من تدعيم الأسوار إلى هدم الجٌدر .. في خطاب السيد نصرالله

hassan-choukeir-nasrallah

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
يمكن لنا، وبصورة أولية وسريعة، أن نصف الخطاب المحوري بالأمس لسماحة السيد نصرالله ، بأنه خطاب هدم الجدر التي تمترس خلفها الكيان الصهيوني منذ ما يقرب العقد من الزمن، وتحديداً من الرابع عشر من أب في العام ٢٠٠٦، تاريخ توقف العمليات العسكرية الصهيونية على لبنان، وذلك في حرب الكيان الصهيوني الثانية عليه، والتي – أي هذه الجدر – ازدادت سماكتها أكثر فأكثر مع انطلاق ما سُمي بربيع العرب في العام ٢٠١٠.
في عودة موجزة إلى تلك الحقبة، والتي انطوى فيها الكيان الصهيوني أمنياً على ذاته، وذلك ضمن أسوار متنوعة ومتعددة، والتي تجلّت على الساحة الفلسطينية الغزيّة، بأسوار الإنهاك والإشغال، والإطباق والحصار على القطاع المقاوم، والتي تمثلت على الدوام بعمليات عسكرية تدميرية، يليها إطباق وحصار، والتي ما زال الكيان يمارس هذه الإستراتيجية هناك إلى يومنا هذا …
أما في الضفة الغربية، فإن الأسوار الأمنية فيها، تراوحت ما بين الإحتلال المباشر، والتنسيق الأمني والمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ناهيك عن الربض على كتفها في غور الإردن، وذلك بجعلها على الدوام بين فكي الكماشة الصهيونية.
أما من الجهة اللبنانية، فلقد تمثل السور الأمني للكيان الصهيوني – وتحديداً بعد فشله الذريع في تركيع المقاومة في العام ٢٠٠٦ – في الإصرار على استقدام اليونيفيل المعززة والمدعومة من الجيش اللبناني، وذلك للتواجد بشكل مكثف في الجنوب اللبناني، وذلك على ظنٍ صهيوني، بأن ذلك سيعيق العمل المقاوم في تلك البقعة، ليترافق ذلك مع قواعد اشتباك ال١٧٠١ ، مضافاً إليها التهديدات تارةً  وبعض الفعل الصهيوني المتكرر تارةً أخرى، وذلك من حين لأخر، بهدف منع وصول الأسلحة الكاسرة للتوازن إلى المقاومة، وذلك بجعله خطاً أحمراً  صهيونياً، مانعاً – باعتقاده – وصول الصواريخ من مخازنها في سوريا، إلى مخابئها ومنصات إطلاقها على الأراضي اللبنانية.
أما في سوريا، وبعد العدوان الذي ما زال يُشن عليها، فلقد عمد الصهاينة، وكما بات معلوماً، على تدعيم سوره الأمني على حدودها – وذلك في لحظة استغلال الظروف الصعبة التي تمر بها السلطة المركزية فيها – من خلال تسهيل وصول الجماعات الإرهابية إلى طول الحدود مع الجولان المحتل، وذلك بعد تخلي  الصهاينة، وبشكل علني، عن قواعد الإشتباك السابقة، والتي كانت الأندوف، حتى الأمس القريب ضمانةً لها.
هذه الأسوار والجدر الأربعة، والتي عمل الصهاينة على تدعيمها منذ ما يقرب العقد من الزمن حتى يومنا هذا ، لم ترُق لمحور الممانعة، والذي بقي حتى الأمس القريب يشتغل ضمن استراتيجية إفشال أهداف العدوان على سوريا، وذلك من خلال ضرب الأدوات الإرهابية، والتي يتكل عليها الكيان الصهيوني في تدعيم سوره الأمني.
في الثامن عشر من هذا الشهر، شكلت غارة القنيطرة – على الرغم من ألمها – غطاءً إستراتيجياً وازناً للمقاومة ومحور الممانعة معها، للتحول من استراتيجية ضرب الأذناب، إلى استراتيجية طرق الأبواب، تمهيداً لهدم الأسوار والجدر على حد سواء …
لم يكن الكيان الصهيوني غافلا ً عن كل ما يدور في الرأس المقاوم والممانع  في البدء بهذا التحول، مما فرض على الصهاينة القيام بعملية استباقية لإفشال هدم الأسوار وتهشيم الجدر، وذلك من خلال الرهان على التقدير الخاطئ للموقف الذي وقع الكيان في فخه، والذي أشرنا إليه بالأمس في مقالتنا، بأنه الكمين الإستراتيجي الثاني الذي ينصبه المحور الممانع للكيان الصهيوني، بحيث راهن هذا الأخير على عدم جاهزية المقاومة ومعها محور الممانعة برمته لأية حرب شاملة، يهول بها الكيان على هؤلاء…
وكانت الصدمة، في الفترة الفاصلة ما بين غارة القنيطرة وعملية مزارع شبعا وما بعدها بساعات قليلة فقط.. بأن اكتشف الكيان خطأ تقديراته، فسقط في الكمين، والذي قلنا بالأمس إن ما قبله، لن يكون كما بعده… وقد جرى التأكيد على ذلك في خطاب السيد بالأمس، والذي فتح المنطقة برمتها أمام تطورات دراماتيكية ستقود إلى محطاتٍ ثلاث لا رابع لها… فما هي هذه التطورات ، وبشكل مختصر؟
– أولا ً: العد العكسي لإنتفاء دور اليونيفيل في الجنوب اللبناني  قد بدأ زمانه، وذلك بعد أن أعلن السيد تحرر المقاومة من أي قواعد اشتباك تذكر، وبالتالي ـ وكما أنهى الصهاينة قواعد الإشتباك في الجولان بطرد الإندوف لصالح الجماعات الإرهابية هناك ـ فإن دور اليونيفيل المأمول صهيونياً وأمريكياً سينتفي لا محالة بعد هذا الإعلان للسيد نصرالله حول التحرر من قواعد الإشتباك… وبالتالي فإن مراسم دفن القرار ١٧٠١ قد بدأت بالفعل.
ثانياً: إنطلاق مرحلة تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا، وذلك كحق مكفول أخلاقياً ووطنياً وقانونياً أيضاً، وهذا تعبيرٌ عن تحول واضح من الدفاع إلى التحرير في تلك البقعة من لبنان.
ثالثاً: تحصين المقاومة الشعبية الناشئة على التماس مع الإرهابيين على امتداد الجولان المحرر، وذلك بتوفير الغطاء والدعم  العسكري لها، وردع الكيان الصهيوني من المس بها لصالح الإرهابيين كما كان يحدث سابقاً.
رابعاً: إكمال مسيرة نقل السلاح الكاسر للتوازن بين جغرافيات المحور الممانع كافة، وفي كل الإتجاهات، وذلك تحت معادلة الردع الجديدة التي أطلقها السيد، بأن التعرّض لأي بقعة، هو تعرضٌ لكل الجبهات، وأن الردود ستكون مفتوحة..
خلاصة القول: أراد الكيان الصهيوني، ومن خلال غارة القنيطرة الغادرة، تدعيم الأسوار الأمنية من حوله أكثر فأكثر … إلا ّ أنه سرعان ما وجد نفسه –  وبعد الغارة مباشرة ، وحتى عملية مزارع شبعا – يقف عاجزاً ، أمام جُدرٍ تعمل المقاومة على تهشيمها، مما سيجعله مكشوفاً تماماً، لا بل أنه مجبرٌ على الوصول إلى محطة من ثلاث  والتي أكررها على الدوام ..فإما الرضوخ للإستنزاف المميت، واما الإندفاع نحو حتفه، وإما طلب سلم نجاة جديد، قد لا يجد حينها من ينصبه له، وذلك مع تطور الأحداث وتسارعها …
الأيام وحدها ستكون كفيلة ً بأن تشهد على ذلك .
باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.