موقف إنساني نبيل يجب دعمه

richard-folk

صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
من الصفات والطباع الملازمة للمجرمين واللصوص سعيهم إلى إخفاء جرائمهم وما يدل على فعلهم الإجرامي، وفي سبيل ذلك تراهم يستميتون لنفيها ومواجهة من يتفوه بها، بل ودون تورع ودون أي وازع، يلجأون إلى التخلص من شهود الإثبات، لما تمثله هذه الحقيقة من إدانة لهم على جرائمهم.
وفي العصر الحديث لا أحد يتفوق على كيان الاحتلال الصهيوني في مواجهة ومحاولة إخفاء الحقائق والأدلة الثابتة التي تدينه على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ولا يزال بحق الشعب الفلسطيني، واعتمد طوال تاريخ جرائمه الممتد منذ أكثر من خمسة وستين عامًا على سياسة الاغتيالات والحروب والإرهاب والمؤامرات وأساليب التهديد والترهيب لإبعاد أي خيط إدانة ضده، وللأسف الشديد ما كان لهذا الكيان الصهيوني الغاصب؛ الناشر الأول للإرهاب والدمار والخراب، والناثر الأول لروائح الموت في كل مكان، أن يلجأ إلى الإرهاب وسيلة للتخلص من الملفات التي تدين إرهابه وجرائمه ضد الإنسانية وجرائم الحرب، لولا النفاق المستشري في مفاصل المنظمات والمؤسسات الدولية، وفي مفاصل دوائر صنع القرار في الدول الكبرى الحليفة لكيان الإرهاب الصهيوني الذي رأى في هذا النفاق وحالة التزلف والتملق له لأجل نيل رضاه، صكًّا شرعيًّا يجعله فوق القوانين الدولية والشرائع السماوية والوضعية، فنظر هذا الكيان المحتل وقطعان مستوطنيه لأنفسهم أنهم “صفوة الخلق”، وأنهم “الشعب المختار” في هذا العالم والذين يستحقون الحياة وحدهم، وما عداهم بالتالي سوى حشرات وأفاعٍ ورقيق يستحقون الموت والفناء.
وبناء على هذا النفاق والتزلف والتسول الغربي غير المسبوق تجاه كيان الاحتلال الصهيوني يعلن بكل بجاحة وصلافة قادته أنه “لا أحد يملك الحق في محاسبة أو مساءلة كيانهم المحتل”، ومن يتجرأ على مجرد إبداء انتقاد لممارسات المحتلين الصهاينة أو يدفعه ضميره إلى قول الحقيقة الثابتة الناصعة التي رآها بأم عينيه، فعليه أن يتحمل مسؤولية نقله للحقيقة ويقظة ضميره وإنصافه، وأن يعد دقائق حياته وثوانيها مما قد يأتيه من عقاب قد يكون في صورة اغتيال أو إنهاء لمستقبله المهني والوظيفي واتهامه بمعاداة السامية.
وبناء على هذا النفاق الغربي الذي دخل على خط التنافس بعض القوى العربية، ضاعت حقوق الشعب الفلسطيني والشعب المصري والشعب السوري والشعب اللبناني، والشعب العراقي، وطوى الزمن مذابح المخيمات الفلسطينية كصبرا وشاتيلا وجنين وقطاع غزة، وقانا1 وقانا 2 ومذابح بحر البقر وسيناء والجولان السوري المحتل، طويت كل المذابح وجرائم الحرب الصهيونية قديمها وجديدها.
حتى أولئك المسؤولين والدبلوماسيين الذين توافدوا إلى المنطقة لسبر أجواء إمكانية إقامة مفاوضات سلام حقيقية جوبهوا وحوربوا وأفشلت مهماتهم، وإن كان بعض هذه المهمات له مآرب أخرى.
ولذلك فإن ما يتعرض له ريتشارد فوك الخبير في الأمم المتحدة من ضغوط صهيونية وغربية تبعًا لحالة النفاق، لإجباره على الاستقالة من مجلس حقوق الإنسان بسبب إصراره على قول الحقيقة حول الممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية التي يمارسها كيان الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين، فإن هذه الضغوط ليست بجديدة على كيان محتل لص يعمل على طمس كل ما يدين جرائمه، كما أنها لن تكون الأخيرة. لكن في يقيننا أن إصرار فوك على رفض الاستقالة دليل على حجم ما رآه من جرائم صهيونية يندى لها الجبين، وأنه قد أخذ فعلًا بناصية الحقيقة، ولا بد وأن ضميره يشعر بارتياح على هذا الموقف، وهو ولا شك يعبر عن موقف إنساني نبيل نقدره ونحترمه، وحتمًا سيقدره كل الشرفاء والأحرار في العالم. وعلى العرب والفلسطينيين في مقدمتهم مناصرة أصحاب مثل هذه المواقف الإنسانية النبيلة من قضيتهم، ودعمهم بكل وسائل الدعم السياسي والمعنوي، وحتى المادي إذا اقتضت الضرورة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.