هنري كيسنجر مهندس فوز الأرجنتين بكأس العالم 1978

argentinea - mondial 1978

هنري كيسنجر داهية في السياسة، يعرف كيف يسخّر كل ما في الدنيا لخدمة أهدافه، حتى أنه ساهم في تنصيب الأرجنتين بطلة مونديال 1978 لصرف نظر الشعب الأرجنتيني عن فظائع الحكم العسكري حينها.

بيروت: من لا يعرف هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي، الذي يمكن أن يعد أشهر وزير خارجية في العالم؟ ومن لا يعرف أن ما يحصل اليوم في الدول العربية، وخصوصًا في سوريا والعراق، ليس إلا تنفيذ دقيق، بالرغم من فوضويته، لخريطة سياسية وضعها كيسنجر للمنطقة في سبعينيات القرن الماضي؟ قلة بالطبع! ولكن قلة أخرى تعرف أن كيسينجر هذا، الذي عرف دائمًا بصديق الطغاة، كان يتحكم بتفاصيل أخرى كثيرة غير سياسية، ومنها كروية، يسخرها للوصول إلى أهدافه وأهداف الولايات المتحدة، في أنحاء مختلفة من العالم، وخصوصًا في أميركا اللاتينية.

بطولة غريبة

كان الأمر مجرد علامات إستفهام تليها علامات تعجب، لكن وثائق استخبارية اميركية أفرج عنها أكدت الشكوك. فالأرجنتين لم تفز بكأس العالم 1978 بجدارة لاعبيها، إذ امتزجت في هذه البطولة السياسة بالرياضة، وشهدت تهديدات بالمقاطعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وكان النجم الهولندي يوهان كرويف من أكبر المتضررين في هذه البطولة، ورفض السفر إلى بيونيس أيريس بسبب تعرضه لمحاولة اختطاف.

وشهدت البطولة جدلًا حادًا، فكان منتخب الأرجنتين لا يعلب مبارياته إلا ليلًا، بعد انتهاء المباريات ومعرفة نتائجها.

وأحرزت اللقب

في الجولة الأخيرة، استوجب فوز الأرجنتين على البيرو لتتأهل للمباراة النهائية. انتهى الشوط الأول بين الأرجنتين والبيرو بهدفين نظيفين للأرجنتين، وبعد الإستراحة استطاعت الأرجنتين تسجيل 4 أهداف والتأهل للمباراة النهائية. أثارت ذلك جدلًا حول تلاعب ما في النتيجة وحول رشاوى دفعت لحارس مرمى المنتخب البيروفي، بعد أنباء عن حسابات له في البنوك الأرجنتينية، ومساومة الحكومة البيروفية على محكومين لدى الأرجنتين للإفراج عنهم وإعادتهم إلى البيرو مقابل خسارتها المباراة بستة أهداف.

وكانت المباراة القمة بين الارجنتين وهولندا، ففازت الأرجنتين محرزة لقب كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها.

عملية كوندور

كان الأمر مجرد شكوك، حتى أخرجت الاستخبارات الأميركية إلى العلن وثائق من تلك المرحلة، كانت سرية ثم رفع عنها الحجاب مع مرور الزمن. ففي 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، أفرجت الاستخبارات المركزية الأميركية عن جملة وثائق تؤكد دورًا لكيسنجر في فوز المنتخب الأرجنتيني بكاس العالم 1978، لأن الولايات المتحدة أرادت أن تسخر الحدث الكروي لكي تمتص النقمة الشعبية الكبيرة على خورخي رافاييل فيديلا، الحاكم العسكري للأرجنتين حينها. فليس أهون من صرف نظر المضطهدين عن رفض مضطهدهم باستخدام الشغف الكروي الذي يعم في الشعب الأرجنتيني، لذا خطط كيسنجر في أن تقام البطولة في الأرجنتين، وفي أن تفوز فيها الأرجنتين أيضًا، مهما كان الثمن، في عملية سميت “عملية كوندور”.

ما قالته الوثائق

وتورد إحدى الوثائق نص حديث دار بين كيسنجر وكان وزيرا للخارجية في ادارة الرئيس فورد وبين الادميرال سيزار اوغوستو غوزيتي وزير الخارجية الارجنتيني في 7 تشرين اول 1976ـ في اجتماع عقد بفندق والدورف استوريا في نيويورك، أي بعد ستة أشهر من اغتصاب العسكر للسلطة، ادرجته الوثيقة تخت عنوان “حديث كروي”.

قال كيسنجر لغوزيتي: “نريدكم ان تفوزوا، وايًا كان الأمر سأكون في الأرجنتين في 1978، في عام كأس العالم”. ثم أردف قائلًا: “الأرجنتين ستفوز”. وهذا حصل في 6 حزيران (يونيو) 1976، أي قبل عامين من حصول البطولة.

ووفى كسينجر بوعده، وعاد مع عائلته زائرًا إلى الأرجنتين ليشهد فوزها بكأس العالم.

وتقول الوثيقة نفسها إن جاكوبو تيمرمان، المحرر الصحفي الذي كان أكبر معتقل سياسي في الأرجنتين، قال: “نحن السجناء السياسيين كنا جميعًا مع هولندا فى ذلك اليوم”، وهو يعلم أن مؤامرة فوز الأرجنتين بتلك الكأس كانت لدعم الحكم العسكرى فيها وأشغال الشعب الأرجنتيني بالأنتصار الكروي والتوقف عن التظاهر ضد نظام الحكم العسكري.

هكذا خسرت البيرو

في كتابها “نسأل بحثًا عن الحقيقة”، كتبت الكاتبة الارجنتينية هيبي دي بونافاني أن كيسنجر حضر مع عائلته ليحضر مباريات البطولة، ورافق فيديلا بزيارة لغرفة تغيير ملابس منتخب البيرو في الدور نصف النهائي، أثناء مباراة الأرجنتين والبيرو. كان على الأرجنتين أن تفوز بأربعة أهداف على الأقل لتتأهل، فهدد فيديلا البيرو باستخدام الوحدة الأميركية اللاتينية ضدها، فخسرت البيرو أمام الأرجنتنين بستة أهداف للا شيء.

أما الصحفي الارجنتيني ريكاردو كوتا، فقد ألف في العام 2008 كتابًا عنوانه “نحن الابطال”، بمناسبة مرور 30 عامًا على فوز بلاده بمونديال 1978.

يقول في كتابه: “كانت تشكيلة الأرجنتين تضم فيلول وباساريلا وأرديليس وليوكي وكيمبس، ويرأسها سيزار لويس مينوتي، وكان على هؤلاء أن يفوزو على البيرو بفارق أربعة أهداف للتأهل، فأتت النتيجة 6-صفر، بعدما زار الديكتاتور خورخي رافاييل فيديلا وهنري كيسنجر غرفة تبديل ملابس المنتخب البيروفي”.

ويعترف خوان كارلوس أوبليتاس، مهاجم بيرو في مونديال 1978، بأن كيسنجر وفيديلا زارا غرفة الملابس قبل المباراة الفضيحة.

ايلاف

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.