الجيش الروسي المتطور عصا بوتين الخارجية.. إلى ما بعد أوكرانيا

موقع العهد الإخباري-

د. علي دربج:

يحبس العالم انفاسه على وقع طبول الحرب التي تقرع على الحدود الاوكرانية، والتي تسبب بها تحرك “الناتو” بتدخله في البيئة المحيطة بروسيا ونشر صواريخه في حدائقها الخلفية. ويرصد الغرب بدقة كل تحرك للجيش الروسي الذي يحشد جنوده وعتاده وآلياته في تلك المنطقة بانتظار اشارة الهجوم للرئيس فلاديمير بوتين التي يخشاها جميع اللاعبين الرئيسيين في الازمة الاوكرانية خصوصا الولايات المتحدة الاميركية ومعها الغرب وحلفاؤه.

صحيح ان المعسكر الغربي الذي يستخدم كييف كخيال ظل، يتسلط باستخدام ادوات تحريضية لاستهداف موسكو كالعقوبات، لكن مقابل هذا التوتر والهستيريا الغربيين مما تخبئه موسكو لاوكرانيا واوروبا، يتعمّد بوتين (وفريق ادارته) التصرف بهدوء بعيدا عن ردات الفعل، موحيا للاخرين بالثقة التامة في تعاطيه مع هذا الملف الحساس في لحظة حرجة، وهذا يعود بشكل اساسي الى القوة المتطورة التي يعتمد عليها سيد الكرملين، ونعني بها الجيش الروسي.

وهنا يطرح السؤال نفسه، من اين تنبع ثقة بوتين؟ وما هي التغييرات التي طرأت على الجيش الروسي؟ فلنكتشف الامر سويًا.

مع تفكك الاتحاد السوفياتي السابق حافظ بوتين ـ رجل الاستخبارات في تلك المرحلة ـ على استمرارية وقدرة 3 قوى وهي: العسكر، برامج الفضاء والاستخبارات طبعا، ومع تدبيره الذكي في تلك المرحلة وصولاً إلى ترشحه لمنصب الرئاسة وفوزه، حافظ بوتين على قوة الجيش مسلحة نووياً، وعمل لإبقاء الغواصات عائمة في القطب الشمالي، وواجه بشراسة تمردا فائق التسلح في خليج الشيشان.

وبعد عقدين من الزمان، أصبح الجيش الروسي قوة قتالية متطورة، يحسب لها الف حساب، وها هو يكشف عن جانب من قدراته بالقرب من الحدود مع أوكرانيا.

يكشف محللون عسكريون غربيون، أنه تحت قيادة بوتين، تم تأهيل الجيش الروسي ليصبح حديثًا ومتطورًا ، قادرًا على الانتشار بسرعة وبتأثير مميت في النزاعات التقليدية، حيث بات يتميّز بامتلاكه أسلحة دقيقة التوجيه، وهيكل قيادة مبسط وحديث بالإضافة إلى جنود محترفين، وفوق ذلك كله لا يزال بحوزته أسلحة نووية.

وما علاقة تطور الجيش الروسي بالسياسة الخارجية؟ اليكم الاجابة.

برز الجيش الروسي الحديث، كأداة رئيسية لسياسة بوتين الخارجية، وقد ظهر ذلك من خلال الاتي: استعادة شبه جزيرة القرم، التدخل في مواجهة الارهاب التكفيري في سوريا، والحفاظ على السلام بين أرمينيا وأذربيجان، وفي هذا الشهر فقط، دعم كازاخستان بوجه مشروع ثورة ملونة. وهو الآن في منتصف اكبر عملياته طموحا ـ وأكثرها شؤما بالنسبة للغرب ـ إذ يكتفي حتى الآن، باستخدام التهديدات وربما لاحقا القوة كما يخشى الكثيرون، لإبعاد التهديدات الاتية من أوكرانيا وممن هم وراء أوكرانيا باتجاه موسكو.

وفي هذا الاطار قال بافيل لوزين، المحلل الأمني الروسي، “إن تنقل الجيش، وجاهزيته ومعداته هي التي تسمح لروسيا بالضغط على أوكرانيا والغرب.. فالأسلحة النووية ليست كافية”.

عمليا، ودون إطلاق طلقة واحدة، أجبر بوتين إدارة بايدن على التخلي عن أولويات السياسة الخارجية الأخرى، والتعامل مع شكاوى الكرملين التي رفضها البيت الأبيض منذ فترة طويلة، لا سيما فرملة اتجاه أوكرانيا نحو الغرب خلال حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي.

اكثر من ذلك، فإن استخدام بوتين للجيش هو الأكثر خطورة (للغرب) لإعادة روسيا إلى الخريطة العالمية التي غاب عنها بعد الحرب الباردة. وضع بوتين هذه العقيدة في عام 2018، عندما استخدم خطابه السنوي عن حالة الأمة للكشف عن أسلحة نووية جديدة يمكن أن تطير بقدرة 20 ضعف سرعة الصوت. حينها قال بوتين في خطابه ــ الذي تضمن محاكاة فيديو تظهر صاروخًا روسيًا متجهًا نحو الولايات المتحدة ــ “لم يستمع إلينا أحد … والآن استمع إلينا.”

وانطلاقا من هذه النقطة، فإن القوة التي باتت تمتلكها موسكو، لا سيما بعد إصلاح القوات التقليدية الروسية، هي التي وفرت قوة ضغط في أزمة أوكرانيا. واليكم بعض الامثلة.

تتمتع الدبابات الروسية من “طراز” T-72B3 التي تم حشدها على الحدود الأوكرانية، بنظام رؤية حراري جديد للقتال الليلي، بالإضافة إلى الصواريخ الموجهة مقابل ضعف مدى الدبابات الأخرى.

وفقا لروبرت لي، وهو من قدامى المحاربين في مشاة البحرية الأمريكية ومرشح لنيل درجة الدكتوراه في كلية كينغز في لندن، وهو خبير عسكري متخص بالشأن الروسي إن “صواريخ من طرازي “كاليبر” و”كروز” المنتشرة على السفن والغواصات في البحر الأسود، وصواريخ “إسكندر إم” الموجودة على طول الحدود يمكن أن تصيب أهدافًا في أي مكان داخل أوكرانيا.

ليس هذا فحسب، في العقد الماضي، حصلت القوات الجوية الروسية على أكثر من 1000 طائرة جديدة، وفقًا لمقال نشر عام 2020 بقلم أليكسي كريفوروشكو، نائب وزير الدفاع الروسي، وهذا يشمل المقاتلات الأكثر تقدمًا في البلاد، SU-35S ؛ تم نشر سرب منها في بيلاروسيا، قبل التدريبات العسكرية المشتركة الشهر المقبل.

كانت القدرات الجديدة واضحة في تدخل روسيا في سوريا عام 2015. لم تكن فعالة فحسب، بل فاجأت البعض في الجيش الأمريكي. وفي هذا الاطار يقول اللفتنانت جنرال بن هودجز، القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا: “أشعر بالحرج من الاعتراف، لقد فوجئت قبل بضع سنوات عندما انطلقت صواريخ كاليبر من بحر قزوين، وأصابت أهدافًا في سوريا”. واضاف “كانت تلك مفاجأة بالنسبة لي، ليس فقط القدرة، لكنني لم أكن أعرف حتى أنها كانت هناك”.

إضافة الى ذلك، اظهرت روسيا مرونة وسرعة في التحرك في ساحات القتال، إذ استغرق الأمر من طائرات النقل العسكرية الروسية ساعات فقط، لبدء نقل حوالي 2000 جندي حفظ سلام روسي، جنبًا إلى جنب مع الدروع الثقيلة، إلى جنوب القوقاز بعد أن توسط بوتين في إنهاء حرب عام 2020 بين أذربيجان وأرمينيا.

الجيش الروسي المتطور عصا بوتين الخارجية.. إلى ما بعد اوكرانيا

وما هو عديد الجيش الروس، وحجم الانفاق المالي عليه؟ فلنقرأ التالي:

لقد تطور تفكير الكرملين أيضًا حول حجم القوات المسلحة. يعتمد الجيش بدرجة أقل على عدد متناقص من المجندين، وبشكل أكثر على نواة “مختصرة” ومدربة تدريباً جيداً قوامها حوالي 400 ألف جندي متعاقد.

أثناء زيارته لوزارة الدفاع في الماضي، تفاخر بوتين بأن متوسط رواتب الملازم الآن يزيد قليلاً عما يعادل 1000 دولار شهريًا، وهو أفضل من متوسط الراتب في القطاعات الأخرى.
وأضاف أن “الحكومة الفيدرالية تنفق حوالي 1.5 مليار دولار على دعم الإسكان الخاص للجنود في الخدمة”.

لكن مهلا، الجديد ليس فقط المعدات الروسية التي تمت ترقيتها، ولكن النظرية المتطورة لكيفية استخدام الكرملين لها والتي تقوم على التالي:

لقد ابتكر الجيش الروسي نهجًا يسمى”الاكراه عبر المجالات”، وهو يعد مزجًا بين الاستخدام الحقيقي، أو المهدد للقوة مع الدبلوماسية والهجمات الإلكترونية والدعاية لتحقيق أهداف سياسية.

تظهر هذه الاستراتيجية المختلطة بحسب دميتري أدامسكي، الباحث في الأمن الدولي في الأزمة الحالية حول أوكرانيا. فمن جهة تضغط روسيا من أجل الحصول على تنازلات فورية واسعة النطاق من الغرب، ومن جهة اخرى وضعت تحركات القوات الروسية في بيلاروسيا الحليفة، قوة “هجومية” محتملة على بعد 100 ميل من كييف، العاصمة الأوكرانية. زد على ذلك، تحذر وسائل إعلام رسمية روسية من أن القوات الأوكرانية هي التي تستعد لأعمال عدوانية. وفي الوقت نفسه، وفي 14 كانون الثاني/ يناير الفائت، أسقط المتسللون العشرات من مواقع الحكومة الأوكرانية ونشروا رسالة على أحدها تقول “كن خائفًا وتوقع الأسوأ.”

وبناء على ذلك قال أدامسكي: “الإنترنت، والدبلوماسية، التدريبات العسكرية. كلها مرتبطة به.”

في المحصلة أجاد بوتين التحديث العسكري الروسي، ما سمح له بإرسال رسالة إلى واشنطن، وإبراز قوته خارج أوروبا الشرقية، وهو ما احبط المسؤولين الأمريكيين، وفي بعض الأحيان فاجأهم وفرض عليهم محاورته حول اوكرانيا وبالاكراه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.