محلل بريطاني في دمشق: من المحتمل ان قوات الأسد تكسب الحرب في العاصمة السورية غير متأثرة بتهديدات اوباما

Syrian army in homos

 

نشرت صحيفة “ذي اندبندنت” البريطانية اليوم الخميس مقالاً لكبير مراسليها في الشرق الاوسط المحلل روبرت فيسك بعث به من دمشق يروي فيه شهادات تشكك في ان يكون الجيش السوري النظامي هو الذي اطلق قذائف غاز سام يوم 21 آب (اغسطس) الماضي. وهنا نص التقرير:

“وهكذا تستمر الحرب. الانذارات من الصواريخ يمكن ان تكون قد انتهت، ولكن حقول القتل ما زالت باقية، لا تمسها تهديدات اوباما الباهتة او جدية سيرغي لافروف. الجيش السوري يواصل القتال في الانقاض، والقذائف تطير فوق دمشق، والطريق من لبنان ما زالت حافلة بنقاط التفتيش. ولا تلاحظ إلا عندما تصل الى المدينة عدد الناس الذين بنوا بوابات حديد للحراسة امام بيوتهم وبوابات حديد لمرائب السيارات. ومن المحتمل ان الادعاء القائل بان 40-50,000 من المتمردين يحيطون بالعاصمة غير صحيح ولكن هناك ما يصل الى 80,000 من رجال الأمن والجنود داخل دمشق، ومن الممكن انهم يفوزون على جبهة المعارك هذه.

انها حملة بدأت قبل وقت طويل من استخدام غاز الـ”سارين” يوم 21 آب (اغسطس) واستمرت لمدة طويلة بعد ذلك. ولكن في الليلة المشؤومة، شن الجيش السوري احدى اشد عمليات القصف ضراوة على مناطق المتمردين. وقد حاول، في 12 هجوماً منفصلاً، وضع قوات خاصة داخل الجيوب التي يوجد فيها المتمردون، بمساندة من نيران المدفعية. وشملت هذه الهجمات ضاحيتي حرستا وعربين.

كنت اتجاذب اطراف الحديث امس مع صديق سوري قديم، وهو صحافي كان قد خدم في القوات الخاصة في البلاد وقال – بمحض الصدفة – انه كان مرافقاً للجنود الحكوميين السوريين ليلة 21 آب (اغسطس). كان هؤلاء رجالاً من الفرقة الرابعة – التي يقود شقيق الرئيس ماهر احد الويتها – وكان صديقي في ضاحية المعضمية – موقع احد الهجمات الكيماوية. وهو يتذكر القصف المدفعي الهائل ولكنه لم ير اي دليل على استخدام الغاز. كانت هذه احدى المناطق التي كان الجيش يحاول ان يدخِل فيها رؤوس جسور في مناطق المتمردين. وما يتذكره هو قلق الجنود الحكوميين عندما رأوا الصور الاولى لضحايا الغاز على التلفزيون – وخشيتهم من انهم قد يضطرون هم انفسهم للقتال وسط سحب دخان سامة.

يحمل افراد القوات السورية على الخطوط الامامية اقنعة واقية من الغازات ولكن لم يشاهَد اي منهم حاملاً اي اقنعة. وقال صديقي: “المشكلة هي انه بعد (الحرب في) ليبيا توجد اسلحة روسية كثيرة وقطع مدفعية مهربة الى داخل سوريا الى درجة انك لم تعد تعرف ماذا يوجد لدى اي شخص. الليبيون لا يستطيعون انتاج نفط كافٍ ولكن من المؤكد ان بوسعهم تصدير كل معدات القذافي”. ولكن هذا لا يشمل بالضرورة غاز الـ”سارين”. كما انه لا يعفي الحكومة السورية. ويقال ان بروتوكولات استخدام الغاز والصواريخ صارمة جداً في سوريا، ولذلك نعود طبعاً الى السؤال القديم: من الذي أمر باطلاق تلك الصواريخ خلال ليلة 21 آب (اغسطس) الرهيبة؟

بعض الاسئلة مألوفة. لماذا يستخدم الغاز بينما يجري قصف قوات الثوار في انحاء البلاد باسلحة اشد فتكاً بكثير؟ اذا ارادت الحكومة استخدام الغاز، فلم لا تستخدمه الى الشمال من حلب حيث لا يوجد جندي حكومي واحد؟ لماذا في دمشق؟ ولماذا لم يستخدم الغاز على هذا النطاق في السنتين السابقتين؟ وما الحاجة لاستخدام سلاح مرعب كهذا عندما تكون النتيجة النهائية هي ان سوريا – بتخليها عن مخزوناتها من الاسلحة الكيماوية – قد فقدت عملياً احد دفاعاتها الاستراتيجية ضد غزو اسرائيلي؟ لا عجب، كما قال صديق سوري آخر لي الليلة الماضية، في ان وزير الخارجية وليد المعلم بدت على وجهه علامات الصدمة عندما اصدر اعلانه في موسكو. اليست اسرائيل هي الرابحة من ذلك؟

من المرجح جداً ان اسرائيل هي الرابحة ايضاً في الحرب الاهلية السورية، بينما يجري تحطيم وتدمير جارتها التي كانت عظيمة في وقت من الاوقات جراء صراع يمكن ان يستمر لسنتين اخريين. لم تكن سوريا دولة غنية ابداً، ولكن اعادة إعمار مدنها المحطمة وسككها الحديد وطرقها ستستغرق سنوات كثيرة. الشائعات في دمشق اكثر سماكةً من الدخان الذي يغلف جزءاً من المدينة. ومن احدثها طلب غربي مزعوم بأن تشكَل حكومة سورية من 30 وزيراً – منهم 10 شخصيات من النظام وعلى الاقل 10 آخرون من المستقلين – وانه يجب اعادة هيكلة الجيش واجهزة الأمن بصورة كاملة. وبما ان الغرب لم تعد لديه وسيلة لفرض مثل هذه الخطط الطموحة، فان هذا كله يبدو غير مرجح. ما لم يكن الروس ايضاً مؤيدين للفكرة.

الى الشمال من دمشق، صارت قوات “جبهة النصرة” بعيدة الآن عن بلدة معلولا القديمة، المسيحية جزئياً، التي استردتها الفرقة السورية المدرعة الثالثة. ولكن هذا يطرح سؤالاً آخر. لماذا اقدم مقاتلو “جبهة النصرة اصلاً على احتلال معلولا اذا لم تكن لديهم نية للبقاء فيها؟ هل ظنوا ان النظام السوري سيكون اهتمامه منصرفاً الى فكرة هجوم اميركي بحيث يفقد الارادة لاخراجهم؟ من المحزن ان الجانبين كليهما توقفا عن الاهتمام بالاسلحة التي يستخدمانها او عدم اخلاقية استخدامها. وعندما يستطيع مقاتل اسلامي تصوير نفسه وهو يأكل لحم جندي ميت، يكون كل وازع قد ذهب.

وهنا فكرة اخيرة. قبل مدة غير طويلة، قتل متمردون في دمشق امرأةً من حرستا. احد ابنائها يخدم الآن في الجيش السوري. لم يلمس في حياته قط او يطلق غازاً. ولكن كما قال لي احد اقاربه، “اذا تلقى امراً، فلن يكون لديه ادنى تردد. انه يتمنى ان ينتقم لنفسه من اولئك الذين قتلوا والدته الحبيبة”.

 

المصدر: موقع القدس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.