ليس بجنيف وحده تحيا سوريا!

SYRIA-CONFLICT

موقع قناة سي أن أن ـ
علي شهاب:

لو حاولت التفكير جزافا، كمواطن لبناني، بعنصر ايجابي واحد للحرب الدائرة في سوريا المجاورة لقلتُ انه أخيرا صار هناك بلدٌ اسوأ من بلدي طائفيا!

ولا يظنّن أحد أني بصدد السخرية لمجرد السخرية مما يجري في هذا البلد الذي تمزقت تركيبته الاجتماعية تماما وسقط فيه عدد ضحايا قياسي في فترة قصيرة من الزمن نسبيا، بل إن ما أريد الإشارة اليه هو غياب أي مخطط محلي أو اقليمي أو دولي لمعالجة الظواهر التي أفرزتها الحرب، وساهمت في خلق مجتمع بل مجتمعات سورية هجينة يتقاذفها التعصب الطائفي والمذهبي، وتختلط فيها المصالح السياسية “بالمقدسات” الدينية وتسقط فيها المحرمات الانسانية والقيم الأخلاقية.

في الآونة الأخيرة قررت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان وقف محاولات إحصاء قتلى الحرب في سوريا حتى إشعار آخر، بسبب الوضع المعقد هناك.

على المستوى المحلي أيضا، صار تعداد القتلى خبرا ثانويا.. ما يرعب حقا في سوريا ليس مشهد الجثث، إنما واقع انها لم تعد تخف أحداً .

ظاهرة أخرى لا تقل خطورة تتمثل في نسبة الأطفال المشاركين في القتال، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها جماعات دينية متطرفة، حيث يمكن بسهولة مشاهدة صور العشرات من الاطفال المقاتلين (أحياء وقتلى) الذين تُنشر صورهم على تويتر بدافع التعبئة من قبل الجماعات التي تستغلهم.

ولأن الفساد في الحكم كان أحد العوامل التي انتفضت من أجلها المعارضة غير المسلحة، فإن هذه الظاهرة لم تنحسر بالتأكيد مع اندلاع الازمة، بل اتخذت اشكالا أكثر بشاعة واتسعت لتنتشر في المستوى الشعبي بعد ان صار العنف سبباً موجباً للحياة.

ويمكن مراجعة القصص المتواترة على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي عن الغدر والخيانة لدى جميع الاطراف المتنازعة لمعرفة مدى تغلغل هذه الظاهرة في وعي المجتمع السوري الذي تنخره أيضا المذهبية والطائفية بشكل غير معهود، حتى بات الفرز الطائفي واقعاً مكرساً ومعلناً يهدد بتفجير المنطقة بأسرها.

(على سبيل المثال: كان لافتا توقع تقرير صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب في العام 2011 ومع بداية الازمة السورية أن يؤدي الوضع السوري الى تحرك جماعات سلفية في لبنان في هجمات ضد حزب الله).

ومع تزايد الحديث عن استعداد الدول المعنية لتقاسم حصص بناء سوريا، فإن نفس عملية إعادة البناء تحتاج الى إدارة مختلفة عن تلك التي شهدتها البلد في حالات السلم. ولن يكون بإمكان أي طرف، سواء في المعارضة او النظام، تغطية أي فساد يرتبط بقضية وطنية بحجم الاعمار بعد فاتورة الدم الكبيرة التي دفعها الشعب الذي صار أيضا مقسوماً طبقياً بفعل معاناة الفقراء تحديدا من قضية النزوح الداخلي والخارجي.

ومع غياب سلطة الدولة، تشير تقارير الى أن سوريا تحولت الى أكبر دولة منتجة ومصدرة لحبوب “الكبتاغون” المضادة للكآبة في المنطقة .

بحسب احصاءات السلطات الامنية اللبنانية، فقد تم مصادرة 12.3 مليون قرص كبتاغون في العام 2013 وحده كانت مهربة من سوريا الى الخليج عبر لبنان.

ولا يقتصر الأمر على الصناعة والتصدير، بل إن استهلاك المخدرات عموماً بات ظاهرة اعتيادية في مناطق واسعة في سوريا.

وتطول قائمة المعضلات التي أفرزتها الأزمة السورية منذ اندلاعها قبل نحو ثلاث سنوات، من دون ان تلحظ المساعي الدولية حتى الساعة أي اشارة الى ضرورة ايجاد مبادرات اجتماعية ونفسية وتربوية واعلامية تحاكي عملياً العناصر المتجذرة التي تشكل حقيقة المأزق امام اعادة بناء سوريا الجديدة (أيا كان شكلها النهائي بفعل التسوية السياسية).

امام هذا الواقع المظلم، تجمع الاطراف المتنازعة على طول الازمة السورية. كان لافتا مثلا ان وزير الدفاع الاسرائيلي قد اشار في آب \ أغسطس من العام 2013 الى ان “الحرب في سوريا لن تنتهي في القريب حتى وان رحل النظام”، وهو ما يتقاطع مع التوجه العام في خطابات أقطاب النظام السوري وحلفائه الذين يتجنبون توقع قرب انتهاء الازمة، في مشهد يعكس ادراك الجميع لصعوبة الموقف.

ومع تشبث الأطراف المحلية المتصارعة بمواقفها لناحية اعتبار المعركة رهن النزاع على الجغرافيا والسلطة، فإن اللعبة باتت أسيرة حالة مراوحة يعجز الجميع فيها عن تحقيق أي فوز؛ فالمعارضة وحلفاؤها لن يعودوا الى الوضع الذي كان سائدا قبل العام 2011، والنظام لا يزال يتمسك بذهنية الحكم نفسها على الرغم من هامش البراغماتية الكبير الذي يمارسه حلفاؤه أخيرا (الحوار الايراني – الاميركي على سبيل المثال).

حتى الأمس القريب، كان السياسيون في لبنان يحذرون من “العرقنة”، في معرض التنبيه من انفلات الاوضاع في البلاد، لكن المفارقة أن العديد من السياسيين العراقيين اليوم يشددون على ضرورة عدم تحويل العراق الى سوريا ثانية!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.