لماذا يسعى بايدن إلى “حرب أوكرانيا”؟

موقع قناة الميادين-

قاسم عز الدين:

الحملة الإعلامية الصاخبة بشأن “غزو أوكرانيا” تفتعلها الاستخبارات الأميركية، أملاً بتحقيق أهداف استراتيجية، استكمالاً لتفكيك إرث الاتحاد السوفياتي، لكن بوتين يستهدف مواجهة التوسّع الأميركي حول موسكو.

الاستنفار العسكري الروسي في البرّ والبحار هو ردّ على الهجوم الأميركي – الغربي في بيلاروسيا وكازاخستان بعد الانسحاب من أفغانستان، لكنه في عمقه مواجهة روسية لاستراتيجية بايدن الساعية إلى “قيادة العالم”.

أميركا المتخبّطة في أزماتها الداخلية على حافة الحرب الأهلية أرست في تاريخها التوسّع الإمبراطوري سبيلاً لحل أزماتها البنيوية الداخلية منذ عقيدة رئيسها جيمس مونرو في العام 1823، التي حلّت الحرب الأهلية الأميركية في العام 1861 – 1865 بالاستيلاء على الذهب والثروات في أميركا اللاتينية.

الكساد العظيم إثر الحرب العالمية الأولى في أوروبا، حلّته أميركا بتمزيق أوروبا والإتاوة الثقيلة على ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الثانية. وقد حاول ترومان تركيع الحليف السوفياتي بالقنابل النووية، كاستسلام اليابان بعد هيروشيما، لكن التفجير النووي الروسي سبقه إلى الردع.
ليست أميركا من دون هيمنة عالمية

الرئيس الروسي يأمل الاتفاق مع بايدن على الاعتراف بحقِّ روسيا في محيطها الجيوسياسي مع دول “الأمن الجماعي” في آسيا الوسطى، والحفاظ على البقية الباقية من إرث الاتحاد السوفياتي وأراضي القيصرية الروسية في أوكرانيا على وجه الخصوص.

يسعى بوتين إلى “اتفاقية مكتوبة” عن منحى اجتماع إسطنبول في العام 1997 “لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا”، والذي أوحى بالشراكة بين الدول الغربية والدول المستقلّة عن الاتحاد السوفياتي في حفظ أمن كلٍّ منها في محيطها والتعاون بين أعضاء المنظمة التي تضمّ روسيا وأميركا على “الأمن المشترك” للجميع.

ما سماه بوتين “خديعة” يقصد به أنَّ الاتفاق يقضي بعدم توسع أميركا وحلف الناتو في شرقي أوروبا والمحيط الحيوي الروسي في البلطيق والبحر الأسود، بل تكليف روسيا بإنشاء “مجلس روسيا والناتو”، متفرّعاً عن الحلف الأطلسي، بعد حلّ حلف وارسو.

ما يشير إليه بوتين سبقه غورباتشوف إلى استنتاجه في مذكّراته بعد مراهناته الخرقاء على “التعاون الديمقراطي” مع الإمبراطورية الأميركية والدول الغربية إثر كارثة “البريستوريكا” و”الغلاسنوست” (الانفتاح وحرية التعبير…)، وهو أيضاً ما خلص إليه يلتسين الذي دمّر الاتحاد السوفياتي وكرّس الهيمنة الأميركية على العالم والمنظومة الدولية بسبب الانبهار بأوهام النموذج الأميركي للرفاهية والديمقراطية و”التعايش السلمي” (مذكرات مدير مكتب يلتسين سيرغي فيلاتوف). وقد ختم يلتسين رسالة استقالته باكياً بعبارة “سامحوني”، بعد أن سلّم بوتين الدفّة في العام 1999.
فخّ أوكرانيا

ردّاً على مساعي بوتين للاتفاق على “الأمن المشترك” ومنع خنق روسيا بحبال التوسّع، اختلق بايدن هستيريا الغزو الروسي بأي ثمن، فهو يأمل التضحية بأوكرانيا لجرّ روسيا إلى مستنقع حرب أهلية تؤدي إلى تحقيق الاستراتيجية الأميركية نحو قيادة العالم:

1 ــ انقسام أوكرانيا بين “أوكرانيا البولندية” غرباً و”أوكرانيا – روس” السلافية، كما كانت قبل الانتصار على النازية وتأسيس “جمهورية أوكرانيا الشعبية” في العام 1954، وربما تفتيتها إلى عدة دول انفصالية، بحسب سيناريو الدول المنفصلة بين العامين 1917 و1920.

2 ــ توحيد الجبهة العسكرية المحاذية لأوكرانيا تحت قيادة أميركا، في بولندا والمجر من الغرب، ورومانيا وملدوفيا من الجنوب والجنوب الغربي، وفتح جبهة على البحر الأسود وبحر آزوف في القرم.

3 ــ إحاطة روسيا بخناق من الأعداء في حلف الناتو الذي يتسلّح ويمتدّ من دول البلطيق إلى الدنمارك والسويد في الشمال، وضمّ فنلندا المحايدة إلى جبهة الحرب وسباق التسلّح.

4 ــ وضع اليد على أوروبا المنقسمة بين يمين متطرّف في أوروبا الشرقية وراء أميركا وبريطانيا، وأوروبا المتحفّظة على التصعيد العسكري، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا. وقد نجح بايدن بجرّ أوروبا كاملة إلى المربّع الأميركي، كما نجح بإحياء حلف الناتو بصيغة جديدة أوسع مما سبق.

أغلب الظن أنَّ روسيا لا تنجرّ إلى مستنقع الحرب ما لم يدفع بايدن إليها في دونباس أو غيرها، فلديها خيارات مواجهة الاستراتيجية الأميركية بما يتعدّى أوكرانيا الواقعة على صفيح حوض الدونباس الروسي، والذي يتحكّم في وجودها إذا فصلته روسيا عنها.

إنَّ ما كانت عليه أميركا سابقاً، وما ستكون عليه لاحقاً، ليس ممكناً من دون الاستراتيجية الأميركية للهيمنة على العالم. ولن يتسنّى لروسيا أو الصين مواجهتها باستراتيجية التعاون والدبلوماسية النشطة أو بالشراكة والمنافسة السياسية والاقتصادية؛ فبينما كانت روسيا تراهن على عدم عدائية أوكرانيا في “رابطة الدول المستقلّة” للتعاون مع أوروبا وأميركا “ومنظمة التعاون والأمن”، دفع الرئيس أوباما بانقلاب أوكرانيا في العام 2014 بعد فشل “الثورة البرتقالية” بين العامين 2004 و2006. وحين حاولت فرنسا وألمانيا إجراء تسوية لا تستفز روسيا في أوكرانيا، صاحت فيكتوريا نولاند: “فلتذهب أوروبا إلى الجحيم”.

لكبح الثور الهائج في غابة التوحّش، لا بدّ من إمساكه من قرنيه في البقية الباقية من إرث الاتحاد السوفياتي، ومن أطرافه في عالم الجنوب، حيث إرث حركات التحرّر والمقاومة. وإذا نجحت أميركا في شق طريق الهيمنة على “قيادة العالم” في روسيا، فلا ريب في أنها ستعيد التجربة الناجحة نفسها مع الصين في تايوان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.