ماذا وراء المراوغات الأميركية مع العراق؟

صحيفة الوفاق الإيرانية-

عادل الجبوري:

كشفت صحيفة “ميدل ايست اي” البريطانية قبل بضعة ايام، عن نية الولايات المتحدة الاميركية ارسال الفي جندي من مشاة الفرقة الرابعة الى العراق، ليحلوا محل اللواء القتالي 256 التابع لقوة الحرس الوطني الاميركي لمدة تسعة اشهر.

وفي تعليقها حول ما نشرته الصحيفة البريطانية، قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) جيسيكا إل ماكنولتي، “إن نشر وحدة فرقة المشاة الرابعة لتحل محل الوحدة المغادرة كان جزءاً من التناوب الطبيعي للوحدات لدعم استمرارية قوة المهام المشتركة لعملية العزم الصلب، وأن القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق باقية بدعوة من حكومة العراق لدعم القوات العراقية وهي تواصل قيادة القتال ضد داعش”.

هذه الخطوة تعزز الى حد كبير مجمل المؤشرات الذاهبة الى ان الولايات المتحدة ستماطل وتراوغ بأقصى قدر ممكن في موضوع انسحابها من العراق، لا سيما بعد ما خلفه انسحابها الفوضوي المرتبك من افغانستان من آثار وانعكاسات سلبية عليها، وهو ما وسع مساحات الجدل والسجال داخل دوائر القرار الاميركي، واطلق التحذيرات من تكرار ما حصل في افغانستان.

تصريحات.. حول البقاء

ولعل عودة سريعة الى تصريحات اميركية سابقة، توضح بعض الشيء حقيقة وطبيعة توجهات ونوايا وطريقة تفكير اصحاب القرار ومراكز الابحاث والدراسات القريبة منهم.

ففي اواخر شهر نيسان/ ابريل الماضي، خرج رئيس قيادة القوات المركزية الاميركية الجنرال كينيث ماكينزي بتصريح لوسائل الاعلام، كشف فيه عن عدم وجود خطة للانسحاب من العراق، كما هو حاصل مع افغانستان، واكثر من ذلك، اكد انه “لن تخفض الولايات المتّحدة عدد قواتها في العراق، بناءً على رغبة الحكومة العراقية في بغداد، وقد تزيدها”، هذا في الوقت الذي لم ينس فيه الجنرال الاميركي اطلاق التحذيرات مما اسماه بخطر النفوذ الايراني، في اشارة الى الحشد الشعبي، الذي لم تفتأ واشنطن تبذل المساعي والجهود المحمومة من اجل حله وتذويبه ضمن المؤسسات الامنية الحكومية، كوزارتي الدفاع والداخلية.

وعلى هذا المنوال، تواصلت التصريحات والمواقف الاميركية من قبل ساسة وقادة عسكريين وأمنيين، رغم التأكيد العراقي الرسمي وغير الرسمي على ضرورة انهاء التواجد الاجنبي من ارض البلاد.

وبينما كان مأمولا ان تتغير الامور بعد رحيل دونالد ترامب الجمهوري، ومجيء جو بايدن الديمقراطي، الا انه من الناحية الجوهرية، لم يتغير شيء البتة، وبقيت الامور تدور في حلقة مفرغة من المناورات الاميركية المخادعة، واساليب التسويف والمماطلة، من اجل كسب الوقت، وتخفيف الضغوطات السياسية والشعبية العراقية، والحد من استهداف المقاومة للوجود الاميركي في عدد من المطارات والقواعد العسكرية في العاصمة بغداد ومدن اخرى كالانبار وصلاح الدين واربيل.

وتصريح ماكينزي في عهد بايدن، لم يختلف عن تصريح وزير الخارجية السابق مايك بومبيو في عهد ترامب، حينما قال: “إنَّ الولايات المتّحدة تتطلّع إلى متابعة عملها في العراق”.

هذا الى جانب مراكز الابحاث والدراسات الاستراتيجية التي يديرها ويشرف عليها دبلوماسيون وقادة عسكريون وأمنيون متقاعدون، والتي لا تتوقف عن عرض ومناقشة وتحليل أسوأ الخيارات والاحتمالات جراء الانسحاب الاميركي من العراق. ولعل معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، يعد مثالا واضحا وجليا على ذلك، فهو على مدار اعوام، لا يمر اسبوع الا ويخرج علينا بمقال او دراسة بهذا الشأن، فقبل اكثر من عام، نشر المعهد مقالا تحت عنوان: (العواقب الوخيمة للانسحاب الاميركي من العراقي) جاء فيه: “لن يضمن إنهاء الوجود الأمريكي في العراق أمن البلاد واستقرارها.. وقد يدعم طرد القوات الأمريكية من العراق ما تبقى من عناصر “داعش” ويعرقل محاربة منظمات إرهابية أخرى.

ومؤخرا، أي قبل ايام قلائل، تناول المعهد المذكور موضوع الانتخابات بصورة تشاؤمية للغاية، مشيرا في مقال تحت عنوان: (الخوف من مرحلة ما بعد الانتخابات: هل سيشتعل برميل البارود في العراق؟)، الى “أن هناك قلقاً من احتمال حصول اضطرابات أمنية أو سياسية. إن هذا يتطلب من الحكومة العراقية ومن القوى السياسية الاستعداد لخريف وشتاء ساخنين. وما لم تكن القوى السياسية مستعدة لتقديم تنازلات مشابهة لتلك التي قدمتها لتهدئة الشارع أو حتى أكثر من ذلك، فان الموقف قد يتطور الى ما لا تحمد عقباه”.

المرواغة مستمرة..

ومن يقرأ ما بين طيات هذه السطور، سيجد دعوة مفادها اهمية وضرورة بقاء القوات الاميركية في العراق لضبط الامور ومنع الانزلاق نحو الفوضى، في ذات الوقت.

وربما يكون السيناريو الفاشل والفاضح للانسحاب الاميركي من افغانستان اواخر شهر اب/ اغسطس الماضي، قد دق جرس الانذار في اذان صناع القرار في البيت الابيض والدوائر الاخرى في واشنطن، ونبههم الى اهمية اعادة النظر ومراجعة كل حيثيات ومتطلبات وتبعات الانسحاب من العراق.

ومرة اخرى نعود الى معهد واشنطن، الذي نشر اواخر الشهر الماضي، مقالا تحت عنوان (من افغانستان الى الشرق الاوسط.. تداعيات الانسحاب الاميركي وانتصار طالبان)، انطوى على تحذيرات من فقدان مكانة وموقعية وتأثير اميركا مستقبلا، اذ جاء فيه: “لا يخفى أن الأوضاع الراهنة تحفل بالتحديات. فانسحاب أمريكا قد يقوض مصداقيتها في شراكاتها الأمنية العالمية، بما فيها شراكاتها في الشرق الأوسط. كما أن طبيعة الانسحاب المشوبة بالاضطرابات تسلط الضوء على التكاليف المترتبة على إنهاء الالتزامات الجارية. ولعل هذه اللحظة تتيح التفكير في العيوب التي تلفت إليها الانتقادات الشائعة لما يسمّى “الحروب الأزلية”… في الوقت نفسه، للعلاقات الإقليمية القوية فوائدها، وإحداها هي أن أوقات الأزمة تشكل فرصة لتعزيز المصالح المتبادلة. من هنا، عند التطلع إلى المستقبل، يجب على إدارة بايدن التركيز على الخطط القابلة للتنفيذ والداعمة للشركاء في الشرق الأوسط، على غرار إطلاق البرامج المشتركة أو تعزيز التعاون في المجال السيبراني. وفي العراق بشكل خاص، أكدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على مصلحة مشتركة في تحقيق الأمن والاستقرار عبر مهام التدريب والتجهيز وتكثيف وجود الناتو”.

واغلب الظن ان واشنطن ستتخذ خطوات واجراءات عملية، استنادا الى التعهد الذي قطعته لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال زيارته لها اواخر شهر تموز/ يوليو الماضي، بسحب كل قواتها القتالية بنهاية العام الجاري، كأمر واقع (مرغم اخاك لا بطل)، الا ان ما ينبغي التحسب له، هو هل انها ستحزم حقائب جنودها وتغلق ابواب معسكراتها وقواعدها وتسلم مفاتيحها للعراقيين وينتهي كل شيء، ام انها سوف تبحث عن حجج وذرائع اخرى وغطاءات وعناوين جديدة للعودة، علما ان خروج قواتها القتالية يعني بقاء المئات او الالاف تحت عنوان الاستشارة والتدريب، وبقاء او عودة اعداد اخرى تحت راية “الناتو”، ناهيك عن عدم استبعاد فرضية اعادة تسويق وتمكين الجماعات الارهابية المسلحة ايا كانت مسمياتها.

وعن ذلك، يؤكد النائب عن تحالف الفتح مختار الموسوي “أن الولايات المتحدة غير جادة بالانسحاب من العراق، والأنباء التي نشرتها الصحيفة البريطانية تؤكد ما تحدثنا عنه سابقاً بشأن عدم جدية أميركا بإخراج قواتها من الأراضي العراقية”.

ومثل تلك التصورات والاستنتاجات والقناعات، باتت واضحة لدى طيف سياسي واجتماعي ونخبوي واسع، الامر الذي يستدعي ان تكون هناك وقفات ومواقف ومبادرات جادة وحازمة، لافشال المراوغات الاميركية، وفرض الخيارات والارادات الوطنية، لانه بدون ذلك ستبقى البلاد غارقة في المشاكل والفساد والازمات، والتناحر والصراعات.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.