من المسؤول عن أزمة الغذاء العالمية؟

موقع العهد الإخباري-

د. محمود جباعي:

يسعى الغرب ومعه الولايات المتحدة الأميركية إلى تحميل روسيا وحدها السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار في سوق الغذاء العالمية بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا. ويهدف هذا الاتهام المباشر لروسيا الى رفع أوروبا وأميركا المسؤولية عنهما بعد السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة المتبعة من قبلهما أثناء تصديهما لتداعيات أزمة فيروس كوفيد 19 التي عصفت بالعالم ككل وخاصةً من قبل الولايات المتحدة التي ساهمت سياساتها النقدية في تأجيج نار التضخم المالي العالمي بفعل الطباعة غير المدروسة للدولار الأميركي دون ضمانات حقيقية. وقد وصلت عملية الطباعة هذه الى حدود ترليوني دولار من أجل تغطية العجز المالي والحاجات الصحية والاجتماعية على أنواعها.

هذه الاسباب دفعت روسيا الى رفض الاتهامات الموجهة ضدها من خلال تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكد أن روسيا لا تمنع تصدير الحبوب من أوكرانيا كما يشيع الغرب بل هي مستعدة لضمان خروج الصادرات الأوكرانية بشكل آمن من موانىء بحر آوزوف، مؤكداً أن أوكرانيا تستطيع تصدير 5 ملايين طن من القمح و7 ملايين طن من الذرة وهذا من شأنه المساهمة في خفض حدة أزمة الحبوب على الصعيد العالمي.

العقوبات الغربية سبب رئيسي للأزمة

منذ بداية الحرب في أوكرانيا عمد الغرب الى فرض عقوبات اقتصادية ومالية غير مسبوقة في التاريخ على روسيا ظناً منه أنها ستردع موسكو وستساهم في اخضاعها للهيمنة الأميركية – الأوروبية، حيث تهدف هذه العقوبات الى محاصرة روسيا في شتى المجالات الاقتصادية والمالية وفي مجالات الانتاج الزراعي. روسيا تمتلك انتاجًا ضخمًا من الحبوب على أنواعها ومن الأسمدة وقد ارتفعت أسعارها عالميًاً حيث تضاءلت كمية العرض العالمي من هذه المواد بفعل القيود على الانتاج والتصدير الروسي لها، وهذا ما خلق نوعًا من الاختلال العالمي بين العرض والطلب في مجال القمح والذرة والأسمدة وساهم بتأثر العديد من الدول بذلك بشكل مباشر ومنها دول أوروبا بالتأكيد مع تأثر أكثر خطورة بالنسبة للدول النامية التي تستورد هذه المواد من روسيا بشكل مباشر ما خلق تهديدًا مباشرًا لأمنها الغذائي.

أيضًا هذه الأزمة دفعت العديد من دول العالم التي تمتلك انتاجًا وفيرًا من الحبوب كالهند الى اتخاذ قرارات بمنع تصديرها الى الخارج من أجل حماية الأمن الغذائي المحلي لشعوبها الأمر الذي ساهم في تفاقم الأزمة بشكل كبير جدًا.

كذلك ساهمت هذه العقوبات الغربية والرد الروسي عليها بعقوبات مماثلة واجراءات صارمة الى حصول ارتفاع مهول في أسعار الطاقة والمحروقات والغاز مما ساهم في ارتفاع معدلات التضخم المالي بصورة كبيرة حيث ارتفع متوسط مؤشر الاسعار العالمي الى حدود 160 % ولم تسلم منه الدول الاوروبية التي تعاني اليوم من غلاء كبير في اسعار السلع الضرورية ولا الولايات المتحدة التي وصل معدل التضخم المالي فيها الى حدود 9 % لأول مرة منذ حوالي 40 عاماً كذلك تأثرت حوالي 70 دولة نامية بشكل مباشر بهذه العقوبات والتضخم حيث أصبح قسم كبير من سكانها يعاني من عدم توفر الامن الغذائي.

خلاصة

يشهد العالم اليوم أزمة معيشية خانقة على مستوى توفير الامن الغذائي بسبب أسلوب الهيمنة الذي ما زال متبعًا من الولايات المتحدة الأميركية والغرب في التعاطي مع الدول والشعوب الأخرى. ومن هنا يتبين لنا أن المسؤول الأول عن كل الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالعالم هي السياسات الاقتصادية والنقدية التي ينتهجها الغرب من أجل السيطرة على خيرات الشرق. ولكن هذه المرة أصبح الأمر مختلفًا نسبيًا بعد التصدي الروسي لكل أشكال الهيمنة المتبعة ما ساهم بالدرجة الاولى في قلب السحر على الساحر، حيث أصبح الغرب يعاني من تداعيات ما اقترفت يداه من سياسات عدوانية بحق الشعوب الاخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.