مرض التملق في البلدان المتخلفة

toufick-rikani-takhallof

موقع إنباء الإخباري ـ
توفيق الريكاني:
التملق مرض قديم، تاريخه يعود الى العصر الجاهلي، عندما كان الشعراء يتملقون لبعض الحكام في سبيل الحصول على بعض الدنانير.
و بمرور الزمن، تطور هذا المرض وبدأ يتغلغل في الجسم أكثر. من قرأ التاريخ يعرف كيف كان الحكم في مدينة الكوفة بعد مقتل الإمام علي. في كل شهر كان هناك حاكم على المدينة، وأهل الكوفة كانوا يصفقون له، سواء أكان الحاكم علوياً أو أمويا أو تابعاً لابن الزبير.
لو نأتي إلى العصر الحديث، نرى التملق بشكل مختلف. هذا المرض في عصرنا أصبح  أكثر شدة وأكبر خطورة، لأن عدد المتملقين أصبح أكثر، وذلك لأن المسؤول في بلداننا يحب أن يتملق له الناس وأن يصفقوا له و يطلقوا الهتافات باسمه. حتى الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين أصبحوا متملقين. ترى مثقفاً يكتب المقالات  لرئيس أو سياسي، ولكن بين ليلة وضحاها ترى ذلك المثقف يكتب ضد ذلك الرئيس أو السياسي، لأن الرئيس لم يعد في الحكم ولا يعطي المكافآت للمثقف.
لاشك أن التملّق هو مرض البلدان المتخلفة، ذلك أنه يمكن أن يكون نافعاً لأناس لا يحكمهم قانون أو دستور، إذ أن الرئيس في هذه البلدان هو الكل بالكل، وكذلك رئيس الدائرة ، وحتى مختار المحلة، فهو الذي يصنع القانون في بلداننا وهو الذي يتلاعب بمقدرات الناس. وأتذكر في زمن بعض الطغاة كان المختار يهب الحياة أو يحرمها من أناس، ذلك أنه لو كتب على أحدهم تقريراً يتهمه بالإنتماء إلى طائفة أو حزب، فهو بذلك قد حكم عليه بالإعدام.
وعندما يصبح لدى هؤلاء الأفراد صلاحيات واسعة في تقرير مصير الناس، فإنه بلاشك سيشيع مرض التملّق بشكل واسع، حيث يبدأ الناس بشكل متدرج بالتملق أولاً لمختار المحلة ثم للموظف الحكومي وبعد ذلك لرجال الشرطة، وهكذا ترتقي مستويات التملق مع ارتقاء درجة ومستوى الشخص المسؤول أو الفرد المعني بأمور الناس، وربما يكون هذا الشخص هو أقل مستوى من ناحية الرتبة أو المنزلة الاجتماعية من مختار المحلة، لكنه يحظى بدرجة عالية من التملق من قبل الناس بما يملكه من قدرة وصلاحيات واسعة في التحكم بمصائر الناس، كرجل الأمن أو العنصر في المخابرات، فهؤلاء الأشخاص كانوا يمتلكون صلاحيات واسعة في الشارع العراقي، ولهذا كان الناس يتملقونهم لدفع أذاهم.
حالة النفاق والتملق إنما تنتشر في وسط بيئة مريضة ساعدت على نمو وانتشار هذا المرض، وهي بيئة اللاقانونية واللا دستورية، كما هو الحال في العراق.
عادةً ما يرغب المسؤولون، سواء أكانوا رؤساء أم مدراء وأيضاً أحزاباً بأن لا تُقرّ في البلدان التي يحكمونها قوانين ودساتير، ولذلك هم يستفيدون من دساتير مؤقته أو يخضعون بلدهم إلى الأحكام العرفية، وحالة الطوارئ أو عدم تصديق ميزانية الدولة من قبل البرلمان، وهذا يسمح لهم بالتصرف بالأمور كما يحلو لهم، ومن دون رعاية أو خوف من قوانين تردعهم. فالرئيس أو الوزير أو المسؤول الذي لم يدع له القانون فرصة التلاعب والإستفادة من أي منصب لمصلحة نفسه أو الأشخاص المقربين إليه، فإنه لن يتمكن من مخالفة القوانين، كما لن يستطع الأفراد المتملقون الاستفادة من موقعية ذلك المسؤول للحصول على المكاسب والإمتيازات المختلفة، لأن حتى المسؤول مقيد بمحدوديات تمنعه من التطاول على القانون. وعلى أمل أن يأتي اليوم الذي ينعم فيه الناس بالحياة الكريمة وفق قيم القانون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.