متى تُحارب أمريكا الإرهاب فعلاً؟

hassan-choukeir-daesh

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:

لم نكن يوماً  مع التفاؤل المفرط ، ولا مع التشاؤم للتشاؤم ، فيما يشغل العالم اليوم من موقف أمريكي مستجد تجاه الإرهاب … فلقد عشنا هذه المحطة – ولو بشكل أقل – قبيل انعقاد مؤتمر جنيف ٢ في مطلع العام 2014 ، فلقد طرحت  في حينه، في مقالة عنونتها ب” تساؤلات كبرى للزمن الوردي … فهل من مجيب ؟ ” ، مجموعة ً من التساؤلات ، تنطلق من السياسية ، فالإقتصادية والأمنية ، وصولا ً إلى الثقافية …. هذا فضلا ً عن “تساؤلات الصفقة الكبرى” ، والتي اعتقد البعض بحصولها ، وذلك فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية ، والصراع العربي – الصهيوني برمته …!
وهذا كله لم يحصل بالفعل ..
اليوم نطرح في هذه المقالة، إشكالياتٍ جديدة ، تتمحور حول  قضية  مركزية  تشغل  بال الكثير من المتابعين ، وتحيّر  أخرين منهم …. فحواها : هل فعلا ً دخلت أمريكا في عصر محاربة الإرهاب؟ وهل هي اليوم في طور التأسيس لشراكات مع “أعدائها” بغية محاربته؟ وهل فعلا ً قد آن أوان لفظه من العوامل الحيوية للإستراتيجية الأمريكية؟
بناءً لمنطق لعبة السياسة الدولية، والقائمة – في إحدى جوانبها الرئيسية – على المصالح، والتي لا مكان فيها للعواطف، يمكننا أن نرصد مجموعة من المحددات الأمريكية، والتي يمكن لها أن تُغيّر فعلا، لا قولا ً،  الإستراتيجية والسياسات الأمريكية برمتها في المنطقة.
– محددات الارتداد : لعل أخطر ما يمكن أن تحسب حسابه أمريكا، في موضوع الإرهاب، هو خطر ارتداده عليها، كونه يتعلّق بأمنها القومي الداخلي …
من هنا، وانطلاقاً من التعاطي مع هذا المحدد من زاوية واقعية ، يمكننا من خلالها أن نتلمس الوجهة الحقيقة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإرهاب… لا بل أننا نستطيع حينها أن نستشرف الإنعطافة الكبرى للإستراتيجية الأمريكية فيما خص الإرهاب، والتي تعتمد على استغلاله واستثماره على حد سواء..
السؤال الكبير: هل وصل خطر الإرتداد الإرهابي فعلا ً إلى العنق الأمريكي؟ وهل أن أمريكا قلقة اليوم من ارتداد إرهابي مقنّع، يتواجد في أراضيها بفعل تأثير إرهابيي الخارج على بعض من مشاريع الإرهابيين في الداخل الأمريكي، والذين ينتظرون ساعة الصفر من ملهميهم في الخارج، للإنقضاض على أمريكا من الداخل؟
هذان التساؤلان يدفعان بقوة نحو تساؤلات مستولدة منهما… فهل أن أمريكا التي حددت بدقة أعداد الأمريكيين الذين شجعتهم على الإنطلاق نحو “أرض الجهاد” الجديدة في سوريا، وأمنت لهم الوصول الآمن إليها، وذلك عبر شركائها من الدول الحليفة لها في الجوار السوري، وسمحت بشكل أو بآخر بتدريبهم وتسليحهم، ونفثهم في كل من سوريا، ولاحقاً في العراق، ووو … هي اليوم أمريكا نفسها العاجزة عن اكتشاف الوسيلة لمنع ارتدادهم إليها، أو هي أمريكا نفسها، والتي تتباهى بأنها تمتلك أكفأ جهاز استخبارات في العالم … قد أضحت اليوم كفيفة وصماء عما يدور بداخلها، وهي التي تباهت منذ أحداث الحادي عشر من أيلول من العام ٢٠٠١، بأنها قد انقضت على مخابئ الإرهابيين في الداخل والخارج على حد سواء !!! وهل أنها فعلا ً انعدمت الوسيلة لديها في كيفية صرف هؤلاء عن طرق أبوابها ، بعد أن كانت تطرق أبواب جحورهم في شتى بقاع الأرض!!!
باختصار محددات الإرتداد –  لغاية اليوم – ، ليست مقنعة البتة.
– محددات الوصول: زعمت داعش، في سبيل “الإستفتاءات” التي انهالت عليها، بغية معرفة موقفها اللامفهوم “كدولة إسلامية”، عن سبب إشاحتها النظر عما يجري على المسلمين في غزة، من جرائم يرتكبها الصهاينة بحقهم، وذلك في عدوانهم المتواصل عليهم…!
لم تتأخر داعش ، وعبر أكثر من وسيلة، بالرد على ذلك وتبريره ، بأن ” قتال اليهود ليس بأولوية اليوم … إنما الأولوية في القتال، تنحصر في هذه المرحلة على الروافض، والطغمة الحاكمة من الحكام الطغاة في العالم الإسلامي .. ”
إذاً ، لو سلمنا أن أمريكا لا تُكذّب منطق داعش، وتعتقد به فعلا ً… فإن المنطق يفرض أن أمريكا اليوم تهبُّ وتُجمع الحلفاء و” الأعداء” على حد سواء خلفها، لمحاربة داعش ، لأن خطر هذه الأخيرة ، قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الكيان الصهيوني، وذلك لأنها في نهاية المرحلة الأولى من قتالها للفئة الأولى أعلاها .. لا بل أنها تتوثب لبدء المرحلة الثانية من قتالها على أرض فلسطين ضد الصهاينة !!!!
واقع الأمر مخالف تماماً لهذا المحدد ، فلا داعش قضت أو تكاد تقضي على الروافض، ولا على أنظمة الحكم التي تحتضنهم … ولا هي أيضاً تكاد تنتهي من القضاء على الممالك والإمارات التي تسير في الحلف الأمريكي… لا بل أن مسار الأمور ينئ بهجمة ارتدادية – أقله من محور الممانعة – ضد داعش وتمددها، هذا فضلا ً عن رسم الخطوط الحمراء لها من قبل واشنطن، بألا ّ تقترب من حلفائها ومصالحها على حد سواء…
– محددات التعاكس: لقد فندنا في أكثر من مقالة سابقة بأن الإرهاب، وداعش تحديداً، هو رافعةٌ  للبازل الصهيوأمريكي في المنطقة، إنطلاقاً من مربع الدولة، فمربع الجيش ومربع الجماهير … وقد توصلنا إلى أن داعش تتماهى بشكلٍ يكاد يتطابق في كونها أداة تنفيذية قوية ، لما رسمته مراكز الدراسات والأبحاث الصهيوأمريكية لهذه المربعات الثلاث، في ضرورة تفتيتها وإضعافها وتصنيفها على أساس مذهبي وليس سياسي … خدمةً لمشروع الصهيونية الأم في يهودية الدولة …
إنطلاقاً من تلك الإستنتاجات، فهل أن داعش اليوم انقلبت بين ليلة وضحاها على كل ما تحارب لأجله؟
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، هل داعش اليوم تُعيد الإعتبار لمفهوم الدولة الوطنية؟ وهل داعش بأفعالها تجعل من الجيوش التي تحاربها أكثر تماسكاً وقوة؟ أم أنها ما زالت تُضعفها وتستنزفها على الدوام.. وهل داعش بأفعالها الشنيعة بالأقليات المختلفة في المنطقة، تجعل من هذه الأخيرة أكثر اندماجاً مع مواطنيها من الأمة الإسلامية، والتي تدعي داعش نصرتها، وهي تُشجعها على عدم تركها للجغرافيا المشتركة بينهم؟ أم أن كل ذلك يحدث ما هو عكسه تماماً اليوم … ونكرر خدمةً ورافعة للبازل الصهيوأمريكي في المنطقة… الإجابة برسمكم .
إذا، كل ما تفعله داعش اليوم ، لا يتعارض أو يتعاكس مع المخطط الصهيوـ أمريكي في المنطقة، وذلك لتعويم مشروع يهودية الدولة …. فلماذا إذاً تقضي عليها أمريكا وتتراجع أمام “أعدائها”، فهل تحولت هذه الأمبراطورية الهرمة إلى كاريتاس سياسي؟ لا يمكن التفكير بذلك .
– محددات المغريات: لو افترضنا أن داعش في حربها على محور الممانعة ، قد أوصلت هذا الأخير إلى مرحلة من النزف والجراح، لم يعد معها قادراً على الإستمرار بذلك مطلقاً … وإذا تابعنا في هذه الفرضية،  بأن هذا المحور قد أصبح بفعل هذه الجراح التي أثخنته، مجبراً على الإختيار بين طوقين لنجاته، الأول يتمثل بالتسليم لداعش وإعلان الولاء لها … وهذا محالٌ ، لأن داعش لا توبة لأحدٍ عندها في كل من يخالفها بكافة أنواع معتقداتها …. فلا يبقى ساعتئذٍ إلا ّ التمسك بطوق النجاة الثاني، والذي يتمثل بعقد صفقة العصر مع أمريكا والكيان الصهيوني … تكون في عناصرها ، مغرياتٌ عظيمة لهما … وبالتالي ، يمكن أن يستجيبا عندها للإستجداء الممانع في التكاتف معه للقضاء على الإرهاب…. !!!
هل الميدان اليوم على الأرض ، يُدلل على أن هذه الفرضية حقيقة واقعة … أم أنها لا تزال في طور الخيال؟ فإذا كانت الإجابة الأصح والأدق هي الثانية … وهذا هو الواقع ، فلماذا إذاً يرتمي محور الممانعة في الحضن الصهيوأمريكي للقضاء على داعش؟ فهل هذه الصفقة لها ما يبررها اليوم عند هذا المحور … الإجابة بالتأكيد هي ، بالنفي .
– محددات التصالح والإنجاز: تُختصر عناصر هذه المحددات على ركيزتين أساسيتين، تجعلان من أمريكا تتخذ قراراً مبرما في محاربة الإرهاب والقضاء عليه .. ألا وهما، أن الأولى تتمثل في عقد صلح وحلف ما بين محور الممانعة والدواعش، وذلك لمحاربة الصهيونية والأمبريالية معاً … أما الثانية فتتمثل بأن هذه المجاميع الإرهابية قد أنجزت اليوم المطلوب منها إنجازه أمريكياً وصهيونياً … ولأجل ذلك اتخذت أمريكا قرارا ً بالقضاء عليها ، وذلك قبيل مطالبتها من قبل هذه المجاميع بسداد الفواتير لهم …
هاتان الركيزتان أيضاً ، ليس لهما وجود على أرض الواقع ، فلا يمكن أن يجتمع الخير والشر في خندقٍ واحد … ولم ولن يُؤتي الشر ثماره أبداً …
خلاصة القول، ولنبقى في إطار الواقعية والمنطق، فإذا لم تتحق النسبة الأكبر من هذه المحددات على أرض الواقع ، فإن “صحوة” أمريكا في مواجهة الإرهاب ما هي إلا  استلحاق،  يصاحبه العديد من المحاذير والأفخاخ….. فطريق محاربة الإرهاب والقضاء عليه واضحة وجلية في خطابي سوريا وإيران … فهل فعلا ً ستسلكها أمريكا … المنطق لغاية اليوم ، يقول بخلاف ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.