتيجة، خدمة لمآرب العدو «الإسرائيلي» إلا أن هذا التحصين لا ينتهي عند هذا الحدّ، إذ إنه يجب أن ينسحب على الداخل اللبناني بإقرار قانون انتخابي يؤمّن قواعد العيش المشترك وصحة التمثيل وفعاليته لشتى فئات الشعب اللبناني وأجياله، على ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني، كأن يكون لبنان دائرة واحدة مع اعتماد النظام النسبي، فتقف الرشوة بأشكالها كافة عند أعتاب هذا القانون، ويعصى شراء الضمائر على المتسلطين بالفساد والمال والترغيب، ويندثر التدخل الخارجي باستغلال الغرائز المذهبية والطائفية لإذكاء جمر ضعفنا تحت الرماد.

هكذا تصان الأوطان، ولبنان إما أن يكون وطناً أو رهاناً. إن شعبنا الأبي يريد وطناً يفيء إليه بعزة وكرامة وعنفوان ومهابة، ويرفض الذلّ والهوان والرهان.

العماد إميل لحود

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.