هل ينقلب اوباما مرة أخرى ؟

obama5

وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:

التسوية الأميركية الروسية حول سوريا التي شرعت معالمها في الظهور بعد اختبار القوة الأعنف في الشرق العربي هي المحاولة الروسية الثالثة لبناء توازنات جديدة عالميا في سياق البناء على الصمود السوري الكبير أمام الحرب الكونية التي تقودها الإمبراطورية الأميركية ضد سوريا ومعها حلف عالمي إقليمي حشد جميع قدراته المالية والإعلامية والاستخباراتية والعسكرية ويدور السؤال المشروع في العديد من الدوائر عن خطر انقلاب أميركي جديد كما حصل في المرتين السابقتين.

أولا   إن مسار التفاهمات الروسية الأميركية قام أصلا على صمود سوريا ومأزق العدوان الاستعماري وبالتالي حاجة الولايات المتحدة كقوة عالمية إلى الإخراج الروسي لصيغ التسويات التي تحفظ ماء الوجه الإمبراطوري وقد سعت الولايات المتحدة إلى التنصل مما تلتزم به سعيا إلى اختبار اوهام ورهانات قامت على مبدأ تصعيد العدوان .

بعد تفاهمات جنيف الأولى في حزيران 2012 قامت الولايات المتحدة بالانقلاب على مضمون ما توصلت إليه مع روسيا واختبرت أوهامها في النيل من تماسك وصلابة الهيكل القيادي السوري وسعت لتمزيق وحدة الشعب والجيش ضمن محاولة إطلاق حرب أهلية سورية وانطلقت خطتها من تفجير مكتب الأمن القومي وكانت الصدمة معاكسة لتوقعات حلف العدوان بفضل صلابة الموقفين الشعبي والقيادي ومتانة ولاء الجيش العربي السوري لبلاده وهو ما أظهر رسوخ زعامة الرئيس بشار الأسد كرمز قومي ووطني لمقاومة الحلف الاستعماري الصهيوني وأتباعه من الحكومات العميلة في المنطقة.

بعد تفاهمات موسكو في حزيران 2013 عطلت الولايات المتحدة الاتفاق على عقد جنيف 2 وتملصت من تسليمها الواضح بشروط الحل السياسي الذي طرحه الرئيس بشار الأسد وجسدته روسيا كإطار يملي  في بنده الأول وقف دعم عصابات الإرهاب والتكفير التي جلبها الأميركيون وشركاؤهم في العدوان على سوريا من 83 دولة في العالم وهذا ما كان يفترض قيام الولايات المتحدة بإلزام الحكومات التابعة لنفوذها في المنطقة والمتورطة في العدوان على سوريا بإجراءات وتدابير صارمة توقف تصدير الإرهابيين ومدهم بالسلاح والمال.

ثانيا   كان محور الرهان الأميركي بعد الانقلاب على تفاهمات موسكو إنجاز ما وصفه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بتعديل التوازنات السورية قبل الإفراج عن مؤتمر جنيف وفي هذا السياق صفعت الأحداث واشنطن بفشل جديد من خلال السقوط المدوي لخطة بندر بن سلطان الذي تصدر قيادة العدوان الاستعماري بعد تعثر رئيس الوزراء التركي أردوغان وإثر حذف الحمدين ومن ثم سقوط حكم الأخوان في مصر وانهيار الوهمين العثماني والأخواني في دوائر التخطيط الغربية.

في ذروة سقوط بندر وفشله صنعت حادثة الغوطة وكان إعلان الرئيس الأميركي قراره بشن الحرب على سوريا وهو ما كان الخيار الأخير لإنقاذ قوى العدوان بعد استنفاذ جميع المحاولات السابقة وهذا القرار كان جديا ولم يكن مناورة سياسية كما يزعم بعض العملاء الخائبين وقد رسمت خطط العمليات المرافقة للغزو الأميركي  ودفعت وحدات جديدة من عصابات التكفير عبر الحدود الأردنية والتركية وجرى حشد القوات والجيوش التي تقرر أن تشارك في العدوان الواسع على سوريا وجرى توزيع الأدوار في اجتماع رؤساء الأركان الذي عقد في عمان بقيادة الجنرال ديمبسي بانتظار ساعة الصفر التي قررها الإمبراطور الأميركي  وأرغم على التراجع عنها ومكث البيت الأبيض بانتظار المبادرة الروسية أياما جرت خلالها مشاورات روسية سورية إيرانية في موسكو أعقبها التحرك السياسي الروسي الذي مد طوق النجاة للإمبراطورية الأميركية بالتسوية الثالثة التي جرت في لقاءات جنيف مؤخرا بين الوزيرين كيري ولافروف .

ثالثا   التسوية الثالثة تضمنت ثمنا سياسيا ومعنويا قدمته روسيا للولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل يتصل بالكيماوي السوري مع حصول سوريا على مكونات مضافة لحصانتها ولقدراتها الردعية في وجه إسرائيل تعوض ترسانتها الكيماوية الذاهبة إلى الرقابة وأقلها منظومات السلاح الروسية الحديثة وتجسيد الاندماج الاستراتيجي السوري مع كل من إيران وحزب الله بما يجعل الحرب الشاملة مآلا محسوما لأي عدوان على سوريا .

أدرجت الدينامية الروسية في مضمون التسوية وبصورة حاسمة عملية إنهاء العدوان على سوريا وتفكيك منصات الحرب بالوكالة عبر جدول زمني لالتزامات سورية أميركية متقابلة وهو ما عبر عنه الرئيس بشار الأسد بكل وضوح وحزم .

الانقلاب الأميركي عند أي بند يجب ان يعني العودة بكل شيء إلى المربع الأول وهو ما تضمنه شراكة روسية كاملة مدعمة بتوازن قوى جديد في العالم والمنطقة اظهرته اختبارات القوة الأخيرة حيث يشكل الرهان على تغييرات ميدانية تجريبا لما جرى تجريبه في هامش زمني يضيق بفعل اضطرار الولايات المتحدة للشروع في التفاوض الجدي مع روسيا وإيران بهدف ضمان مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وفي ظل الحاجة الأميركية للتوصل إلى تفاهمات منجزة قبل نهاية السنة.

سياسيا وأخلاقيا وبالنظر لسلوك الإدارة الأميركية لا بد من التصرف بحزم ووضع احتمال انقلاب جديد في الحسابات وهو ما يفترض اليقظة الشديدة والانتباه لتفاصيل الجداول الزمنية المتفاهم عليها مع الشريك الروسي كما يقتضي ذلك جهوزا واستعدادا مستمرين في محور المقاومة ضمن قاعدة قائد المقاومة السيد نصرالله : إن عدتم عدنا… ويبقى القول الفصل لحقائق الميدان في مزيد من الإنجازات التي يحققها الجيش السوري الذي سوف يتحرك بسرعة أكبر وبفاعلية أشد لاستعادة السيطرة في جميع المناطق السورية إذا فرض على حلف العدوان ان يلتزم بالبند الأول من تفاهمات موسكو ووفقا لما يفترضه مضمون التسوية الثالثة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.