مهنة التطريز في غزة: نساء يَحِكْن التراث.. والهوية

تطريز
دويتشه فيلله:
مهنة التطريز الفلسطيني فنّ امتاز بالعراقة والإبداع، امتدت جذوره عبر قرون وتوارثته الأجيال النسائية.

تحكي المشغولات ثقافة كل قرية ومدينة فلسطينية هُجّر أهلها منها، كما تلعب دوراً مميّزاً في الحفاظ على الهوية الفلسطينية.

تحرص الحاجة أم فتحي يوسف على العمل أربع ساعات يومياً في الحياكة والتطريز على قماش ذي مواصفات تناسب الشكل المطلوب. أم فتحي، وهي في منتصف العقد السابع من العمر، لم توقف الشيخوخة عزيمتها على مواصلة التطريز اليدوي الذي ورثته عن أمها، وهي تتخذ من منزلها في غزة مكاناً لمزاولة مهنتها.

وتعتبر أم فتحي التطريز «فنا وإرثاً وطنياً يجب التمسك به»، ففي أركان منزلها أشكال متنوعة من المشغولات المطرزة يدوياً، منها مُعلقات وبراويز وأثواب فلاحية وجلابيب نسائية وأغطية طاولات وإكسسوارت عليها رموز وصور وأشكال هندسية ملوّنة وغيرها من المشغولات.
تؤكد أم فتحي بطريقة عفوية «أنا بعملش علشان الفلوس، لكن علشان أحافظ على أصالة وحضارة وجمال زيّنا الشعبي، وقد علمته لبناتي وحفيداتي ولناس كتير».

للتطريز أشكال وأساليب وقواعد محددة. بدورها، تقضي أم عمرو، وهي سيدة غزاوية، وقت فراغها في تطريز أشكال متنوعة من المشغولات. وتشرح أن هذه المهنة لها أسس وقواعد أثناء عملية التنفيذ، تكمن في اختيار نوع القماش والخيط. وتشير إلى أن حياكة التطريز تتكون من وحدات ومجموعات وغرز زخرفية، لكل منها معناها الخاص وفق التصميم الهندسي المُعَدّ سلفاً، ليخرج في النهاية التصميم والشكل المطلوبان.

وتعتقد أُم عمرو أن الإبداع في الرسومات تأتي مستلهمة ومستوحاة من البيئة الفلسطينية. وتعزو بقاء المهنة «لتفاخر الفلسطينيين عبر أجيال بزيهم التراثي واعتزازهم وتمسكهم به، هذا الزي الذي أخذ تصاميم إبداعية بألوان جذابة».
أما ريم، وهي مدربة في إحدى مراكز التدريب المهني في غزة، فتستند إلى الحكمة القائلة «إذا أردت أن تعرف شعباً.. أدرس تاريخه».

وتحرص ريم على «تدريب الفتيات والنساء لإخراج عمل تطريز يدوي بصور معبرة، تنطق من دون الحاجة إلى الكلام عن المضمون». وعن الاستلهام في الرسوم وأعمال التطريز اليدوية، تَعتبر ريم أن البيئة الفلسطينية غزيرة بذلك في الوقت الحاضر، إذ تأخذ أشكالاً تراثية مختلفة تعبر عن الماضي وتمتزج بالحاضر مع الحفاظ على الشكل القديم.

وعن مدى توجه واهتمام وتركيز عملهم الحالي، توضح ريم أن الثوب الفلسطيني وغطاء رأس المرأة وصور الريف والآيات القرآنية حاضرة في عملهم. بينما الأهم في التوجهات «مشغولات مطرزة لإكسسوارات معاصرة تعبر عن تراثنا وملامح قضيتنا وتروي حكاية شعبنا المهجر وحصاره في غزة».

من جهتها، تضيف إحدى المتدربات في المركز أن أهم ما يجذبها «تطريز الورود والسنابل الممزوجة بأفرع النباتات». وتشير فتاة أخرى إلى أن توجهات المتدربات تختلف في ما بينهن، بعضهن يفضلن تطريز ما تعكسه البيئة الصحراوية التي تختلف عن الحياة الجبلية، وأخريات يفضلن تطريز ما تعكسه حياة القرية والمدينة.

وتحرص الجمعيات والمؤسسات النسائية والمدنية والتراثية في قطاع غزة بشكل مميز ومستمر على عقد دورات وورش تدريبية، وندوات حول الحفاظ على التراث الفلسطيني وإعادة إحيائه، ومنها مهنة فن التطريز التي ساهمت بمشاركة منتجاتها في معارض محلية وعربية ودولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.